فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

من قصص القرآن الكريم، هل الأسباط أبناء يعقوب وإخوة يوسف؟ وهل هم أنبياء؟

الأسباط هل هم أبناء
"الأسباط" هل هم أبناء يعقوب وإخوة يوسف؟ وهل هم أنبياء؟، فيتو

في هذه السلسلة نستعرض مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة

"الأسباط".. هل هم أنبياء؟

ذُكِرت كلمة "أسباط" في القرآن الكريم خمس مرّات: أربع منها في سياق تعداد أسماء بعض الأنبياء، ونصّت هذه الآيات على وجوب الإيمان بمن سمّتهم الأسباط وهم أنبياء كرام من بني إسرائيل.

 ومن هذه الآيات: "قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ". (البقرة: ١٣٦).

وفي آي الذكر الحكيم: "أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ". (البقرة: ١٤٠).

أيضا وردت كلمة "الأسباط" في قوله تعالى، وفي نفس السياق: "قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ". (آل عمران: ٨٤).

كذلك وردت "الأسباط" في سورة (النساء)، في نفس السياق أيضًا: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا". (النساء: ١٦٣).

هل هم أبناء يعقوب وإخوة يوسف؟

وقد جاء ذكر "الأسباط" في هذه الآيات الأربع كلها في إطار ذكر الأنبياء: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وهذا الذكر جعل الكثيرين يعتبرون "الأسباط" هم أبناء يعقوب الاثنى عشر، فهل هذا صحيح؟ وهل إخوة يوسف أنبياء؟ وما معنى الأسباط؟

كثير من المفسرين يعتبرون إخوة سيدنا يوسف أنبياء، وبذلك هم يجعلون معنى "الأسباط": الأبناء، فهم أسباط ليعقوب؛ لأنهم أبناءٌ من صلبه، فهل الأسباط في اللغة هم الأبناء؟ وهل السبط هو الابن؟

يرى الإمام الراغب في معنى السِّبط: أصلُ السبط: انبساط في سهولة، والسِّبط: ولد، كأنه امتداد الفروع، وقوله تعالى: “ويعقوب والأسباط” أيّ: قبائل، كل قبيلة من نسل رجل. 

"الأسباط" في بني إسرائيل.. و"القبائل" في العرب

أما السمين الحلبي فيقول عن الأسباط: الأسباط جمع سبط، وهم في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، والأفضل ما قاله الأزهري: الأسباط في ولد إسحاق، والقبائل في ولد إسماعيل، فعلوا ذلك تفرقة بين أولاد الآخرين، أعني إسحاق وإسماعيل واشتقاق السبط من الامتداد والتفريع، لأن السبط ولد الولد فكأن النسب امتد وانبسط وتفرّع.

ومما قيل: اشتقاق الأسباط من السبط، وهو الشجرة التي أصلها واحد وأعضاؤها كثيرة واستدلوا بقوله تعالى: "أَسْبَاطًا أُمَمًا"، فترجم الأسباط بالأمم، فكل سبط أمة، وفي الحديث: الحسن والحسين سبطا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

وذكر المبرد: سألت ابن الأعرابي عن الأسباط، فقال: هم خاصة الولد. أي: هم أولاد الولد.

وبهذا يكون السبط في اللغة: هو الشيء المنبسط الممتد المتفرع عن الأصل، وهو يطلق على ولد الولد وليس الولد، ومعلوم عندنا أن الحسن والحسين رضي الله عنهما هما سبطا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهما ابنان لابنته السيدة فاطمة، رضي الله عنها.

لكن، على عكس الشائع فـ"الأسباط" المذكورون في القرآن ليسوا أبناء سيدنا يعقوب، عليه السلام، بل ذريته المتفرعة من أبنائه.

أسباط بني إسرائيل 

يرى المفسرون أن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، فهم بمعنى الأمم كما ورد في صريح القرآن.

يصف القرآن الكريم بني إسرائيل: "وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ". (الأعراف:١٦٠).

وجاءت "أُمَمًا" في الآية منصوبة، لأنها بدل من ﴿أَسْبَاطًا﴾ أي: قطعنا بني إسرائيل اثنتي عشرة أمة، ولهذا فجّر الله لهم الحجر اثنتي عشرة عينًا على عدد قبائلهم وأسباطهم، وإذا كانت "الأسباط" بمعنى قبائل بني إسرائيل فإن الأسباط ليسوا أنبياء، وإنما ذكرهم الله ضمن مجموعة من الأنبياء على تقدير حذف مضاف.

إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب

والتقدير: وأنبياء أسباط بني إسرائيل، أي: آمنّا بما أنزل على الأنبياء: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، لأن الله أخبرنا بأسمائهم أنهم أنبياء وآمنّا بالأنبياء الآخرين الذين بعثهم الله إلى أسباط وقبائل بني إسرائيل، ولم يخبرنا الله عن أسمائهم.

أرسل الله إلى أسباط بني إسرائيل أنبياء كثيرين لم يخبرنا إلا عن أسماء قليل منهم؛ كما قال تعالى عن الأنبياء: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ". (غافر: ٧٨).

إخوة سيدنا يوسف

وهنا يتوارد سؤال: هل إخوة يوسف عليه السلام أنبياء؟ لكن الأقرب للصواب عدم نبوة إخوة يوسف عليه السلام، فقد رأى بعض المفسرين أن المراد بالأسباط في الآيات الأربع الأولى هم إخوة يوسف الأحد عشر، فبعد أن تابوا عن ذنوبهم واعتذروا إلى أخيهم يوسف عن فعلتهم الشنيعة به وسامحهم قائلا لهم: "لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ". (يوسف: ٩٢)، وبعد أن استغفر لهم أبوهم يعقوب عليه السلام، أُنعم عليهم بالنبوة جميعًا، ونالوا هذه الدرجة العالية، لذا فهم المعنيّون بكلمة "الأسباط"، وهذا الرأي يفتقر إلى الأدلة القوية الصحيحة التي تؤيده وتقرره، بل إن هناك أدلة قوية تبطله وتضعفه.

السبط هو ابن الابن

كلمة "أسباط" لا تطلق على "الولد"، بل على ولد الولد فما دون، قال صاحب كتاب "الدرّ المصون": الأسباط جمع سبط، وهم في ولد يعقوب كالقبائل، وفي ولد إسماعيل، واشتقاقهم من السّبط، وهو التتابع سُمُّوا بذلك لأنهم أمة متتابعون، وقيل للحسنين: سبطا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لانتشار ذريتهما، وقال تعالى عن ذرية إسرائيل -يعقوب- "وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا". (الأعراف:٦٠).

وبهذا يتبين أنه لم يرد في القرآن الكريم ولا السنة الصحيحة أنّ إخوة يوسف قد صاروا أنبياء، ولو ورد ذلك لما وسعنا إلا التسليم بنبوّتهم.

أيضا، لم يذكر مؤمن آل فرعون من الأنبياء الذين دعوا المصريين إلى التوحيد غير يوسف عليه السلام، فقد قال للمصريين: "وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ". (غافر:٣٤)، ولم يقل: ولقد جاءكم يوسف وإخوته.

يقول مفسرون: إنّ إخوة يوسف قد همّوا بقتله وطرحوه في غيابة الجُبّ، وهذا عمل لا يفعله من يُعد لمرتبة النبوة.

لقد قال لهم يوسف، عليه السلام، قال لهم، وبعد سنين طويلة من فعلتهم به: "أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا". (يوسف:٧٠).

فكلمة "أسباط" لم تُطلق على ذرية "يعقوب/ إسرائيل" إلا في سيناء بعد الخروج، ولم تُطلق عليهم أبدًا في مصر لما يزيد على مائتي سنة، ممّا يفيد أن معنى كلمة "الأسباط" هو "القبائل" التي تكوّنت من أبناء، وذرية كل ولد من أولاد يعقوب، لا أسماء آبائهم. 

الأنبياء من ذرية سيدنا يعقوب

إذن فالراجح أنّ كلمة "الأسباط" التي وردت في القرآن الكريم في سياق تعداد بعض الأنبياء الكرام، إنما تعني الأنبياء الذين بُعثوا من ذرية يعقوب، عليه السلام، طيلة تاريخ بني إسرائيل في فلسطين، وليس المراد بهذا اللفظ أولاد يعقوب الأحد عشر، كما يرى بعض المفسرين.

وما يقال عن إخوة يوسف، عليه السلام، من أنهم كانوا في أفعالهم الخاطئة التي سجلتها لهم آيات (سورة يوسف) عصاة مخطئين، ارتكبوا تلك الذنوب والآثام، وبعد ذلك شعروا بتأنيب الضمير، فتابوا إلى الله وأنابوا له، واستغفروا من ذنوبهم، بل طلبوا من أخيهم يوسف أن يستغفر الله لهم، كما طلبوا هذا من أبيهم، وبعد ذلك تابوا وأنابوا، واستقاموا وأصلحوا، فأقصى ما وصلوا إليه أن يكونوا مؤمنين صالحين، وعابدين محسنين، وبهذا ختموا حياتهم، خير ختام.