رئيس التحرير
عصام كامل

الضوابط السيكولوجية والتربوية لمرحلة الطفولة المبكرة

فيتو

تعتبر مرحلة الطفولة لدى الإنسان من أطول مراحل الطفولة بين الكائنات الحية.. حيث إنها تمتد من لحظة الميلاد وحتى سن الثانية عشرة.. وتوجد مجموعة من الأسس والضوابط والاعتبارات السيكولوجية والتربوية لابد من مراعاتها والالتزام بها عند التوجه للأطفال في هذه المرحلة... ومنها:


1-ضرورة الحرص على إقامة علاقة حميمة وارتباط وثيق دافئ وآمن بين الطفل ومن يرعاه :


نظراً لأن الأطفال (وبشكل خاص الصغار منهم) يتعلمون أفضل وأبقى أنواع التعلم عن طريق النموذج كما أنهم يقلدون في المعتاد البالغ الذي يحبونه. والمعلمة في هذه المرحلة هي بديل الأم، لذلك يكون من الضروري أن تحرص المعلمة على إقامة علاقة حميمة وارتباط وثيق وآمن ودافئ مع الأطفال وأن تقدم لهم القدوة التي يقلدونها ويفعلون ما تطلبه منهم عن حب لا عن خوف.


2- ضرورة مراعاة مرحلة النمو التي بلغها ويعمل عندها الطفل سواء النمو الجسمي أو اللغوي أو العقلي أو الاجتماعي أو الانفعالي :


  فمن المعروف أن النمو النفسي للطفل في مختلف جوانبه يمر بمراحل محددة متمايزة لكل منها خصائصها كما أن لكل منها مشكلاتها ومحدداتها وصعوباتها. نتيجة لذلك يكون من الضروري على الأم والمعلمة أن تعرف هذه الخصائص وتراعيها وألا تطالب الطفل بما يفوق قدراته.


3- أهمية معرفة ومراعاة الفروق الفردية الكبيرة بين الأطفال عند نفس المراحل والأعمار :


 على الرغم من أن للأطفال في كل مرحلة خصائص عامة فإن هناك فروقاً فردية كبيرة بين الأطفال عند نفس الأعمار والمراحل وهي فروق ترجع لاختلاف معدل النمو أو الذكاء أو النوع أو غيرها من المتغيرات. ويجب على المعلمة والأم أن تعي، وتراعي وجود هذه الفروق وألا تحكم على الطفل بمعايير الآخرين أو تتوقع منه ما لا يستطيعه. ومن أهم الجوانب اللازم مراعاتها بشأن الفروق الفردية بين الأطفال ما أكد عليه هيوارد جاردنر، Gardner قرب بداية التسعينيات في القرن الماضي في نظريته الهامة حول تعدد الذكاءات من أن هناك ما لا يقل عن اثنى عشر نوعاً من الذكاء لا ذكاء واحداً وأن كل طفل يمكن أن يكون لديه بعض هذه الذكاءات. ويلزم على الأسرة والمعلمين أن يسعوا لمعرفة جوانب التميز في كل طفل ورعايتها والبناء عليها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة له فيما يقدم له من رعاية وتعليم وتثقيف وتنمية.


4- ضرورة الحرص على إمتاع الطفل وإسعاده وتعليمه كلما أمكن عن طريق اللعب :


 من الضروري الحرص عند إعداد جميع المواد والأنشطة وتقديمها للأطفال عند هذه الأعمار والعمل على إمتاعهم وإسعادهم وإدخال البهجة على قلوبهم وذلك لأن أفضل السبل والطرق لتعليم الأطفال خاصة الصغار منهم هو تعليمهم عن طريق اللعب والاستمتاع. واللعب هو الاستراتيجية الأولى والأكثر فعالية لتعليم الأطفال في سن ما قبل المدرسة وبالسنوات الأولى من المرحلة الابتدائية. وإذا استطعنا إمتاع الطفل وإسعاده وإتاحة الفرصة له للعب والمرح فإننا نستطيع تعليمه كل ما نرغب من معلومات ومفاهيم وقيم واتجاهات وسلوكيات. لكن اللعب المقصود هنا هو اللعب الموجه المخطط وليس مجرد الفوضى، حيث يكون هناك هدف محدد نسعى لتحقيقه وننظم الموقف التعليمي من ألعاب وأنشطة عن قصد والأطفال يتعلمون وهم يلعبون ويستمتعون ويتعلمون في سهولة ويسر، هذا بالإضافة بطبيعة الحال لتمكين الأطفال من اللعب الحر واللعب بهدف البهجة والمتعة والاستمتاع والترفيه والذي قد يكون هدفا في حد ذاته ومطلبا ضروريا لأطفال هذه المرحلة.


5- أهمية استثارة حواس الطفل وممارسته لأكبر قدر ممكن من النشاط لتحقيق نموه وتنميته :


    من المتفق عليه أن ذكاء الطفل وعقله وتفكيره يبنى خلال السنوات الأولى من عمره عن طريق قيامه بالخبرات الحسية ــ الحركية، أي عن طريق استثارة حواسه والقيام بالنشاط الحركي الفعلي والتجريب النشط. نتيجة لذلك يلزم الحرص على استثارة جميع حواس الطفل كما يلزم أن يقوم الطفل بأكبر قدر ممكن من النشاط والعمل والتجريب على الأشياء ليبنى ذكاؤه وينمو تفكيره. فأصل الذكاء الإنساني يكمن فيما يقوم به الطفل الصغير من أنشطة حسية ــ حركية . نتيجة لذلك تركز جميع البرامج التنموية الحديثة التي تعد وتقدم للأطفال وبشكل خاص خلال مرحلة الطفولة المبكرة على ممارستهم للخبرات والأنشطة، وهي استراتيجية تربوية حديثة يطلق عليها استراتيجية "الأيدي على النشاط والأيدي على الخبرات، Hands on ActivityHands on Experience".


6- ضرورة الحرص الشديد على تقديم كافة أشكال الرعاية والتربية والتنمية للأطفال مبكراً ما أمكن في عمرهم لتحقيق أقصى استفادة ممكنة لهم:


    فقد بينت كل من دراسات النمو النفسي للأطفال والدراسات في مجال علم النفس الفسيولوجي ونمو المخ والجهاز العصبي، كما سيتضح فيما بعد أن الطفل الإنساني يولد ولديه العديد من نوافذ الفرص وأن استفادته من الرعاية والتنمية والاستثارة تكون عند حدها الأقصى خلال مرحلة ما قبل المدرسة، نظراً لأن قسماً كبيراً من نمو المخ الإنساني وبناء الجهاز العصبي وبالتالي الذكاء والتفكير واللغة يتم خلال هذه المرحلة. نتيجة لذلك يتحتم على الأسرة والمدرسة السعي بكافة السبل لبدء تنمية الأطفال مبكراً.


7- ضرورة الحرص على أن يكون للطفل دور فعال وأن يشارك فيما يقدم له من مواد وألا يقتصر دوره فيما يقدم له من مواد على دور المتلقي السلبي إلا في أضيق الحدود :


    نظراً لأن جميع نظريات النمو المعرفي العقلي للطفل قد أكدت على أن أصل الذكاء الإنساني يكمن فيما يقوم به الطفل من أنشطة حسية ــ حركية خلال المرحلة المبكرة من عمره، فقد أصبح من الضروري عند إعداد كافة المواد للطفل والتوجه له بشكل عام استثارة حواسه المختلفة من جهة وجعله يمارس مختلف الأنشطة الحركية لتحقيق النمو والتنمية العقلية. نتيجة لذلك لا يجب بحال أن يقتصر دور الطفل على دور المتلقي السلبي إلا في أضيق الحدود، أي أن جميع ما يقدم للطفل من مواد يجب أن تشكل مثيرات تدفع الطفل للقيام بالاستكشاف والنشاط الحر والتجريب النشط لتحقيق تنميته معرفياً وعقلياً.


8- ضرورة أن تساعد المواد التي تعد وتقدم للأطفال على الاستفادة من حب الاستطلاع الفطري الطبيعي لدى الأطفال واستثارته :


    من المعروف أن الأطفال لديهم حب استطلاع واستكشاف فطري بل إن الحاجة للاستطلاع والمعرفة والفهم واستكشاف المجهول من بين أهم الحاجات النفسية لهم. لذلك يكون من الضروري عند التوجه للأطفال وإعداد المواد لهم أن تساعد هذه المواد على الاستفادة من حب الاستطلاع لديهم وتشجيعه بأكبر درجة ممكنة لتدفعهم لاستكشاف البيئة من حولهم وتعلمهم وتنميهم عن طريق الاكتشاف، Discoveryوالاستطلاع الحر النشط.


9- ضرورة الحرص على تحقيق التنمية المتكاملة الشاملة للطفل في كافة جوانبه :


    يلزم الانتباه إلى أن الطفل كائن متكامل وأن هناك علاقة تفاعل وارتباط بين مختلف جوانبه بحيث أنه من غير المجدي التركيز على تنمية جانب واحد للطفل مهما كانت أهميته دون باقي الجوانب. والملاحظ أن البرامج والأنشطة والمواد التربوية التي أعدت حديثاً تسعى لتحقيق التنمية المتكاملة الشاملة للطفل في مختلف جوانبه. ويحرص معدو هذه المواد على أن تمكن من تنمية الأطفال بدنياً ولغوياً وعقلياً واجتماعياً وانفعالياً وهكذا.


10- ضرورة الحرص على تعليم الأطفال مختلف الموضوعات والمواد والمفاهيم في مواقف حياتية طبيعية وعن طريق الخبرة المباشرة المعيشة:


    من المبادئ الهامة التي تركز عليها البرامج التربوية الحديثة التي تعد وتقدم بشكل خاص للأطفال الصغار التأكيد على أن يتم تعليم الأطفال لمختلف المواد والأنشطة والمفاهيم والعمليات في مواقف حياتية طبيعية بحيث يكون تعلمهم لهذه الأشياء تعلماً وظيفياً خبرياً،Experiencial Learning.


وتركز البرامج التربوية الحديثة على ضرورة ممارسة الأطفال لكثير من الأنشطة التي تساعد على تنميتهم في مواقف حياتية وضمن الروتين اليومي لهم بالروضة وتقدم هذه البرامج النماذج والأمثلة العديدة للأنشطة التي تقع بصورة طبيعية ويمر بها الأطفال ويمكن للمعلمة الماهرة أن تلفت أنظارهم لها وتجعلهم يكررونها دون الحاجة لأدوات خاصة، وهذه الأساليب يمكن أن تكسبهم أصعب المفاهيم العقلية. وهناك نموذج هام لهذه البرامج الخبرية التي تمت ترجمتها إلى اللغة العربية وتدرس في كتاب أعد لمعلمات رياض الأطفال "كتاب الأنشطة العملية لتعليم المفاهيم".


11- ضرورة الحرص على الجوانب الاجتماعية للتعلم والأنشطة الاجتماعية :


     أكدت مختلف التوجهات والأطر النظرية الحديثة على أن التعلم الاجتماعي والتعاوني من أفضل وأبقى أنواع التعلم. نتيجة لذلك تؤكد مختلف المصادر التربوية على ضرورة الحرص بكافة السبل والطرق على تقديم الأنشطة الجماعية وتشجيع الأطفال على العمل في مجموعات صغيرة. كما تؤكد هذه المصادر والمراجع كذلك على ضرورة وأهمية مشاركة البالغ (الأم أو المعلمة) للأطفال في جميع هذه الأنشطة وذلك لتنظيم استفادة الأطفال القصوى من المواقف الاجتماعية ومما يقدم لهم من خبرات حتى نقدم لهم النموذج الجيد للتعلم الاجتماعي والوسيط الحضاري اللازم للأخذ بأيديهم وتنميتهم.


12- ضرورة الحرص الشديد على أن يستخدم الأطفال الصغار أجسامهم في العمل على الأشياء المحيطة بهم:


  ويرجع السبب في هذا التأكيد لما هو معروف من أن الأطفال عند هذه المراحل يستفيدون بصورة أفضل من الأشياء والخبرات التي يخبرونها ويمارسونها مادياً وعملياً، كما أنه من المعروف أن كافة الأنشطة الحركية تساعد على التنمية العقلية وتعتبر مطلباً أساسياً لها.


13- كما يلزم كذلك الاعتماد على أنسب وأهم أنواع الأنشطة التي تساعد على تنمية الأطفال عند هذه الأعمار. ومن أهم هذه الأنشطة ما يلي:


* الأنشطة العملية الفعلية التي تمارس داخل الفصل ويمارسها الأطفال أنفسهم، Hands - on - Experiences Hands - on -Activities,.

* الأنشطة التي تحقق تكامل مختلف المواد الدراسية وتلك التي تساعد على إشراك الأسرة والمجتمع المحلي.

* الأنشطة التي تطبق خارج الفصل الدراسي وفي الأماكن الطبيعية.

* كتابة التقارير حول ما يقوم به الأطفال من أنشطة ومهام.

* كتابة المقالات في الصحف المدرسية.

* استخدام التكنولوجيا بمختلف أشكالها : الكمبيوتر ــ الإنترنت ــ أقراص  CD-Rom ــ برامج الفيديو ــ الألعاب التعليمية ــ الإنسان الآلي (الروبوت).

* أدب الأطفال وقصص التراث واللعب سواء اللعب الاستكشافي أو باستخدام مختلف أنواع اللعب والفنون بمختلف أشكالها من رسم وموسيقى ورواية وقصة ومسرح وعرائس. 


14- ضرورة الحرص على إشراك الوالدين بقدر الممكن في كافة الجهود التي تبذل لتعليم الأطفال الصغار وتنميتهم :


  دللت جميع الخبرات وأكدت مختلف الدراسات أن كافة الجهود التي تبذل والبرامج التربوية التي تطبق لا تكون فعالة وناجحة وتأتي بثمارها دون إشراك الأسرة فيها ودون أن تدعم جهودها الجهود التي تقوم بها المدرسة. نتيجة لذلك يلزم السعي قدر الممكن وبذل كافة الجهود واستغلال مختلف المناسبات لجذب الوالدين وإشراكهم مع الروضة في كل ما يقدم للأطفال. ومهما كانت الصعوبات التي تواجهها خاصة على ضوء انشغال الأسرة وتقلص دورها وانتشار الأمية فإن الفائدة التي تعود من جذب الأسرة تستحق السعي لتحقيقها.


 15- أهمية الاعتقاد بإمكانية تنمية الأطفال في مختلف جوانبهم والإسراع من معدل نموهم :


 نتيجة للانقلاب الهائل الذي وقع في البرامج التربوية والتنموية فقد أصبح جميع المربين يؤمنون بأنه بالإمكان دائماً تسريع معدل نمو الأطفال وتحقيق تنميتهم وأن كل طفل يمكن أن يكون أفضل إذا قدمت له الرعاية والعناية الصحيحة وفي الوقت الملائم، حتى أشد حالات التخلف العقلي يمكن تنميتها والتخفيف من درجتها إذا تم اكتشافها مبكراً. وتم التدخل الصحيح بشأنها.

Advertisements
الجريدة الرسمية