الديكتاتور!.. رؤساء جامعات يتعاملون بمنطق “الحاكم بأمره”.. وأكاديميون: الجهل بالقانون واللوائح السبب والطالب كبش فداء.. والفساد قد يصل لرؤساء الأقسام
أثار مقطع فيديو لرئيس إحدى الجامعات الحكومية خلال حفل توديعه لبلوغه سن التقاعد، جدلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما أعقبه من هجوم الطلبة وأعضاء هيئة التدريس عليه؛ بداعى أنه كان سببا فى ضياع مجهودهم وإجهاض أحلامهم على حد قولهم، خلال 8 سنوات.
الفيديو والتعليقات أثارا جدلًا واسعًا وتساؤلات كثيرة، حول صلاحيات رئيس الجامعة ودور المجلس الأعلى للجامعات فى الرقابة على أداء رؤساء الجامعات، هل رئيس الجامعة «ديكتاتور» لا يخضع للحساب على حد تعبير الطلبة؟ وما هى المسارات القانونية للتقدم بالشكوى ضد رئيس الجامعة؟ وهل يتم النظر فيها بعين الاعتبار أم يتم وضعها فى درج المكتب والاكتفاء بلفت نظره فقط، لا سيما أن الواقعة المذكورة آنفًا ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها وقائع مشابهة وإن لم تكن بهذه القوة؟
فى البداية، دعونا نتعرف على مهام رئيس الجامعة الأكاديمية والمالية والإدارية خلال رئاسة منصب مهم كهذا وفقًا لقانون تنظيم الجامعات، والتى تعتبر مهام يجب على الجميع معرفتها، حيث تتمثل الصلاحيات الأكاديمية لرئيس الجامعة فى الإشراف على العملية التعليمية وتنفيذ الخطط الأكاديمية وتطوير البرامج، وتشجيع إجراء البحوث فى مختلف التخصصات العلمية، وإقامة روابط أكاديمية مع مؤسسات تعليمية أخرى، بالإضافة إلى تطبيق نظم ولوائح الجودة والتقويم والاعتماد الأكاديمي، يضاف إلى ذلك الإشراف على مختلف الأنشطة الطلابية بالجامعة والامتحانات بمختلف الكليات، فرئيس الجامعة بمثابة حاكم بأمره داخل حدود دولته وهو واجهتها الخارجية.
ومن ضمن مهام رئيس الجامعة الإشراف على استقطاب أعضاء هيئة التدريس وتطبيق الخطط والبرامج الدراسية، والمصادقة على محاضر اجتماعات مجالس الأقسام، وله الحق فى الاعتراض على قراراتها.
أما فيما يخص الصلاحيات المالية، فيتمثل فى إعداد مشروع الموازنة ورفعها لمجلس الأمناء، وكذلك الموافقة على صرف الميزانية والمستحقات المالية، بالإضافة إلى الموافقة على شراء المستلزمات الإدارية والأجهزة العلمية والتوصية بمنح المخصصات والمكافآت. بالإضافة إلى ذلك، لرئيس الجامعة صلاحيات فى حالات الطوارئ، حيث يمكنه اتخاذ قرارات وإجراءات ضرورية للحفاظ على النظام واستمرار العملية التعليمية.
هناك أيضا الصلاحيات الإدارية التى يمارسها داخل أروقة الجامعة، ومنها رئاسة مجلس الجامعة والإشراف على سير العمل، وإصدار الأوامر الجامعية الخاصة بتخرج الطلاب والترقيات العلمية، التوصية بتعيين نواب رئيس الجامعة وعمداء الكليات، بالإضافة إلى الموافقة على قواعد السلوك فى الجامعة وتعيين لجان الجامعة العامة والإشراف على إنشاء الكليات والأقسام، إلى جانب الإشراف على إنشاء الكليات والأقسام والمراكز والمعاهد والبرامج الدراسية.
من جانبه، قال عضو هيئة تدريس بإحدى الجامعات الحكومية تعليقًا على الواقعة المثيرة للجدل: إن ظلم رئيس الجامعة لا يتوقف عنده فقط، بل هناك رئيس القسم ورئيس الشعبة ورئيس المركز، كلهم نفس الشخص فى تعسفه وظلمه، قائلًا: “أنا لى تجارب أصلًا فى موضوع الظلم ده مش على مستوى رئيس قسم وشعبة ورئيس مركز بس، جميعهم يمثلون نفس المناصب التى فى الجامعة، يعنى رئيس الجامعة يعادله عندنا رئيس المركز. متابعًا: “الظلم الذى تعرضت له طال المستقبل العلمى والمهنى كله وبدون وجه حق أو سند من القانون”. لافتًا إلى أن هناك كارثة لا يعلمها معظم الناس والمتابعون للشأن الجامعي، وهى أن معظم الظلم فى الجامعات يكون نتيجته الجهل بالقانون والعمل بالأعراف التى يتداولها القائمون على المنظومة الجامعية حسب الأهواء والمصالح، حتى ترسخ النظام وأصبح هو الإجراء الصحيح، مع أنه مخالف للقانون.
وتابع عضو هيئة التدريس: “الظلم فى الجامعات يصل إلى حد أن المشرف على الطالب أصبح كالكفيل يتحكم فى حياته كيفما شاء، حيث يملك حياة ومستقبل الطالب”، لافتًا إلى أن الطالب يكون فى نهاية الأمر “كبش الفداء”. وأضاف: “هناك حل للقضاء على تلك الظاهرة وتقويضها ووضع حدود للظلم من خلال التجارب وذلك بالتثقيف القانونى والتوعية بالحقوق والواجبات من خلال التعريف بقانون تنظيم الجامعات، هناك جهل شديد ببنوده ومواده وكيفية تطبيقها”، مشيرًا إلى أن هناك مخالفات تتم خلال تطبيقها بمعنى مخالف لحقيقتها.
وبسؤاله عن اللجوء للمجلس الأعلى للجامعات للحد من بطش رئيس الجامعة، أشار إلى أن رئيس الجامعة يستطيع استخدام سلطاته وعلاقاته لإخفاء تلك الشكاوى وعدم النظر فيها، لافتًا إلى أنه يستلزم وصول الشكاوى إلى رئاسة الجمهورية، موضحًا أن الشكاوى وإن وصلت إلى مكتب الشكاوى فى مجلس الوزراء، لا يتم حلها بل يتم إعادتها مرة أخرى إلى الجامعة لحلها لنفس المسئولين وهم أصل الشكوى.
وفى سياق متصل، قال عضو هيئة تدريس بإحدى الجامعات الحكومية: “ما يُثار بشأن ما يتعرض له بعض الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من ظلم داخل الجامعات والمراكز البحثية ليس أمرًا طارئًا، بل هو ملف مسكوت عنه منذ سنوات، فى كثير من الأحيان، يُمارس هذا الظلم من قبل أعضاء أعلى درجة علمية أو إدارية، وقد يتورط فيه عمداء، رؤساء مراكز بحثية، أو حتى رؤساء جامعات، سواء عبر الانحياز لطرف بعينه أو بالمشاركة المباشرة فى ممارسات غير عادلة”.
مضيفا: “ما يحدث يتناقض بوضوح مع ما ينص عليه قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، الذى يضمن الحقوق والواجبات لجميع أعضاء المنظومة التعليمية والبحثية، من الطالب وحتى رئيس الجامعة، غير أن تراكم الأعراف وغياب التوعية القانونية جعل من هذا القانون غائبًا فعليًا عن التطبيق العملي، ما أدى إلى أن يتحول الظلم إلى ‘عرف’ يُمارس فى بعض المؤسسات دون مساءلة، إلا من رحم ربي”.
الواقع يكشف بوضوح عن فجوة خطيرة فى آليات الحماية القانونية داخل الجامعات، الطلاب المظلومون – أو حتى صغار الباحثين – غالبًا ما يُجبرون على الصمت خوفًا من الانتقام الأكاديمى أو ضياع مستقبلهم، وحين يلجأون إلى الشكاوى الرسمية، تُعاد الشكوى مرة أخرى إلى من مارس الظلم نفسه، أى رئيس الجامعة أو المركز، مما يُفقد أى معنى لعدالة المسار الإداري.
وأختتم: “لقد أدى هذا الوضع إلى فقدان بعض الكفاءات التى اضطرت للهجرة أو الاستقالة، كما أصاب البعض بالإحباط والمرض، بسبب الضغط النفسى الناتج عن الظلم، آن الأوان لفتح هذا الملف بجدية، ووضع منظومة حماية حقيقية تضمن كرامة واحترام جميع أفراد المنظومة الجامعية، دون استثناء أو استعلاء”.