رئيس التحرير
عصام كامل

الإعاقــة العقليـة

فيتو

 اهتم الباحثون في مجال علم النفس بمفهوم الضعف العقلي ووضعوا أساسين ينطلقون منهما لتحديد هذا المفهوم، وهما الذكاء المحدود وعدم القدرة على التكيف الاجتماعي، فالعديد من البحوث تهتم بمجال الضعف العقلي وتحديد مفهوم له عن طريق دراسة هذه الفئة لمعرفة خصائصها، سماتها وكيفية مساعدتها، فنجد أنه قد ظهر تباين كبير في تحديدهم لمفهوم الضعف العقلي، الأمر الذي أدى إلى اختلاف السمات التي يتسم بها نوعيات هذه الفئة، حيث ظهر أن هناك سمات تحدد كل فئة عن غيرها، تبعا لمستوى الضعف العقلي الذي هي عليه، من أجل هذا سعى العلماء إلى تقسيم المتخلفين عقليا إلى فئات ومجموعات حتى يتسنى لهم سهولة عملية التعرف عليهم، ومن بين الذين تصدوا لتحديد الضعف العقلي في عبارات عامة "بلاكستون ويورنفيل" اللذان يعرفان الضعف العقلي أنه: "توقف في النمو الفطري، أو المكتسب في القدرات العقلية والخلقية والانفعالية".

 

وهذا التعريف يعتمد في تحديده لمفهوم الضعف العقلي على توقف النمو سواء كان هذا في الجانب الفطري أو في عدم القدرة على الاكتساب الذي يؤثر على مدى النمو في الجانب العقلي أو الخلقي أو الانفعالي، ويشارك "خليفة بركات "1952)" "بلاكستون وبورنفيل" على أن الضعف العقلي هو حالة عدم اكتمال النمو العقلي للفرد بدرجة تجعل التحصيل الشخصي غير قادر موائمة نفسه مع البيئة العادية، بحيث لا يستطيع الاحتفاظ ببقاء حياته بدون إشراف أو حماية أو رعاية خارجية وهو في اتفاقه هذا يركز على الجانب العقلي الذي يشكل أهمية في عملية التكيف مع بيئته العادية وخاصة اللذين لا يستطيعون الحفاظ على حياتهم.

 

وهذا ما يذكر "مصطفى فهمي (1965)": أن اللجنة القومية لدراسة التربية بالولايات المتحدة الأمريكية قد حددت الضعف العقلي بأنه: "يتمثل في هؤلاء اللذين ينحرفون عن مستوى الخصائص الجسمية أو العقلية أو الاجتماعية أو الانفعالية لأقرانهم بصفة عامة إلى الحد الذي يحتاجون فيه إلى خدمات تربوية ونفسية خاصة، تختلف عما يقدم للعاديين حتى ينمو إلى أقصى إمكانيات النمو".

 

ويرى "هيبر Heber" أن المتخلف عقليا: "هو من يتصف بمستوى وظيفي عقلي دون المتوسط، وتنعكس آثاره أثناء نمو الفرد، وتتمثل في عجزه وقصوره عن النضج أو التعلم أو التكيف الاجتماعي أو في جميع هذه النواحي".

 

ومنه فإن حاصل الذكاء يعد كمعيار من أجل تحديد التخلف وتصنيعه، بالطبع هناك اختلاف حول مصطلح حاصل الذكاء.

 

 إذا أخذنا مئة كمتوسط حاصل الذكاء وأخذت خمسة عشر على أنها الانحراف المعياري عن ذلك المتوسط فإن كل أولئك الذين يحصلون على انحرافين معياريين بين أعلى وأدنى من المتوسط (أي أن أصحاب حاصل ذكاء يقع بين 70 و130) سوف يعتبرون من ذوي الذكاء المتوسط، أما أولئك الذين يكون حاصل ذكائهم أكثر من 130 (أي أكثر من انحرافين معياريين فوق المتوسط) فإنهم يكونون من الأشخاص ذوي الذكاء العالي، وإن أولئك الذين يكون حاصل ذكائهم أقل من 70% فهم الأفراد الذين يكونون متخلفين عقليا.

 

 هناك العديد من الاختيارات لقياس حاصل الذكاء والاختبارات المشهوران منهما هما: ستانفورد ينيه وفكسلر، وهذه الاختبارات تقدم حواصل ذكاء منحرفة، وبجانب هذه المعايير يستخدم مصطلح السلوك الانحرافي في التصنيف والتحديد، فالسلوك التكيفي يشير إلى الفاعلية التي يواجه فيها فرد ما المتطلبات الطبيعية والاجتماعية لبيئته.

  الأسبــاب:

 اختلفت وجهات نظر كل من تناول بالدراسة الضعف العقلي في مجال البحث عند الأسباب المؤدية له، فيرى الأطباء أن الضعف العقلي يعتبر عرضا لاختلال في الاتزان الكيميائي في أحد مراكز المخ، بينما يشير الأطباء النفسيون إلى أن الضعف العقلي نتيجة لاضطراب انفعالي شديد يعوق الفرد عن التفاعل مع غيره من الناس أو مع البيئة التي يعيشون فيها.

 

 على حين يذكر علماء الاجتماع أن الضعف العقلي قد يحدث نتيجة لعجز في الاهتمام الاجتماعي، وأنه لا يرتبط بمسببات مرضية فقط كإصابة المخ أو عدم الاتزان الكيميائي في أحد مراكز المخ، ويتفق مع علماء الاجتماع المتخصصون في علم النفس الاجتماعي حيث يرون أن من أسباب الضعف العقلي عدم الاستثارة النفسية والاجتماعية.

 

وعليه فقد صنف عبد السلام عبد الغفار ويوسف الشيخ هذه الأسباب إلى أربعة عوامل:

أولا: عوامل قبل الولادة: وتتضمن عوامل وراثية عن طريق جينات Genes معينة وقد تحدث الإعاقة العقلية نتيجة حدوث طفرات في الجينات أثناء عملية تكوين الأجنة أو قد يكون نتيجة عيوب في تكوين الخلايا العصبية أو نتيجة لإصابة الأم بأمراض معينة أو تسمم أثناء فترة الحمل.

ثانيا: عوامل أثناء الولادة: ترجع هذه العوامل إلى ما يحدث من إصابات للمولود أثناء عملية ولادته، كأن يحدث تلف في بعض أجزاء المخ، نشأ عنه الإعاقة العقلية كعسر الولادة أو الولادة الجافة أو إسفكسيا الوليد.

ثالثا: عوامل ما بعد الولادة: ترجع هذه العوامل إلى ما يحدث للطفل من حوادث بعد ولادته وخاصة في سن مبكرة، ينتج عنها تلف في بعض أجزاء المخ كالتهاب الجهاز العصبي المركزي أو الالتهاب السحائي أو الالتهاب الدماغي أو الحمى القرمزية أو ما ينتج عن الحصبة من مضاعفات.

رابعا: عوامل غير محددة: وهي تلك الأسباب المجهولة التي لم يستطع الباحثون الوصول إليها نتيجة تشخيصهم بأن سبب الإعاقة العقلية لا ترجع إلى العوامل السابقة الذكر.

 

التشخيـص:


1.  التشخيص الطبي: Medical Diadnosis

 يقدم الطبيب الأخصائي للأطفال تقريرا عن العديد من الجوانب في حياة الطفل مثل تاريخ الإعاقة الوراثي وأسبابها وظروف الحمل والعلاجات التي تناولتها الأم الحامل وسوء التغذية ويقدم صورة عن الأمراض التي تعرضت لها الأم الحامل ، ويقدم تقريرا أيضا عن ألأمراض التي تعرض لها الطفل والحوادث التي تعرض لها في طفولته ويدرس تاريخ الأسرة والجهاز العصبي للطفل وفحوصات البول والدم والسائل الناعي.

 

كل ذلك بهدف تقديم المساعدة اللازمة للطفل وأمه في المستقبل، إن طبيب الأسرة بإمكانه مواكبة الحالات الصحية عند أفرادها وتقديم النصح والإرشاد والتوجيه لها وتعريفها بطرق الوقاية من الأمراض ويوجهها إلى ضرورة اللجوء إلى الفحوصات اللازمة قبل الزواج للزوجين لتفادي حدوث مشاكل لها علاقة بالإعاقة العقلية مثل اختلاف الدم (العامل الرئيسي)، كما أنه ينصح الأم الحامل يعدم تعاطي المخدرات والسجائر أو استنشاق المواد الطيارة وينصحها بإجراء الفحوص باستمرار لتفادي تسمم الحمل أثناء عملية الحمل وتعليمها كيفية العناية بطفلها من حيث إطعامه وتربيته وغيرها من أمور كما يرعاها من نواحي متعددة منها عدم تعرضها للأشعة الصينية أو تعاطيها للحبوب بدون استشارته، وتقديم العلاج اللازم لها ولطفلها عندما يكون ذلك ضروريا.

 

2.  التشخيص النفسي: Psyclo Deagosos:

يقوم بعملية التشخيص في هذه الحالة اختصاصي في القياس النفسي والإكلينيكي حيث يحدد نسبة ذكاء الفرد عن طريق استخدام اختبارات الذكاء المقننة وسمات الشخصية وجوانب النمو العاطفي الانفعالي والقدرة اللغوية التي تميز المتخلفين عقليا عن غيرهم من الأسوياء وذلك بهدف تقديم خدمات تربوية وتعليمية وتدريبية لهم مستقبلا.

 

3.  التشخيص الاجتماعي:Social:

 يقوم بهذا التشخيص الأخصائي الاجتماعي وذلك من أجل تحديد الصلاحية الاجتماعية عند الطفل المعاق كمحك يدل على التخلف العقلي ويقصد بالصلاحية الاجتماعية قدرة الفرد على إنشاء وترسيخ علاقات وطيدة مع الآخرين عن طريق مشاركتهم في أفراحهم وأرتاحهم وغيرها من الأمور الاجتماعية الحياتية، ويشتمل التشخيص وسائل تدريب الطفل على الطعان والتولية، واستخدام اللغة الجيدة من قبل والديه، كما يقيس المقياس قدرته على تحمل المسؤولية، ويستعين الأخصائي الاجتماعي باختبارات تقيس النضج الاجتماعي والتكيف الاجتماعي، ومن أمثلة هذه الاختبارات اختبار (فانيلان) للنضج الاجتماعي ويعتبر تيفورد وسوري Teiford أن المعيار الاجتماعي هو من أهم وسائل التشخيص في حالات التخلف العقلي حيث أن الفرد المتكيف اجتماعيا يمكن اعتباره سويا وليس متخلفا.

 

4.  التشخيص التربوي والمهني:

 إن أخصائي التربية الخاصة هو الذي يجب أن يقوم بعملية التشخيص والمعيار الذي يعتمد عليه في التشخيص هو عدم قدرة الفرد على التعليم والتحصيل مقارنة مع الأفراد الأسوياء من نفس فئته العمرية والثقافية، ويقدم هذا الأخصائي تقريرا عن التاريخ التربوي للفرد وقدرته على التعلم ومستوى تحصيله المدرسي، كما أن هذا المختص يقوم بتحديد أنواع الخدمات التربوية التي يحتاج إليها ذلك المعاق والتي يجب أن تتناسب مع درجة تخلفه وذلك بالتعاون مع الطبيب والاختصاصي النفسي والاجتماعي، كما أن هذا الخبير يستطيع تحديد قدرة الفرد المعاق على التدريب المهني والحرفي وذلك بالتعاون مع أخصائي التأهيل المهني.

 

5.  التشخيص التطوري: Developmental:

يهدف هذا التشخيص إلى دراسة تاريخ نمو الفرد والتعرف على نواحي التأخر في نموه الجسمي والنفسي واللغوي والحركي لأن هذا التشخيص يزيد من صدق التشخيص الحالي الذي يقوم به مختص آخر في مجال اختصاصه وأن التشخيص التطوري إذا ما أشار إلى عدم وجود مشكلات عند الفرد موضوع الدراسة فإن في ذلك إشارة واضحة بأن ليس لديه مشكلات تتعلق بالتخلف العقلي، إن اختصاصي التشخيص التطوري يجب أن يأخذ ما يلي بعين الاعتبار:

 

ما الأسباب التي أدت إلى تخلف ذلك الفرد سواء كانت صحية أو اجتماعية أو بيئية أو ثقافية أو نقص في الخدمات التربوية؟.

ما أثر ماضي الفرد في تخلفه العقلي كالفقر وسوء التغذية وتعاطيه للكحول على سبيل المثال وما هي الأمراض التي تعرض لها؟.

ما هي الخدمات التربوية التي استفاد منها أو حرم منها؟.

ما هي أشكال العلاج التي حصل عليها؟.


وباختصار فإن عملية التشخيص يجب أن تكون متكاملة من جميع النواحي الصحية والاجتماعية والنفسية والتربوية والمهنية والتطورية، كل ذلك بهدف وضع المعاق في المكان المناسب له والذي يستطيع أن يستفيد من الخدمات التربوية التي يقدمها ذلك المركز أو تلك المؤسسة.

 

      تصنيف فئات المعاقيــن:

 تعددت تصنيفات فئات المعاقين، وذلك لسهولة كشفهم والتعرف على خصائصهم وكيفية التعامل معهم بما يساعدهم على حسن استثمار ما لديهم من إمكانات عقلية.


ومن بين هذه التصنيفات التصنيف الأكثر شيوعا، وهو تصنيف منظمة الصحة العالمية واليونسكو الذي أعدته بناءا على اهتمام العالم بهذه الفئة من البشر فقد سعت هذه المنظمة إلى وضع تصنيف يمكن المتعاملين مع هذه الفئة من حسن استثمار ما لدى المعاقين عقليا من إمكانيات، وفيما يلي بيان بهذا التصنيف:

ضعف عقلي شديد، وقد أطلق عليه مصطلح (معتوه Idiot)، وتتراوح نسبة ذكاء هذه الفئة (من 0 إلى 19).

ضعف عقلي متوسط، وقد أطلق عليه مصطلح (أبله Imbecile) وتتراوح نسبة ذكاء هذه الفئة (من 20 إلى 49).

ضعف عقلي بسيط، وقد أطلق عليه مصطلح (مأفون Feelile-mined) وتتراوح نسبة ذكاء هذه الفئة (من 50 إلى 69).

غباء عادي، وقد أطلق عليه مصطلح (Dull or Baskward) وتتراوح نسبة ذكاء هذه الفئة ما بين (70/85 إلى 90).


هذا والذين يعملون في مجال التربية الخاصة للمعاقين عقليا تصنيف آخر هو فئة القابلين للتعلم وتتراوح نسبة ذكائهم (2.01 إلى 4)، والقابلين للتدريب وتتراوح نسب ذكائهم (من 4.01 إلى 5)، ثم حالات العزل التي تصل نسب ذكائهم إلى (5.01)، هذا؛ وقد تستطيع الفئة الأولى أن تصل إلى التحصيل الدراسي حتى مستوى الصف الخامس الابتدائي تقريبا، أما بالنسبة للفئة الثانية فقد يصل تحصيلهم الدراسي إلى مستوى الصف الثاني الابتدائي، أما بالنسبة للفئة الثالثة فهي حالات لا يُرجى منها شيء ولذلك اعتبرت حالات عزل.

 

كما قام "لوتيت Louttit" بتصنيف آخر وهو التصنيف الذي اعتمد على درجة النقص في الذكاء، وهو يعتمد على الفروق الكمية في الذكاء أكثر من اعتماده على الفروق الكيفية، وفيما يلي بيان بهذا التصنيف.

 

·       المعتوه Idiot:

تتراوح بنسبة ذكاء هذه الفئة فيما بين (0 إلى 20 أو 25) وهي الفئة الدنيا حيث تعتبر أقل درجات الضعف العقلي.

 

·       الأبله Imbecile:

وتتراوح بنسبة ذكاء هذه الفئة فيما بين (21 أو 25 إلى 40 أو 49) تقريبا وتمثل هذه الفئة الأفراد التي تقع في منطقة الوسط بالنسبة لفئات المتخلفين عقليا تبعا لهذا التقسيم، وتعتبر هذه الفئة التالية في الضعف العقلي بعد فئة المعتوهين.

 

·       المأفون أو المورون Moron:

وتتراوح نسبة ذكاء هذه الفئة فيما بين (50 إلى 69) تقريبا، وتمثل هذه الفئة أعلى مستوى من الذكاء بالنسبة للمعاقين عقليا.

 

·       الغبي Dull:

وتتراوح نسبة ذكاء هذه الفئة فيما بين (70 أو 80 إلى 85) تقريبا، وهي فئة تمثل المجموعة التي تقع بين فئة المورون وبين الأطفال العاديين في الذكاء وقد أطلق عليه مصطلح Border line chilot وأفراد هذه المجموعة عادة ما يلتحقون بفصول خاصة بهم.

 

 هذا ويكاد يتفق "كيرك Kirk" مع "لوتيت Louttot" في تصنيفه للمعاقين عقليا على أساس من نسبة الذكاء، حيث اعتبر "كيرك" أن المعتوهIdoit هو من تتراوح نسبة ذكائه ما بين (0 إلى 25)، وأن البلهاء Imbeciles هم من تتراوح نسب ذكائهم ما بين (26 إلى 50) كما أن المورونMoron هم من تتراوح نسب ذكائهم ما بين (51 إلى 75).

 

والمدقق النظر في هذين التصنيفين يجد أنه قد قسم المعاقين عقليا إلى ثلاث فئات ومستويات، هم المعتوهين، البلهاء والمورون وأن هذه الفئات قد تم تحديدها بناء على نسب الذكاء، كما يبدو –أيضا- وجود بعض الاختلافات الطفيفة لمن يستخدمون اختبارات الذكاء كأساس يعتمد عليه لهذا التقسيم، فإن مرد هذا الاختلاف يكون لنوعية الاختبارات المستخدمة فيه.

 

ومن بين هذه التصنيفات تصنيف "تريد جولد T. Gold" الذي قسمها إلى أربع أصناف: ضعف عقلي أولي- ضعف عقلي ثانوي- ضعف عقلي وراثي وبيني- ضعف  عقلي غير محدد السبب.

 

وهذا تقسيم لا يعتمد على نسبة الذكاء إنما يعتمد على مصدر العلة أو السبب وراء الإعاقة العقلية، وكل نوعية من هذه الفئات تختلف في مستوى تخلفهم عن غيرها، ويرى "تريد جولد" أن العوامل البيئية تعنى كل من العوامل البيئية الخارجية أو العوامل ذات الارتباط بالتكوين البيولوجي لدى الفرد والتي تتسبب في حدوث الإعاقة العقلية، وقدر يرجع حدوث الإعاقة العقلية إلى ظروف ولادة الطفل التي تؤدي إلى ذلك، والمتتبع لبحوث ودراسات "تريد جولد" يلاحظ أنه قد أعاد تصنيفه واختصره إلى ثلاث فئات فقط هي:

 

ضعف عقلي أولي وهو الذي يمثل الإعاقة العقلية ذات المستوى المنخفض جدا.

ضعف عقلي يرجع إلى إحداث تغييرات خاطئة أثناء عملية النمو Errors development وهي التي يكون سببها حدوث أخطاء في الجينانGenetix faults  كالاضطرابات التي تحدث خللا في إفرازات الغدد أو الإنزيمات أو الكروموزومات.

ضعف عقلي يرجع إلى عوامل بيئية، وتتضمن هذه الفئة الإعاقة العقلية وتحدث نتيجة تعرض الجنين للإشعاعات أثناء الحمل، أو حدوث مشكلات أثناء عملية الولادة نفسها، كما تضم الحالات التي يكون سببها إصابة الأم ببعض الأمراض، كالحصبة  الألمانية أو الالتهاب السحائي أو الدماغي أو الزهري، وكذا الحالات التي أصيبت بنقص في نشاط الغدد النخامية أو بسبب حالات العزل.

والمتتبع للبحوث والدراسات في مجال المتخلفين عقليا يجد عديدا من التصنيفات التي اعتمدت في تصنيفها على مصادر مختلفة ومتعددة، بالإضافة إلى المحكات التي اعتمد عليها الباحث للتعرف على فئات المعاقين عقليا، كما يبدو واضحا أن السبب الأساسي من هذه التصنيفات هو محاولة معرفة هذه النوعية من البشر معرفة دقيقة وصحيحة حتى يمكن الإسهام في تهيئة ظروف بيئية واجتماعية أفضل لهم، وكذا إمكانية استثمار ما لديهم من قدرات فيما يعود عليهم وعلى ذويهم بتحقيق أفضل مستوى من السواء النفسي.

 

خصائص المتخلفين عقليا:

أولا: المميزات العامة للمتخلفين عقليا:

1.    الخصائص الجسمية:

يتميز المتخلفون عقليا بتأخر النمو الجسمي وبطئه وصغر الحجم بشكل عام، كما أن وزنهم أقل من العادي، ويصغر حجم الدماغ ولقلة وزنه لدى المتخلف عن المتوسط، كما تظهر أحيانا تشوهات في شكل الجمجمة والعين والفم والأطراف والأصابع، أما بالنسبة للنمو الحركي فإنهم يتميزون بالتأخر في ذلك وعدم الاتزان الحركي في بعض الحالات وكذلك الأمر بالنسبة للنشاط الجنسي حيث نجد تأخرا فيه وفي بعض الأحيان نجد ضمورا في الأعضاء التناسلية لدى المصاب.

 

الخصائص العقلية:

تتلخص الخصائص العقلية للمتخلفين عقليا بوجه عام في تأخر النمو العقلي وتدني نسبة الذكاء، بحيث تقل عن 70 درجة، وتأخر النمو اللغوي إلى حد كبير وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعمليات العقلية الأخرى مثل ضعف الذاكرة والانتباه والإدراك والتخيل والتفكير والقدرة على الفهم والمحاكمة والقدرة على التركيز وتكون نتيجة ذلك ضعفا في التحصيل ونقصا في المعلومات والخبرة.

 

3.    الخصائص الاجتماعية:

 يتميز المتخلفون عقليا بضعف القدرة على التكيف الاجتماعي لدرجة دعت بعض علماء النفس إلى اتخاذ القدرة على  التكيف الاجتماعي أساسا في تصنيف المتخلفين عقليا إلى فئات وفق قدراتهم على هذا التكيف وبالطبع هناك تفاوت كبير بين هذه الفئات في القدرة على التكيف الاجتماعي وبشكل عام فإننا نجد أيضا أن المتخلفين عقليا يتميزون بنقص في الميول والاهتمامات وعدم تحمل المسؤولية، كما يتميزون بالانسحاب والعدوان، وكذلك نجد أن الخصائص التي تميز المتخلفين عقليا اضطراب مفهوم الذات، حيث نجد أن المتخلف عقليا كثيرا ما ينظر لنفسه أنه فاشل أو عاجز وأنه أقل من غيره أو أنه لا قيمة له، هذا المفهوم المضطرب ينعكس إلى حد كبير جدا على سلوكه الاجتماعي بشكل خاص واهتمامه بنظافته الشخصية أيضا، فنجده لا يهتم بتكوين علاقات اجتماعية وخاصة مع أبناء عمره، ولهذا فإنه يميل إلى المشاركة مع من هم أصغر منه سنا في أي ممارسات اجتماعية.

 

4.    الخصائص العاطفية والانفعالية:

  يتميز المتخلفون عقليا من الناحية العاطفية بعدم الاتزان الانفعالي وعدم الاستقرار أو الهدوء، كما يتميزون بسرعة الـأثر أحيانا وببطء الانفعال أحيانا أخرى، أما ردود الفعل العاطفية والانفعالية عندهم فهي أقرب إلى المستوى البدائي، وهم أيضا أقل قدرة على تحمل القلق والإحباط.

  

ثانيا: الميزات الخاصة للمتخلفين عقليا:

 ضمن الفئات المختلفة تظهر لدى كل فئة من فئات التخلف العقلي صفات وخصائص قد تختلف نوعا عن مواصفات الفئات الأخرى، كالقدرة العقلية، والقدرة على التعلم، والقدرة على التكيف الاجتماعي، وإن كانت متدنية لدى جميع فئات التخلف –بالمقارنة مع الأفراد الأسوياء، إذ نجد أن بعض فئات التخلف قابلة للتعلم الأكاديمي، إلى حد ما في حين أن فئات أخرى لا تملك تلك القابلية كما نجد أن بعض الفئات قادرة على إنشاء علاقات اجتماعية مقبولة في حين أن فئات أخرى لا تملك تلك القدرة ولذلك جرت محاولات متعددة للتعرف على الخصائص المميزة لكل فئة من فئات التخلف العقلي. ون بين هذه المحاولات ما قامت به لجنة خاصة كلفها مكتب التربية والصحة والشؤون الإجتماعية الأمريكي في واشنطن عام 1969لوضع الصفات والخصائص التي تميز فئات التخلف العقلي حسب تصنيف الجمعية الأمريكية للضعف العقلي .

 

الخصائص السلوكية للمعوقين عقليا:

 تتشابه الخصائص لدى المعوقين عقليا، إلا أنه يصعب تعميم هذه الخصائص على كل الأطفال المعاقين عقليا جميعهم، إذ قد تنطبق هذه على كل الأطفال المعاقين عقليا، فلا تطبق على كل طفل و من أهم تلك الخصائص:

التعليـم: من أكثر الخصائص وضوحا لدى الأطفال المعاقين عقليا النقص الواضح في القدرة على التعليم مقارنة مع الأطفال المتناظرين في العمر الزمني، كما تشير الدراسات في هذا الصدد أن قدرة هؤلاء الأطفال المعاقين عقليا على التعلم من تلقاء أنفسهم مقارنة مع الأطفال العاديين، ومن تلك الدراسات، دراسة (بني سمتر) والتي يلخصها (ماكميلان) بقوله أن الفروق بين تعلم كل الأطفال العاديين والمعوقين عقليا المتماثلين في العمر الزمني فروق في الدرجة و النوع  ومن الدراسات العربية في هذا المجال الدراسة التي أجراها الروسان (1988) حول مقارنة أداء الطلبة العاديين والمعاقين عقليا مع المفاهيم العددية والتي يشير فيها على تعوق الطلبة العاديين من الطلبة والمعاقين إعاقة عقلية بسيطة والمتناظرين في عمرهم الزمني في تعلم المفاهيم العددية.

وفي دراسة أخرى أجراها الروسان (1987) حول مقارنة أداء الطلبة العاديين والمعوقين إعاقة عقلية بسيطة والمتناظرين في العمر الزمني على مهارات الكتابة أشارت إلى تفوق الطلبة العاديين على الطلبة المعوقين في مهارات الكتابة وتؤكد مثل تلك النتائج الدراسة التي أجراها الروسان (1988) حول مقارنة أداء الطلبة العاديين والمعوقين، إعاقة بسيطة والمتناظرين في العمر الزمني في مهارات القراءة، أي إلى تفوق الطلبة العاديين على الطلبة المعوقين في مهارات القراءة.

 

الانتبــاه: يواجه الأطفال المعاقون عقليا مشكلات واضحة في القدرة على الانتباه والتركيز على المهارات التعليمية، إذ تتناسب تلك المشكلات طرديا كلما نقصت درجة الإعاقة العقلية، وبناء على ذلك يظهر الأطفال المعاقون إعاقة عقلية بسيطة مشكلات أقل في القدرة على الانتباه والتركيز مقارنة مع ذوي الإعاقة العقلية المتوسطة الشديدة ويلخص (ماميلان) الدراسات التي أجراها (زيمان وزيمان) و(هاوس وتيرنر وسيترنح) هذا المجال كما يلي:

 

‌أ.  يعاني المعاقون عقليا من نقص واضح في الانتباه والتعلم التميزي في الميراث من حيث شكلها ولونها ووضعها، وخاصة لدى فئة الإعاقة العقلية المتوسطة والشديدة.

 

‌ب. يعاني المعاقون عقليا وخاصة فئة الإعاقة العقلية المتوسطة والشديدة من الإحباط والشعور بالفشل ويحاول أن يركز على تعبيرات وجه المعلم أكثر من تركيزه على المهمة المطلوبة منه.

 

‌ج.   يعاني المعاقون عقليا من مرحلة استقبال المعلومات في سلم تسلسل عمليات أو مراحل التعلم والتذكر، ولذا كان من الضروري لمعلم التربية الخاصة الانتباه لمراحل التعلم والتذكر، ولذاك كانوا يسعون إلى مساعدة الأطفال المعاقين عقليا على استقبال المعلومات بطريقة منظمة.

 

‌د.يقوم المعاقون إلى تجميع الأشياء أو تصنيفها بداية غير صحيحة، ويعود السبب في ذلك على الطريقة التي يستقبل فيها المعاقون عقليا تعليمات ترتيب أو تصنيف الأشياء، وعلى ضوء ذلك كله فليس من المستغرب أن يكون النقص الواضح في القدرة على الانتباه لدى الأطفال المعاقين عقليا سببا في كثير من المشكلات التعليمية لديهم.

 

التذكـر: يعتبر التذكر من أكثر المشكلات التعليمية حدة لدى الأطفال المعوقين عقليا سواء أكان ذلك متعلقا بالأسماء أو الأشكال أو الوحدات وخاصة التذكر قصير المدى ويلخص (ماكميلان) نتائج البحوث التي أجراها (بروكزكي وبروينسون وبراون)، على موضوع التذكر لدى الأطفال المعوقين عقليا ومنها:

1-تقل قدرة الطفل عقليا على التذكر مقارنة بالطفل العادي الذي يناظره في العمر الزمني ويعود السبب في ذلك إلى ضعف قدرة المعاق عقليا على استعمال وسائل، أو استراتيجيات أو وسائط كما يقوم بذلك الطفل العادي.

 

2-ترتبط درجة التذكر بالطريقة التي تتم بها عملية التعلم فكلما كانت الطريقة أكثر حسية كلما زادت القدرة على التذكر والعكس صحيح.

 

3-تتضمن عملية التذكر ثلاث مراحل رئيسية هي: استقبال المعلومات وخزنها ثم استرجاعها وتبدو مشكلة الطفل المعاق عقليا الرئيسة في مرحلة استقبال المعلومات، وذلك بسبب ضعف درجة الانتباه لديه.

 

-     انتقال أثر التعلم:

 

يعاني الأطفال المعاقون عقليا من نقص واضح في نقل أثر المتعلم من موقف إلى آخر ويعتمد الأمر على درجة الإعاقة العقلية.

 

إذا تعتبر خاصية صعوبة نقل آثار التعلم من الخصائص المميزة للطفل المعوق عقليا مقارنة مع الطفل العادي الذي يناظره في العمل الزمني ويبدو سبب ذلك في فشل المعوق عقليا في التعرف إلى أوجه الشبه والاختلاف بين الموقف السابق الموقف الجديد، وقد لخص (ماكميلان) نتائج الدراسات التي أجريت حول موضوع انتقال أثر التعلم، فأشار إلى الفروق الواضحة بين أطفال مراكز التربية الخاصة النهارية، وأطفال مراكز الإقامة الكاملة من حيث التعرف إلى الدلائل المناسبة في الموقف المتعلم والسابق، الموقف الجديد ، حيث أشار إلى قدرة الطفل المعوق عقليا على نقل التعلم تعتمد على درجة  طبيعة المهمة التعليمية ودرجة التشابه بين المواقف السابقة واللاحقة.

 

  الخصائص اللغوية:

 

تعتبر الخصائص اللغوية والمشكلات المرتبطة بها مظهرا مميزا للإعاقة العقلية وعلى ذلك فليس من المستغرب أن نجد أن مستوى الأداء اللغوي للأطفال المعاقين عقليا هو أقل بكثير من مستوى الأداء اللغوي للأطفال العاديين الذين يناظرونهم في العمر الزمني.

 

وقد أجريت العديد من الدراسات حول مظاهر وخصائص النمو للأطفال المعوقين عقليا ومقارنتها بمظاهر وخصائص النمو اللغوي للأطفال العاديين، وأشارت هذه الدراسات إلى أن الاختلاف بين العاديين والمعوقين عقليا في درجة النمو اللغوي ومعدله ويدعم ذلك الدراسات التي أجراها ماكيملان وآخرون توصلوا إلى أن الاختلاف في تطور النمو بين الأطفال المعوقين عقليا أبطأ في نموهم اللغوي مقارنة مع نظرائهم من العاديين.

 

لخص ماكملان نتائج الدراسة التي قام بها (مراهام) التي أشار فيها إلى قدرة معظم المعوقين عقليا على اكتساب قواعد اللغة باستثناء الأطفال شديدي الإعاقة العقلية ولكن بمعدل أبطأ من اكتساب الأطفال العاديين كما جمع (هلهان وكوفمان) عدد من المشكلات المتعلقة بمظاهر النمو اللغوي لدى الأطفال المعوقين عقليا وهي مشكلات النطق والتأتأة وقلة عدد المفردات اللغوية، وضعف بناء القواعد اللغوية ، كما أظهرت دراسة أخرى بأن هناك فروقا في خصائص النمو اللغوي بين كل من الأطفال الملتحقين بمراكز الإعاقة الداخلية والملتحقين بصفوف مراكز التربية الخاصة النهارية وإشارات نتائج هذه الدراسات أيضا إلى أن أكثر من نصف المعوقين عقليا الملتحقين بمراكز الإعاقة الكاملة يعانون من مشكلات لغوية، في حين أن نسبة من يعانون من المشكلات اللغوية من مراكز التربية الخاصة النهارية تتراوح ما بين 8% إلى 26% وتبقى درجة شيوع مشكلات اللغة لدى المعوقين عقليا أكثر من شيوعها لدى الأطفال العاديين.

 

كما أظهرت دراسات أخرى قام بها (جودرن وجود) علاقة ارتباطية الإعاقة العقلية ومظاهر الاضطرابات اللغوية، ويشيع البكم من الأطفال شديدي الإعاقة ويكون مستوى اللغة لدى هذه الفئة بدائيا فهم يصدرون ألفاظا غير مفهومة وكلامهم يعوزه وضوح المعني والترابط كما أكد (تزحيرلد) نتائج الدراسات السابقة حين أجرى دراسة هدفت إلى التعرف على تطور القدرة على النطق لدى الأطفال المعوقين عقليا ولتحقق ذلك أخضع 22 طفلا معوقا من الأطفال لبرنامج تدريبي لنطق الأصوات بعد أن قام بتقسيمهم إلى مجموعتين بواسطة مقياس (بينيه) حيث كانت نسبة ذكاء المجموعة الأول أقل من 25، بينما كانت نسبة ذكاء المجموعة الثانية منهم بين 25- 70، وأظهرت نتائج هذه الدراسة أن أطفال المجموعة الأولى بحاجة إلى مدة تدرب أطول مقارنة مع حاجة المجموعة الثانية، كي يتمكن من اكتساب القدرة على نطق أصوات معينة إذا احتاج أفراد المجموعة الأولى من (82 – 154) يوما، بينما احتاج أطفال المجموعة إلى 24 و69 يوما لإتقان الأصوات نفسها، كما أشارت النتائج إلى تفوق أطفال المجموعة الثانية على أطفال المجموعة الأولى من حيث نطف الحروف وفي دراسة أخرى قام بها (تريفولد) هدفت إلى التعرف على مدى استفادة فئات المعاقين من البرامج العلاجية الخاصة باللغة استخدمت عينة من المعوقين وأشارت نتائج هذه الدراسة إلى الزيادة الواضحة في متوسط عدد الكلمات المكتسبة لأطفال عينة الدراسة وخاصة الأطفال المنغوليين، حيث تفوق الأطفال المعوقين في اكتساب المفردات اللغوية على بقية الإعاقة العقلية الحركية الأخرى التي شملتها الدراسة.

Advertisements
الجريدة الرسمية