رئيس التحرير
عصام كامل

الأزهــــر وفــتـنـة الـتـكـفــير

فيتو

لقد وجدنا أنفسنا أمام فتنة جديدة هي فتنة التكفير، وبدلاً من مجابهتها، وبيان أوجه الحق والباطل فيها، تركناها تفعل فعلها في النفوس.
 

أقول ذلك بمناسبة ما أثير حول قضية تكفير داعش، فداعش قد حددت موقفها، وتتصرف علي أساسه، فمن دونهم من المسلمين ليسوا كذلك، وهم أي المسلمين ، العدو القريب الأولي بالمجابهة من العدو البعيد.

ومن هنا فقد عملوا في شبابهم، وشيوخهم، وأطفالهم، التقتيل والذبح، وفي نسائهم السبي، وفي أموالهم التغنيم، وهم يتقربون بهذه الأفاعيل إلي الله زلفي ، كما يعتقدون، كي ينالوا رضوانه، ويسكنون الفردوس الأعلي من الجنان. 

تبقي المشكلة عند غير الدواعش من المسلمين، الذين لم يتحدد موقفهم من داعش بعد، وقد توزع الموقف بين مكفر لداعش ، وغير مكفر لها.

فقد كفرهم بعض علماء الأزهر، وبعض رجال الإعلام، وامتنع الأزهر الشريف عن التكفير ، وكذا الجماعات المتأسلمة، أما من كفرهم من العلماء فقد ساق الأدلة الشرعية علي ذلك من الكتاب والسنة، ورجال الإعلام كفروهم بمقتضي أفعالهم التي لا تتسق مع الروح العامة للإسلام ، التي يستشعرها المسلم من معرفته العامة بدينه دون أدلة شرعية .

أما امتناع الجماعات المتأسلمة عن تكفير داعش فمفهوم ، باعتبار اتفاقهم في المنبع ، والمصب ، وما بينهما .

ويأتي امتناع الأزهر عن تكفيرهم ليمثل اللغز الذي يستغلق علي الفهم ، ويثير البلبلة ، ويحدث الفوضي في المواقف.

ولموقف الأزهر ثلاثة تفسيرات، التفسير الأول: وهو ما قدمه الأزهر في بيانه حين تصدي لفتوي مفتي نيجيريا بالإيضاح والتبيين، وإزالة ما علق بها من التباس، حين فُهِمَ منها أنه يكفر داعش أو يميل إلي تكفيرها، وقبل أن نلج إلي صلب البيان ، يتعين الإشارة إلي أن مفتي نيجيريا لم يخرج علي الناس ببيان واضح عن فتواه، يفسر منها الغامض، ويزيل الملتبس، فيقطع بذلك قول كل خطيب أما بيان الأزهر فقد اعتمد المنطق العقلي سبيلاً للامتناع عن التكفير، فذهب إلي القول بأن مذهب أهل السنة أن الإيمان القلبي أصل والعمل فرع، وعدم وجود الفرع لا ينفي وجود الأصل . وهناك خلط في أذهان الناس بين الجماعات التكفيرية وشروط التكفير.

ولو فتح الأزهر باب تكفير الجماعات التكفيرية لاستباح بذلك الدماء، وفتح باباً للفتن، واستحلال الدماء والأعراض الإسلام منه بريء .
وقضية الكفر هي قضية شرعية لا يملكها إلا الله وحده، فلا تملكها جماعة، ولا تنظيم، ولا الأزهر نفسه.

والدواعش يعتبرون أن العمل ركناً من أركان الإيمان، من تركه فقد كفر، والأزهر لا يعتبر الدواعش كفاراً، لأنهم يقولون: " لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ولا يمكن مقابلة التكفير بالتكفير.

والطريف في الأمر أن هذا البيان قد صدر في أعقاب مؤتمر عالمي بالأزهر الشريف لمواجهة التطرف والإرهاب، وإعلان براءة الإسلام من أفعال الدواعش والتكفيريين ، وكذا براءة كل النصوص الشرعية والمسلمين منها، هذا هو التفسير الأول.

أما التفسير الثاني: فقد ذهب أصحابه إلي القول بوجود عناصر إخوانية وسلفية في مؤسسة الأزهر، هي التي حالت دون إصدار فتوي بتكفير الدواعش والتكفريين ، بالرغم من أن المؤتمر الذي انعقد به كان يستهدف تبرئة الإسلام والنصوص الشرعية من أقوالهم ، وأفعالهم ، وأعمالهم.

أما التفسير الثالث : فيذهب إلي القول بأن الدواعش ينطلقون من كتب التراث ، ولا محل لتكفيرهم ، لأن تكفيرهم يعني تخطئة تلك الكتب ، وبيان فسادها ، وانحرافها في التعبير عن الإسلام الصحيح ، كما تعبر عنه آيات القرآن الكريم ، والسنة الصحيحة، وعليه ، فإنه يتعين علي مؤسسة الأزهر، إن صح التفسير الأول ، أن تعيد النظر في موقفها من علي عبدالرازق ، وطه حسين ، ونجيب محفوظ ، وفرج فودة ، وحامد نصر أبو زيد ، ورد اعتبارهم .

وإن صح التفسير الثاني ، فيتعين علي الأزهر التخلص من أصحاب الفكر التكفيري ، لما يمثلونه من خطر علي الإسلام الوسطي المعتدل ، الذي اعتمده الأزهر منهجاً للحياة .

أما إن صح التفسير الثالث : فيتعين علي مؤسسة الأزهر مراجعة كتب التراث، وتفنيد ما ورد بها ، ونقده ، ونقضه ، علي ضوء النصوص الشرعية ، وإعادة صياغة ما صح منها بلغة العصر .

أما إذا كانت هذه الكتب بحالتها صحيحة علي ضوء الكتاب والسنة، وأنه لا سبيل إلي المساس بها دون المساس بأصول الدين ، فيتعين علي الأزهر إعلان ذلك في بيان إلي الأمة ، ومواجهة المجتمع بحقيقة موقفه الشرعي، ومطالبته بتوفيق أوضاعه وفقاً لمقتضيات النصوص الشرعية ، وما تفرع عنها من علوم .
Advertisements
الجريدة الرسمية