رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ماذا لو أعلنت مصر إفلاسها؟!


رغم حجم التفاؤلات التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في حواره مع الإعلامي أسامة كامل، وتأكيده المستمر على أن مصر لن تظل فقط "أم الدنيا" وإنما سوف تخرج من عهده وقد صارت "أد الدنيا".. إلا أن تصريح وزيرة الاستثمار" داليا خورشيد" أمام البرلمان كان صادمًا؛ خاصة حينما كشفت عن "فشل" السياسات الاقتصادية الراهنة. وأن مصر تراجعت دوليًا من حيث معدلات الاستثمار إلى المرتبة 131 من بين 189 دولة، بعد أن كانت الدولة رقم 106 في 2010م.. وأكدت الوزيرة أنه لا بديل لمصر للخروج من "كبوتها" الاقتصادية سوى بإصدار قانون عاجل لـ"الإفلاس" والتصفية؟


وحقيقة الأمر أنه إذا كانت الوزيرة "مدركة " تمامًا لما قالت؛ فإن كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في الآونة الأخير من رفع لـ"الأسعار" بصورة غير معقولة، وتخفيض معدلات "الاستيراد" ورفع التعريفة "الجمركية" لكثير من السلع المستوردة. بالإضافة إلى رفع أسعار"الأدوية" بصورة لا تتناسب مع القدرة الشرائية لفئات كثيرة من الشعب. مع زيادة أسعار الكهرباء والطاقة.. وكذلك إقرار قانون"القيمة المضافة" كبديل لقانون الضريبة على المبيعات..كلها تعنى بشكل مباشر أننا ربما قادمون على إعلان سياسات "التقشف" وأن ما توفره مصر من أموال من جراء هذه السياسات، ربما لا يخدم برامج "التنمية"؛ وإنما يساهم فقط في سداد الديون "الخارجية" التي تجاوزت 48 مليار دولار. وكذلك المديونيات "الداخلية" التي تعدت الـ 1.13 بليون جنيه، اي بما يعادل 80% من إجمالى الناتج المحلى!

وأمام هذه التحديات والمديونيات الضخمة والمتزايدة لا تملك مصر رفاهية "الاختيار" بين رفع الأسعار من عدمة.. أو تخفيض الدعم المقدم للفئات الفقيرة أو حتى تخفيض أعداد الفئات المستفيدة منه.. ولعل هذا ما فعلته الحكومة في الشهور السابقة، حينما خفضت قيمة الدعم المقدم للفقراء خاصة في مجالات الكهرباء والمياه وبعض السلع الأساسية. بالإضافة إلى شطب أكثر من 9 ملايين مواطن من بطاقات التموين.. وإن لم تتمكن مصر من" إنفاذ "هذه القوانين وإن لم يتحمل الشعب مع الحكومة "مغارم" السياسات الاقتصادية البالية التي كانت ولا تزال تطبق حتى الآن؛ وإذا لم تتمكن مصر من تسديد أقساط الديون المستحقة عليها في موعدها؛ فسوف يضطر البنك والصندوق الدوليان إلى التدخل و"إجبار" مصر على تنفيذ شروطهما المجحفة، والتي ربما تُفضي بمصر إلى إعلان "حالة الإفلاس"!

ورغم أن "القروض" الخارجية تعد مصدرا أساسيا "لعجز" الموازنة؛ إلا أن مصر لا زالت تعتمد عليها بشكل أساسى في برامج مواجهة الفقر. ففى ظل تفاقم مشكلة الدين العام المحلي، أعلنت الحكومة برنامجها لاقتراض نحو 11 مليار دولار من الخارج؛ لتغطية العجز في الموازنة العامة للدولة؛ مما يسفر عن زيادة "الدين العام" الخارجي بنسبة 33% في عامين فقط. كما تسعى حكومتنا "الرشيدة" إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة تتراوح بين 3 و5 مليارات دولار، بفائدة نسبتها 1.31 %، يضاف عليها مصروفات القرض لتغطية عجز الموازنة على أن يتم تسديده خلال 3 أو 5 سنوات، ويمثل القرض نحو 200 % من حصة مصر في الصندوق التي تصل 1.9 مليار دولار!

علما بأن الحكومة على وعى كامل بأن ارتفاع حجم هذه القروض والميديونيات سوف يؤثر بشكل كبير على قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار–كما هو حادث الآن-حيث اقترب سعر الدولار من الـ 11 جنيها، بل وتؤدى هذه القروض إلى زيادة "العجز" في الموازنة؛ مما يدفع الحكومة إلى تخفيض معدلات "الإنفاق" على التعليم والصحة وسائر مجالات التنمية والرعاية الاجتماعية.. بل ويضعها في "مأزق" سياسي وأخلاقى أمام الشعب، يتمثل في حتمية "الاختيار" بين "الالتزام" بالدستور أو "الحفاظ" على الدولة المصرية من السقوط، و"حمايتها" من إعلان حالة "الإفلاس" ! ولعل ذلك هو ما جعل الرئيس "السيسي "يفضل الطريق الثانى وهو الحفاظ على الدولة المصرية، ولو على حساب "الدستور"؛ بدعوى أن الدستور وُضِع بحسن النوايا!

لا شك أن الرئيس السيسي حاول خلال العامين السابقين من خلال حكومتيه المتعاقبتين أن يحقق نجاحات عديدة في ملفات صعبة للغاية كملف الأمن ومحاربة الإرهاب وتوفير المتطلبات الأساسية للمواطنين. حيث حصلت مصر على المرتبة 100 من 145 دولة في "إشباع" المتطلبات الأساسية للمواطنين، بعد أن كانت الدولة رقم 115 في العام الماضى.. بالإضافة إلى حصولها على مرتبة متقدمة في مواجهة "الفساد".. فضلا عن المشروعات "القومية" العملاقة التي شرعت الدولة في تنفيذها وعلى رأسها شبكة الطرق ومحطات إنتاج الكهرباء والطاقة البديلة..لكن علينا أن ندرك أن هذه الاشباعات إن لم يقابلها زيادة حقيقية في الناتج المحلى الإجمالى، وارتفاع معقول في معدل الصادرات فسوف نضع مصر على"قنبلة" موقوتة؛ حالة اعتماد هذه المشروعات على "القروض" كمصدر أساسى للتمويل!

إن التفكير في إعلان حالة إفلاس أو حتى مجرد المطالبة بإصدار قانون للإفلاس يعنى "اعتراف" صريحا بعدم قدرة الحكومة على الإبداع والابتكار، أو التوصل إلى سياسات "حكيمة" قادرة على تخطى الأزمة..كما يعنى أن الحكومة غير"مُقَدِرَة" خطورة هذا القرار على مصير الشعب. وأنها لم تستفد مطلقا لا من التجربة "اليونانية" ولا "الأرجنتينية" اللتين أعلنتا "إفلاسهما" في السنوات القريبة الماضية.. فضلًا عن خطورة هذا القرار على موقف مصر السياسي في القضايا الدولية المهمة؛ والذي ربما يؤثر بشكل أكبر على الوضع الإستراتيجي المصرى ومكانة مصر إقليميا ودوليا.. وأن هذا القرار يتجاهل حجم "المؤامرات" التي تحاك للدولة المصرية محليا ًوإقليميا ًودوليًا!

إن التفكير في إعلان حالة الإفلاس يجعلنا نكف عن الحديث عن فكرة "استعباد" السلطات العمومية؛ ويحيلنا بشكل قسرى إلى الحديث عن استعباد "القرار" السياسي المصرى بفعل الجهات "المُقرضة" أو الدولة التي سوف تبادر بشراء "الدًّين" المصرى مقابل تنازل مصر عن مواقفها السياسية الراهنة!


Advertisements
الجريدة الرسمية