رئيس التحرير
عصام كامل

«الدسلكسيا».. Dyslexia

فيتو

لكي يكتسب الفرد الحد الأدنى من التعليم لابد له من تعلم القراءة والكتابة والحساب في المدرسة الابتدائية، فهي ضرورة ملحة لتوافقه الدراسي والاجتماعي.. انطلاقا من أن التعليم والصحة هما الأساس لتأهيل الجيل القادم، لذا كان من الضروري الاهتمام بالكشف المبكر عن جوانب ضعف التلاميذ في القراءة والكتابة أو الحساب ومظاهر تعثرهم لوضع البرامج المناسبة لعلاجهم، قبل أن تستفحل وتصبح مشكلة تشكل هدراً لاقتصاد المجتمع وجهوده التربوية وثروته البشرية من الأجيال الصاعدة وتخطي أي تحديات قد تعوقه، وأهم هذه التحديات صعوبات التعلم التي لها أنواع متعددة تظهر إما كنوع واحد أو أكثر من نوع.

 

ويعد عسر القراءة (الدسلكسيا)، أحد أهم هذه الأنواع.. إذ أثبتت الدراسات في الولايات المتحدة عام 1999 أن الدسلكسيا تشكل نسبة  50.8 % من النسبة الكلية لصعوبات التعلم.

 

إن الدسلكسيا صفة وراثية تنتقل خلال العائلة وتكون عادة أكثر في الذكور منها في الإناث وهي كلمة أصلها يوناني. وتعني (دس) معناها صعوبة و(لكسيا) معناها كلمة. فهي صعوبة الكلمة أي صعوبة اللغة. وتعد إعاقة في قوانين بعض الدول الأجنبية والعربية منها مصر والكويت وأمريكا وبريطانيا والسويد وأستراليا وغيرها من تلك الدول التي أولت اهتماماً كبيراً تجاه المصابين بالدسلكسيا (عسر القراءة).. وتسمى الإعاقة الخفية (لعدم وجود معالم ظاهرة للعيان تدل عليها)..


وهي نتيجة خلل بالتركيب الوظيفي للمخ بالجهة اليسرى ينتج عن هذا الخلل صعوبة في تعلم مهارات القراءة والكتابة والتهجئة والحساب ولها أعراض أخرى مصاحبة فهي لا تؤثر فقط على اللغة ولكن قد تؤثر أيضاً على:النمو، والجهاز الحركي،الذاكرة، تنظيم الوقت،الرؤية، السمع، السلوك، الشخصية، الصحة العامة والمظهر. والمشكلة هي صعوبة فى معالجة المعلومات داخل المخ ينتج عنه مخرجات خاطئة ( مدخلات + معالجات معرفية + مخرجات). وتختلف الأعراض من شخص لآخر. بمعنى أنه لا تتشابه الأعراض عند فردين. فالعلاج المقدم لهذه الفئة هو علاج تعليمي يعتمد على الحواس في ترسيخ المعلومات.

 

إن نسبة ذكاء المصابين بالدسلكسيا متوسطة أو أعلى من متوسطة أي أنهم أذكياء ولكنهم في الجانب التعليمي يعانون من بعض المشاكل. فنلاحظ معاناة المعلمين والادارة المدرسية وأولياء الامور من هذه المشكلة نتيجة عدم الوعي والادراك في مواجهتها، فنتجه بالمشهد إلى أولياء الامور فنجدهم يشكون من أبنائهم بأنهم بذلوا كل ما بوسعهم لتعليمهم من خلال الاستعانة بمدرسين خصوصيين وبذل المال للارتقاء بهم تعليمياً ولكن لم يكن هناك تقدم يذكر… فيتم اللجوء إلى الضرب أو السخرية والتلفظ بألفاظ محبطة ومهينة معتقدين أن الأبناء مهملون لواجباتهم.

 

وعندما ننتقل بالمشهد الثاني إلى الفصل الدراسي نجد المعلم يؤكد على أنه بذل كل ما بوسعه تجاههم ولكن دون فائدة تذكر فشعر باليأس من التعامل مع الطلاب من هذه الفئة ويقول إنهم أغبياء ومهملون ويلجأ إلى الضرب والعنف والسخرية وأنهم لا يصلحون للتعلم رابطاً ذلك بإهمال ولي الامر. والادارة المدرسية بدورها ومثل هذه الحالة تلجأ إلى طرد الطفل أو فصله من المدرسة أو عقابه بالضرب أو اتخاذ أي أسلوب سلبي آخر. ويبقى الطفل في المحصلة الضحية لكل هذا. فخلال 12 سنة دراسية واجه المصاب بالعسر القرائي المعاناة والإحباط وفقدان الثقة بالنفس إما من المعلم أو من ولى الامر أو من المجتمع..


 ونتيجة لهذه المعاناة يلج الطالب إلى طريق الإنحراف فيسخر إمكانياته نحو الجانب السلبي الإجرامي لماذا؟ لأننا لم نمد اليد المعينة له ولم نكن على إدراك لهذه المشكلة (الدسلكسيا) بأنها نتيجة خارجة عن إرادته لعوامل فيزيولوجية (وراثية)، ولا يدرك المعلم وولي الأمر والقيادات التربوية وغيرهم على الساحة أن مشكلة اسمها الدسلكسيا (العسر القرائي) تلك التي يعاني منها الطالب وهذه المشكلة تؤثر ليس فقط على صعوبة التعلم وإنما أيضاً على جوانب مختلفة طوال حياته وتقف عائقاً أمام المصاب فتؤثرعليه حتى في المناحي الاجتماعية والحياتية بشكل عام إذا استمر التعامل  معه بنهجه السلبي.

 

لابد أن تسعى وزارة التربية إلى تخصيص برامج مستمرة وفق رؤية قائمة على خبرات الاختصاصيين وليس المقصد أن نقوم ببرامج تدريبية تنتهي بانتهاء البرنامج فكم من برنامج نفذته الوزارة بشكل كبير وأنفقت عليه مبالغ  طائلة لكن هل من جدوى أو من أثر… للأسف فإن الجواب هو لا..  فالواقع يتكلم وليس ما يمليه المستفيدون.. انظروا ماذا يفعل العالم سيكون الجواب ؟ إن الأشخاص ذوي صعوبات التعلم لديهم إمكانيات نحتاج كي ندركها لإعادة النظر فيما نصرفه وبما نحصل عليه من دعم من منظمات وغيرها لصرفها بحكمة وذمة ووطنية ورفع المستوى التعليمي لهم.

 

 (الدسلكسيا) وصعوبات التعلم

 

وجد كثير من الباحثين الذين درسوا التوائم المتطابقة والمصابين بعسر القراءة أن هناك ارتباطاً بين التوائم وعسر القراءة بنسبة 50 % ومن هذه الأبحاث يعزى عسر القراءة  للوراثة بنسبة 50 % وإلى عوامل أخرى 50 % (مثل البيئة،خبرات الطفل، التعليم، نشأة الطفل، وغيرها من عوامل).

 

كما وجد العلماء عام 1996م في أبحاثهم على التوائم المتطابقة (De Fries & Alarcon) أن عسر القراءة يعزى إلى الوراثة بنسبة  68% وبنسبة 38% في حالة التوائم غير المتطابقة. وهذا يعني تأثيراً وراثياً عالياً وبأن الطفل الذي يعاني من مشاكل في عملية التعلم قد يكون جيداً في تدبر بقية أمور حياته.. ولو تأملنا لسيرة بعض الشخصيات في العالم نرى أن كثيراً منهم استطاعوا أن يبرزوا في المجتمع مثل: الأديب مصطفى العقاد، الممثل البريطاني توم كروز، لاعبي كرة القدم بيكام ورونالدو، والملاكم الشهير محمد كلاي، وصاحب شركة مايكروسوفت بيل جتس، ووزير الخارجية البريطاني تشرشل، والرسام الشهير لشخصيات ميكي ماوس والت ديزني، والعالم ليوناردو دافنشي وتوماس أديسون، اينشتاين، وغيرهم كثير.

 

وغالباً ما نجد الفرد المصاب لديه قوى تعويضية مثل: الموسيقى، الرسم، الخزف التمثيل، الشعر، الأدب، الهندسة، برمجة الكمبيوتر، الرياضة، التنس، كرة القدم، السباحة وغيرها من أنواع الرياضة لذلك نجد الفرد منهم يدرك تماماً أنه ليس كبقية زملائه الطبيعيين أو المعاقين ذهنياً. نتيجة لذلك فإن اتهامهم بالغباء أو الكسل أو عدم الطموح أو غير ذلك يصيبهم  بالإحباط والاحباط المستمر الذي يؤدي إلى الاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس وهذا ينعكس على سلوكه بطريقة عدوانية شديدة في المدرسة أو البيت أو الاثنين معا وفي بعض الحالات ينتهي الأمر بالانتحار أو سلوك الطريق السلبي

 

وهذه الصفة لا تؤثر فقط على تعليم الطفل وعلى عائلته ولكن ينعكس تأثيرها على المجتمع بأكمله فقد وجد أن 60%  من نزلاء السجون الأمريكية من الأميين و85 % من جميع الأحداث يعانون من عسر القراءة (وزارة التعليم الأمريكية).. وفي دراسة أجرتها الجمعية البريطانية للدسلكسيا مع فريق الشباب المخالف (yot) في برادفورد وجد أن أكثر من نصف الشبان مصاب بعسر القراءة والأكثر خطورة أنه كلما زاد عدد الجرائم كان الاحتمال أكبر أن يكون الجاني مصاباً بعسر القراءة.

 

كما وجد معهد الدسلكسيا في Humbersid & Yorkshire عام 2005 أنه بالرغم أن نسب عسر القراءة تبلغ 10% في إنجلترا خارج السجون فإنها تصل إلى 3 ـ 4 أضعاف ذلك داخل السجون.

 

فالمصابون لا يقدرون على التعلم كوسيلة لكسب الرزق فيلجأون إلى طرق غير شرعية مستخدمين في ذلك ذكاءهم، فمنهم السارق والقاتل ومزور النقود،… وبالطبع ينعكس ذلك على المجتمع. وقد أثبتت الدراسات نجاح العلاج المبكر فيصل إلى 80% في الصفوف الأولى من المرحلة الأساسية فالعلاج المقدم لهذه الفئة هو علاج تعليمي يعتمد على الحواس في عملية ترسيخ المعلومات وليس علاجاً بعقاقير.

 

لكل هذه الأسباب فقد نالت هذه الفئة الاهتمام منذ عشرات السنين في: أمريكا، بريطانيا، كندا، اليابان، أستراليا، السويد، البرازيل، فرنسا، سنغافورة، بلجيكا وغيرها من الدول الأجنبية ومؤخراً في الوطن العربي الكويت وجمهورية مصر و الأردن والبحرين والسعودية وما زال عدد الدول في ازدياد.

 

وقد تأسست في هذا المجال منظمات عالمية تقدم خدماتها للأشخاص المصابين كما تقدم المساعدات.. ومن هذه الجمعيات:

الجمعية العالمية للدسلكسيا - تأسست بأمريكا 1949

الجمعية البريطانية للدسلكسيا  - تأسست 1972

الجمعية البلجيكية للدسلكسيا  - تأسست 1980

جمعية سنغافورة للدسلكسيا   - تأسست  1985

الجمعية الكندية للدسلكسيا

الجمعية الهندية للدسلكسيا

الجمعية اليابانية للدسلكسيا

 

أما على الساحة العربية:

 

تأسست الجمعية الكويتية للدسلكسيا 2002

تأسست الجمعية المصرية للدسلكسيا 2005

تأسست الجمعية اليمنية للدسلكسيا 2008

تأسست الجمعية البحرينية للدسلكسيا  2009

تأسست الجمعية الأردنية للدسلكسيا 2009

 

وقد قامت العديد من الدول الغربية والعربية بعمل مسوحات ميدانية لمعرفة نسبة الإصابة فيها والعمل على مواجهة هذه المشكلة بتقديم المساعدة الممكنة وتقدر النسب حسب الإحصاءات كما يلي:

 

وجد 10 ـ 20 % من الأمريكيين مصابين بالدسلكسيا:

الجمعية العالمية للدسلكسيا www.interdys.org / The Dyslexia Research Institute


وفي إنجلترا الجمعية البريطانية للدسلكسيا: dyslexia.org.uk / www.bda حيث أثبتت الدراسات أن 10 % مصابين بالدسلكسيا، منهم 4 %  شديدي الإصابة و6 % متوسط وبسيط.

 

أما في السويد فتبلغ نسبتها 5  ـ 8 %

 

وفي الكويت بلغت نسبتها 6.92 % من بين طلابها الجمعية الكويتية للدسلكسيا www.q8da.com

 

وفى مصر قدرت نسبة الإصابة فيها 10 % كما تفيد بذلك الجمعية المصرية للدسلكسيا.. www.dyslexia-egyptcom

 

أما في الجمهورية اليمنية فإن الجمعية اليمنية للدسلكسيا تسعى وبالتعاون مع جمعيات عربية ونتمنى أن يشمل التعاون الجهات المعنية بوزارة التربية والتعليم وغيرهم للوقوف إلى جانبنا وإجراء دراسة مسحية نعمل بعدها على مواجهة المشكلة.

 

حقوق المتعسرين قرائياً

 

بمقتضى القانون المسمى تعليم الأفراد ذوي الإعاقات والصادر عام 2004 (IDEA) وفي القسم 504 من قانون إعادة التأهيل لعام 1973م وقانون الأمريكيين ذوي الإعاقات (ADA) كل هذه القوانين تحدد حقوق الطلاب ذوي العسر القرائي «الدسلكسيا»وغيرها من صعوبات التعلم الخاصة في التعليم، وهؤلاء الأفراد لهم الحق في الحصول على خدمات خاصة لمساعدتهم في التغلب على مشكلات التعلم، وأن يتم استيعابهم في هذا الخصوص، وقد تشمل هذه الخدمات البرامج التعليمية المصممة لتلبية احتياجات هؤلاء الطلاب، كما أن هذه القوانين تحمي هؤلاء الأفراد من ذوي العسر القرائي ضد أي تمييز غير عادل وغير قانوني يصيبهم في مجالات الحياة الأكاديمية أو المجالات الأخرى.

 

وقد اعتمدت برامج التدخل العلاجي في كثير من الدول على الطريقة الجزئية البنائية المعتمدة على الحواس المتعددة، والتي بنيت على أساس عمل أورتن وغلينهام.

 

لذا.. يجب على الجميع الوقوف إلى جانب المنظمات العاملة فى بلدانهم لمواجهة المشكلة وفي بلدنا الحبيب الجمهورية اليمنية علينا مد يد العون إلى هذه الفئة فالعلاج المبكر تكون نتائجه سريعة ومفيدة ويكون عبر توعية المعلمين وأولياء الامور وكافة شرائح المجتمع بكل الوسائل المتاحة من خلال (برشورات / مجلة / ملصقات إيحائية / لافتات / وغيرها الكثير) ولهم الحق بالتعليم بما يتناسب مع قدراتهم فيما نصت عليه بنود حقوق الانسان بالطرق التي تتناسب معهم وإيجاد جيل قادر على النهوض بالمستقبل من خلال طرق التعامل المثلى والعمل على التوعية و تأهيل المعلمين فى كيفية تدريس هذه الفئة من التلاميذ بالفصول الدراسية العادية (فقد أثبت العلم ان ما ينفع المعسر قرائياً ينفع غير المعسر)، وإقامة الدورات التدريبية التي تستهدف المعلمين الصفوف الاولى بشكل خاص والمعلمين لبقية المراحل الدراسية بشكل عام والأخصائيين وأولياء الامور ومديري المدارس والأطباء والمثقفين وغيرهم مما سيكون له أثر طيب فى مساعدة هؤلاء الأبناء وذويهم لمواجهة هذه المشكلة.

 

إن الأمر ليس بمعقد وليس أحجية... فالمشكلة ليست بالدسلكسيا ولكن في كيفية التعامل مع المشكلة من قبل المعلم، وولي الأمر والقيادات التربوية عامةً ابتداءً من المعلم وانتهاءً بوزير التربية وأنا وأنت وغيرنا من أفراد المجتمع.

الجريدة الرسمية