رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محمد نصر علام: المجتمع الدولي غير جاد في حل أزمة سد النهضة.. وأديس أبابا استغلت التباعد بين القاهرة والخرطوم للتسويف | حوار

محمد نصر علام وزير
محمد نصر علام وزير الري الأسبق
«من رأى ليس كمن سمع».. والدكتور محمد نصر الدين علام وزير الرى الأسبق قضى ما يقرب من العامين على رأس وزارة الموارد المائية والرى، فى الفترة من 2009 إلى 2011، وخلال تلك الفترة وما بعدها من سنوات كان «علام» شاهدًا على المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر حول الحقوق التاريخية لدول المصب فى مياه نهر النيل.


أستاذ إدارة وهندسة المياه حذر طوال السنوات الأخيرة من ألاعيب أديس أبابا ومن الطرق غير الشريفة التى يسلكها المسئولون هناك من أجل التهرب من التوقيع على أى اتفاقيات ملزمة تحفظ لدولتي المصب حصصهما.

«علام» فى حواره مع «فيتو» يرى أن المجتمع الدولى غير جاد بالمرة فى حسم أزمة ملف سد النهضة والوصول إلى حلول عادلة للخلافات العميقة بين القاهرة والخرطوم مع الإثيوبيين، مشيرًا إلى أن هناك مؤشرات واضحة فى المنطقة لإمكانية تصعيد الأزمة إلى نزاع عسكرى قد يؤثر على استقرار المنطقة بالكامل.

وزير الرى الأسبق يرى أن فترة التباعد بين القاهرة والخرطوم إبان حكم الرئيس المخلوع عمر البشير أثرت على قوة موقف البلدين فى المفاوضات ومنحت إثيوبيا فرصة استغلالها لإضاعة الوقت والتسويف فى التفاوض، خصوصًا أن البشير -كما يرى علام- إنحاز للجانب الإثيوبى على حساب مصالح بلاده.

وتحدث «علام» عن قوى إقليمية وأخرى دولية -لم يسمها- تعمل بصفة مستمرة على إعاقة أى مشاريع توفر لمصر الأمن المائى لأجيالها الحالية والقادمة، مشيرًا إلى أن جميع الخيارات متاحة أمام مصر من أجل الوصول إلى حل عادل يحفظ لها حقوقها التاريخية فى مياه نهر النيل.. وإلى نص الحوار..

فى البداية.. كيف ترى ما وصلت إليه الأمور مؤخرًا فى ملف سد النهضة؟

الأمور باختصار ما زالت كما هى مثلما بدأت فى نهايات 2010 عند نقطة الصفر، دراسات السد الإنشائية والدراسات البيئية غير متوفرة، ليس هناك اتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد حتى تاريخه، وفوق ذلك انتهت إثيوبيا من بناء ما يقرب من 80% من السد، وانتهت من ملء المرحلة الأولى للسد بالرغم من معارضة مصر والسودان.

كما أنها أعلنت عن عزمها ملء المرحلة الثانية فى يوليو القادم بالرغم من رفض دولتي المصب، والمجتمع الدولى غير جاد حتى الآن فى اتخاذ موقف إيجابى من الأزمة، وهناك مؤشرات واضحة فى المنطقة لإمكانية تصعيد الأزمة إلى نزاع عسكرى قد يؤثر على استقرار المنطقة بالكامل.

حدثْنا عن حجم الضرر المتوقع على مصر فى حال انفراد إثيوبيا بملء السد ودون التوقيع على اتفاقية ملزمة بملء وتشغيل السد مع مصر والسودان؟

ملء هذا السد يتم من خلال حجز المياه على النيل الأزرق، وترك ما يتبقى من المياه للذهاب إلى مصر والسودان، وهذه المياه كانت لقرون عديدة مخصصة لسد احتياجات دولتي المصب، وهناك اتفاقية وقعت عام 1902 بين بريطانيا ومملكة إثيوبيا المستقلة تلتزم فيها إثيوبيا بعدم إقامة أى منشآت على النيل الأزرق ونهر السوباط بشكل يؤثر سلبًا على تدفق النهرين، بالإضافة إلى اتفاقية وقعت عام 1959 بين مصر والسودان على اقتسام مياه النيل الواصلة عند أسوان.

وبعد ملء سد النهضة، ما يتبقى من تصرف النيل الأزرق ستأخذ السودان منه نصيبها وما يتبقى يصل لمصر بالعجز الناتج عن ملء السد، وسوف تضطر مصر إلى سحب مياه من مخزون السد العالى لسد هذا العجز لاستكمال الحصة المصرية، وبالتالى سيتم ملء سد النهضة على حساب مخزون السد العالى والمخصص أصلًا لتعويض مصر النقص فى تصرفات النيل فى سنوات الجفاف.

وبالتالى ستتعرض مصر لمجاعات وعطش بسبب نقص المياه فى سنوات الجفاف إن لم يتم عقد اتفاقية الملء والتشغيل مع إثيوبيا تتعهد فيها بصرف مياه من سد النهضة فى مواسم الجفاف تحل مشكلات الشح المائى فى مصر، والحل الأمثل للجميع هو تعاون الدول الثلاثة سواء فى ملء سد النهضة أو فى تزويد مصر بالمياه المطلوبة أثناء الجفاف.

ما هى الخيارات المتاحة التى تملكها مصر حاليًا لحل الأزمة؟
كما جاء على لسان الرئيس السيسى جميع الخيارات بمعناها الشامل متاحة لمصر للدفاع عن أمنها وعن حياة ومستقبل أبنائها، وبالطبع الخيار الأفضل هو التوصل لاتفاق شامل متكامل مع إثيوبيا والسودان لتنظيم قواعد ملء وتشغيل السد، والخيار الأخير بعد استنفاد جميع السبل السلمية هو الخيار العسكرى لرفع أى أضرار عن مصر وشعبها.

ما رأيك فى دعوة عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية السلطات المصرية لاستكمال قناة جونجلى لزيادة تصرف نهر النيل لصالح مصر والسودان؟

هذا المشروع تخطط له مصر منذ أكثر من قرن من الزمان لضمان الأمن المائى للدولة مع الزيادة السكانية والعمرانية والزراعية المصاحبة لها، وكانت المحاولة الأولى للمشروع القرن الماضى قبل بداية الحرب العالمية الأولى، وتوقفت مع بداية الحرب.

وتم إدراج المشروع نفسه فى اتفاقية 1959 ضمن المشاريع المسقبلية فى السودان والاتفاق على اقتسام مياهه بالتساوى بين البلدين، وبدأ أنور السادات المشروع فى نهاية السبعينيات وبعد اكتمال ثلثي القناة تقريبًا فى بداية الثمانينيات قامت الحرب الأهلية فى جنوب السودان وقاموا بإيقاف العمل فى القناة وتدمير الحفارات، ويجب الاستيعاب جيدًا أن هناك قوى إقليمية وأخرى دولية تعمل بصفة مستمرة على إعاقة أى مشاريع توفر لمصر الأمن المائى لأجيالها الحالية والقادمة.

ما الذى أوصلنا إلى هذا الموقف؟ وكيف يمكن تلافى ذلك مستقبلا؟
استغلت إثيوبيا ظروف ثورة يناير 2011 المصرية أسوأ استغلال، ووضعت حجر أساس السد فى حفل عالمى فى أول أبريل 2011 بدون حتى إخطار مصر بالمشروع.

وفى أسوأ استغلال لظروف الثورة المصرية وانقسام الشارع المصرى وانشغال أجهزة الدولة فى تأمين مصر وشعبها، بعد ذلك كانت هناك أخطاء فى بعض مراحل التفاوض نتيجة لتغيير الوجوه ونقص الخبرات، واستغلتها إثيوبيا فى التسويف والتنصل من المسئوليات. ثم بدأت إثيوبيا تظهر وجهها الحقيقى المتعنت المخطط للاستيلاء على جزء من مياه مصر والسودان خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن كان هناك صعود ملحوظ فى قوة الدولة المصرية، وأيضًا فى مستوى التفاوض والدفاع عن الحقوق المصرية.

كيف أضر التباعد السابق بين مصر والسودان بموقفيهما فى المفاوضات؟
ظل السودان تحت حكم عمر البشير وحتى قيام ثورته فى جانب الطرف الإثيوبى بشكل أو بآخر حتى ضد مصالح السودان نفسه، وتغير الوضع تمامًا بعد الثورة بعد تولى الوطنيين أمور السودان، وكان التباعد المصرى السودانى أحد نقاط الضعف التى أجادت إثيوبيا استغلالها فى التسويف وإضاعة الوقت.

فى حال استمرار الإصرار الإثيوبى وتعنته، هل من الممكن أن ندخل فى المستقبل عصر بيع المياه؟
استمرار الإصرار والتعنت الإثيوبى وارد ولكن الاستسلام المصرى للمشيئة الإثيوبية غير وارد وغير مطروح لأنه ضد الوجود والاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى للدولة.

هدد رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد ببناء 100 سد مائى صغير ومتوسط، إلى أى مدى ترى جدية تلك التصريحات؟
مثل هذه التصريحات لا تلقى هباء ووراءها العديد من الأهداف الخبيثة سواء لإثيوبيا أو من وراءها، وقد نتفاجأ مثلًا بإدراج بعض هذه المشاريع كمخطط إثيوبى على النيل الأزرق فى المفاوضات المستقبلية، ولذلك كان هناك رد رسمى لوزارة الخارجية المصرية.

هل دخول الجانب الأمريكى على خط الأزمة يمكن أن يحدث انفراجة فى الملف؟ ولماذا فشل الاتحاد الأفريقى فى حسم الأمور؟
اعتقادى الشخصى أن قوة الإعداد وقوة الموقف المصرى وقوة التنسيق مع السودان هى فقط من سيحقق حلًّا عادلًا لهذه الأزمة، لأن الولايات المتحدة أو غيرها من دول العالم الكبرى لا تهتم بحل مشكلاتك إلا فى حالة واحدة، وهى تهديد مصالحها الإستراتيجية، وهذا ما أوصلته مصر برسائل مختلفة لهذه الدول واحدة وراء الأخرى، وإثيوبيا تلعب دور رجل الأمن الأمريكى فى الصومال وغيرها، ولها أدوار أخرى لخدمة الإستراتيجية الأمريكية فى المنطقة.

وبلا شك هناك عدة حوارات وسيناريوهات تعد حاليًا لحل أو تهدئة الأزمة، وسوف يظهر ذلك خلال الأيام القليلة القادمة، ولكن ليس ضمانًا لجدية هذه الحوارات أو عدالتها أو تنفيذها إلا قوة الدولة المصرية والاستعدادات القصوى لقواتها المسلحة.

أما الاتحاد الأفريقى فلا يملك فى رأيي الضغوط الكافية لرعاية مفاوضات جادة أو وساطة فعالة فى وجود دولة لا تلقى بالًا للقانون والأعراف الدولية، ولها مساندة ودعم من قوى إقليمية ودولية.

الحوار منقول بتصرف عن العدد الورقي...
Advertisements
الجريدة الرسمية