رئيس التحرير
عصام كامل

صحف إبراهيم.. نزلت بأول ليلة من ليالي رمضان ... امتلأت بالحكم والعبر والمواعظ.. وخلدها القرآن الكريم إلى يوم الدين

صحف إبراهيم ..صورة
صحف إبراهيم ..صورة أرشيفية

التعددية الدينية هي إرادة الله عز وجل وتشترك اليهودية والمسيحية والإسلام على حد سواء في شهر مقدس من الوحي، ألا وهو شهر رمضان الكريم.

 

الكتب السماوية

والكتب السماوية هي التي أنزلت من الله تعالي على الأنبياء والرسل، ليبلغوا رسالة التوحيد ويكونوا مبشرين ومنذرين لأقوامهم الذين ضلوا الطريق.

والإيمان بالكتب السماوية ركن من أركان العقيدة الإسلامية ثبت بالكتاب والسنة والإجماع ويجب الإيمان بجميع الكتب على حد سواء ليكتمل إيمان الفرد، فقد انزل الله تعالى الصحف على سيدنا إبراهيم خليل الرحمن أبي الأنبياء وانزل التوراة على سيدنا موسى كليم الله وانزل الإنجيل على سيدنا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وانزل القرآن خاتما لكتب السماء على خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وذكر بن حبان في صحيحه أن الصحابي الجليل أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم مرة عن عدد الكتب السماوية فبين له النبي صلي الله عليه وسلم أنهم يبلغون مائة وأربعة كتاب سماوي، فشيث عليه السلام نزلت عليه خمسون صحيفة، وإدريس من بعده أنزلت عليه ثلاثون صحيفة كما أنزل على سيدنا إبراهيم عشر صحف وعلى موسى عليه السلام عشر صحف قبل أن تنزل التوراة.

صحف إبراهيم

والمشهور بين الناس أن ربنا تبارك وتعالى أنزل الله الصحف على سيدنا إبراهيم خليل الرحمن أبي الأنبياء وانزل التوراة على سيدنا موسى كليم الله وأنزل الإنجيل على سيدنا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وأنزل القرآن خاتما لكتب السماء على خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

فكان إبراهيم عليه السلام صاحب الملة وإمامًا للأمّة، كما ورد في قول الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا).

وسيدنا إبراهيم خليل الرحمن وأبو الأنبياء تردد اسمه وقصته وحواراته مع قومه كثيرا في القرآن الكريم فقد ورد الاسم نحو ٦٨ مرة في كتاب الله عز وجل مما يدل على عظم منزلته ومكانته عند الله سبحانه وتعالى، واتخذ الله تبارك وتعالى سيدنا إبراهيم خليله.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا" وسمي خليل الرحمن لشدة محبة ربه عز وجل له لما قام له من الطاعة التي بحبها ويرضاها.

النبي إبراهيم

الدكتور محمود الصاوي وكيل كلية الدعوة الإسلامية للدراسات العليا والبحوث بكلية الدعوة بجامعة الأزهر قال إن الله تبارك وتعالي وصف سيدنا إبراهيم في القرآن أنه كان أمة وحده: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) والأمة هو الإمام الجامع لخصال الخير الذي يُقتدى به ووصفه ربنا تبارك وتعالي بأنه كثير التضرع والذكر في قوله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ).

وانزل عليه الصحف بأول ليلة في رمضان وقد ورد ذكرها في القرآن عدة مرات إشارة أو تصريحا كما في قوله تعالي: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ) وما ورد في سورة النجم تصريحا قوله تعالى: " أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ موسى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى) وفي سورة الأعلى: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى).

وأضاف الصاوي لـ«فيتو» أن الإمام القرطبي قال عند تفسيره لهذه الآيات المقصود بهذه الصحف الكتب التي نزلت عليهما وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يارسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال كانت أمثالًا كلها: أيها الملك المتسلط المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعص ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر).

وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن تاريخ نزول هذه الصحف فعن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وانزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان).

وأشار الصاوي إلى أنه من المعروف أن جميع الكتب السماوية التي نزلت على أقوام كانت تناسبهم في تلك الحقبة الزمنية المحددة كما أن الرسالة المعنية كانت محددة بفترة زمنية أيضًا وآخر الرسالات التي أُنزلت هي ما أُنزل على نبينا محمد صلّ الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم الذي نصّ فيه الله عز وجيل على الكثير من الأحكام والأوامر كتكليف للمسلمين ولم يكلّفوا بأي شيء تم ذكره أو جاء في الشرائع السابقة لأنها خاصة بالأقوام التي نزلت فيهم.

تعليمات صحف إبراهيم

وتابع: "مكتوب في صحف إبراهيم عليه السلام (يادنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصنعت لهم وتزينت لهم إني قذفت في قلوبهم بغضك والصدود عنك ما خلقت خلقا أهون على منك كل شأنك صغير وإلى الفناء تصيرين قضيت عليك يوم خلقت الخلق ألا تدومي لأحد ولا يدوم لك أحد)".

ومما جاء في صحف إبراهيم أيضًا: " (على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه يفكر في صنع الله عز وجل وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب وعلى العاقل أن يكون يسيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه)".

وأشار الصاوي إلى أنه مما لا شك فيه أن الأنبياء جميعا دعوا إلى توحيد الله تبارك وتعالي وإفراده وحده بالعبادة وأن دين إبراهيم ودين كل أنبياء الله ورسله هو الإسلام فأمهات العقائد وأركان الإيمان واحدة على لسان كل رسل الله وأنبياءه، وكذلك أمهات المحرمات فلا يوجد دين أباح الكذب أو القتل أو السرقة أو الزنا، ولم يرسل ربنا جل جلاله رسولًا بغير التوحيد، كما أن أمهات الأخلاق كذلك واحدة في كل الديانات السماوية على هيئتها وحالتها التي جاء بها رسل الله تعالي قبل أن تمتد إليها يد البشر بالتحريف والتبديل حيث ذكر ذلك القرآن الكريم.

وبالنسبة لمكانها فلا يوجد خبر صحيح يدلّ على مكان وجود صحف إبراهيم عليه السلام، أو عمّا جاء فيها من أحكام وتشريعات ولكن نبينا محمد صلّ الله عليه وسلم أمر باتّباع ملة إبراهيم عليه السلام بما جاء فيها من عقائد وتوحيد لله تعالى.

وأوضح أن الله عز وجل منح سيدنا إبراهيم في دعوته لقومه الحجة البالغة والمنطق السديد ليحاجج قومه على عبادتهم للأصنام والنجوم والكواكب وأنها إفك مبين ولا تملك لهم نفعًا ولا ضرًا ويدحض دعوى النمرود فبدأ دعوته كسائر الأنبياء بالحكمة والموعظة الحسنة والقول اللين والنصح وأخبرهم بأنه رسول من الله تعالى ليؤمنوا بالله تعالى ويوحدوه وأن مصير من يكذب دعوته كمصير الأقوام الذين سبقوهم.

تكفير النبي

وتابع: "إلا أن قوم إبراهيم عليه السلام كذبوه وأصروا على كفرهم، فأرشد الله عز وجل سيدنا إبراهيم لأسلوب جديد في إقناع قومه بوحدانية الله تعالى وبدأ سيدنا إبراهيم يخاطب عقول قومه بالحقائق الكونية التي لا يستطيعون إنكارها ومثال ذلك أن الكواكب والنجوم التي يعبدها قوم إبراهيم تظهر وتختفي والله ليس ذلك كما أنها من المخلوقات والمخلوق لابدّ له من خالق والخالق هو الله تعالى".

وأوضح الدكتور محمود الصاوي وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر أن صحف إبراهيم عليه السلام بها الكثير من العبر والحكم والمواعظ أنزلها الله تعالى بأول ليلة من ليالي شهر رمضان لتكون دليل الهداية والصلاح مما يوجب الإيمان بها دون البحث عن طبيعتها أو من أي مادة تم صنعها حيث إن ذلك من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله ولا يجب أن يسأل عنها أي حد لأن ذلك لا يؤثّر في الإيمان بها.

مضيفًا أن القرآن الكريم أشار إلى بعض الفضائل والتعاليم والإرشادات التي ورد ذكرها في صحف إبراهيم ولعل مما يؤكد ذلك ما ورد ذكره في سورة النجم عن بعض مضامين ومحتويات صحف إبراهيم (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى‏) فإنه يؤكد على أمور منها: - أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره - أنه لا يثاب امرؤ إلا على عمله  - أن العامل يرى عمله في ميزانه خيرا كان أو شرا  - أنه تعالى هو الذي أضحك وأبكى - أنه هو الذي أغنى وأقنى  - أنه هو الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة تصب في الأرحام  - أنه هو الذي يجازي العبد على سعيه الجزاء الأوفى. 

الجريدة الرسمية