رئيس التحرير
عصام كامل

د. أحمد سامي عبد الجواد يكتب: جلال الدين الرومي.. ونشأة "الطريقة المولوية"

د. أحمد سامي عبد
د. أحمد سامي عبد الجواد
مر الإسلام في تاريخه بفترات تردى فيها حال المسلمين إلى مستويات متدنية.. أثرت حروب التتار في حضارة الإسلام وأسقطت عروشا وممالك وولايات ومدنا.
ومع تردي الحالة الاقتصادية والاجتماعية تدهورت الحالة الروحية للمسلمين..



ولم يكن في ذلك الوقت هناك أئمة ينهضون بالإسلام، ويبعثون الروح في الناس حتى ظهر الشيخ جلال الدين الرومي بعلمه وأخلاقه، فجذب إليه المسلمين من شتى بقاع الأرض يجيئون إلى قونية حيث يقيم يطلبون منه العلم ويتبركون به.





وكان الشيخ جلال منكبا على علوم الشريعة والطريقة، ولم يكن مهتما بالتصوف، رغم أن والده كان صوفيا وفقيها أيضا، إلا أن جلال كان محتاجا لتلك الصحوة الروحية التي تنقصه كعالم وفقيه لكي يتحول إلى قائد روحي يبعث في الناس الأمل، ويبعث روح الإسلام الحقيقي من جديد.. الإسلام المتسامح الذي يحترم أفكار الآخرين، ويحترم كل الأديان ولا يفرق بينها.. حتى أن البوذيين كانوا يقدسون الشيخ جلال، وينحنون له إجلالاً لسمو خلقه وعلو أفكاره وتسامحه واحترامه لكل الأديان.

وهكذا حين احتاج جلال لمن يبعث فيه النور، وللروح التي تحيي فيه الحب الإلهي، ظهر له شمس الحب الإلهي الدرويش شمس تبريزي الذي أخرجه من عباءة الشيخ الفقيه المعلم إلى عالم الحرية والحب الإلهي والنور المطلق.




تأسست الطريقة المولوية على يد سلطان، ولد ابن الشيخ جلال، تأسيسا على أفكار والده وأفكار شيخه شمس تبريزي، وفلسفة الشيخ ابن عربي التي شرحها الشيخ صدر الدين القونوي، والتي تقوم على تجسيد الدراويش لحركة الأفلاك والكون كله.. الأبراج الـ 12، والكواكب السبعة السيارة وكلها تدور بالعشق للقاء المحبوب والنور المطلق.




وصلت فلسفة الطريقة المولوية إلى مصر مع دخول المولوية إلى التكية المولوية التي بناها السلطان العثماني سليم، وانتقلت فكرة الدوران إلى المصريين فحوروها، ولونوا التنورة البيضاء بألوان أعلام الطرق الصوفية المشهورة في مصر؛ الأخضر والأحمر والأسود والأزرق والأصفر؛ تعبيرا عن دمج هذه الطرق في الدوران ليظهر في النهاية اللون الأبيض، وهو لون النور ولون المحجة التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قائلا: "تركتكم على المحجة البيضاء".




وقدم المصريون ألوانا من الطرب والغناء المصري الذي يجمع بين الغناء الصوفي والإنشاد الديني المصري.
وبصفتي باحثا في الموسيقى العربية استمعت لهذا الأسلوب المصري، وأحسست أن وراءه ماهو أعمق من ذلك، فبحثت عن أصل الحضرة المولوية، واستمعت إلى  الأصول، فاكتشفت أن الموسيقى المولوية هي أصل كل الموسيقى العربية التقليدية التي تعزف في مصر من أول القرن 19، إلى الآن، مثل قالب السماعي والبشرف والموشح وغيرها، فقدمت بحث الدكتوراه الخاص بي في كلية التربية الموسيقية جامعة حلوان بعنوان "الموسيقى المولوية ودورها في إثراء الموسيقى العربية".

وبعد حصولي على درجة الدكتوراه اكتشفت أن التكية المولوية مازالت موجودة وفيها البعثة الايطالية القائمة على ترميم مسرح السماع خانة.

ولأننا نعيش في فترة تتضارب فيها الآراء، وينتشر فيها التشدد الديني، ورفض المسلمين المتشددين لفكرة التسامح الديني مع الأديان الأخرى فقد رأيت أنه من واجبي أن أحيي رقصة السماع كمحاولة لاقامة منطق الحب‏والتسامح مع الآخرين ومع الأديان الأخرى، وبين الناس وبعضهم مع اختلاف مذاهبهم.. هذا ما يحتاج الى الإسلام والمسلمين بل والعالم في هذا الوقت العصيب.



 
وإن من العجيب أن ‏التكية المولوية، التي تقع في حي السيوفية هي من أقدم وأهم التكايا المولوية في العالم، ورغم ذلك لا يهتم أحد بإحياء تراثها الثقافي الذي يعتبر جزءًا من هوية مصر وذاكرتها الحضارية.

قمت بتقديم حفلتين للسماع المولوي في التكية، وقمت بتقديم حفلة أخرى يوم ١٨ ديسمبر، وقمت بتسجيل مشروعي لإحياء التراث المولوي المصري بشكليه القديم والمعاصر في إدارة المصنفات الفنية بوزارة الثقافة، وأتمنى أن تتبنى وزارة الثقافة هذا المشروع الذي إذا تم تفعيله سيصبح ليلة ثقافية اساسية وهامة في اجندة مصر السياحية وسيصير وجها حضاريا مشرفا لمصر، ووسيلة ناجحة لمحاربة التطرف والتشدد الديني..

حتى نصل إلى المعنى الذي قاله الشيخ ابن عربي، شيخ جلال الدين الرومي: "أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه ... فالحب ديني وإيماني".
الجريدة الرسمية