رئيس التحرير
عصام كامل

زمن التصفية.. هدم الصناعة أم تصحيح المسار؟.. الحديد والصلب يلحق بالقومية للأسمنت والمصرية للملاحة.. والبقية تأتي

مصنع الحديد والصلب
مصنع الحديد والصلب
وسط ردود فعل غاضبة من قوى سياسية وعمالية.. شرعت حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، ممثلة في وزارة قطاع الأعمال العام ووزيرها هشام توفيق، في تصفية بعض الشركات العريقة صاحبة التاريخ الكبير والسمعة الطيبة في الصناعة المصرية.


الغاضبون يرون أن هناك حلولًا أخرى لتصويب المسار بعيدًا عن التصفية والبيع وتشريد العمال، والمؤيدون يقولون إن تلك الشركات حققت خسائر متراكمة وصارت عبئًا ثقيلًا لا يمكن تحمل أوزاره.

الحلقة الجديدة في مسلسل التصفية والبيع والتفكيك هو: مجمع الحديد والصلب بحلوان الذي كان يومًا ما أحد أضلاع منظومة الصناعة الوطنية، ليلحق بما تم تصفيته وبيعه من شركات أخرى، فيما لا يزال القوس مفتوحًا.



غضب متصاعد

الأيام القليلة الماضية شهدت غضبًا متصاعدًا من تيارات مختلفة بشأن الحديث عن بيع المجمع الذي يزيد عمره على أكثر من نصف قرن.

البرلمان المصرى استهل جلساته بطرح هذا الملف للبحث والمناقشة، وطالب عدد من النواب بتشكيل لجنة تحقيق وتقصي حقائق لبحث ملف هذه الشركة العريقة وغيرها، ومبررات قرار التصفية؛ باعتبارها ركيزة من ركائز الصناعة الوطنية والاقتصاد القومي ولا ينبغى أن يكون الحل الأسهل هو التفريط فيها، أيًا كانت السيناريوهات المرسومة لها.

النواب شددوا أيضًا على أن قرار التصفية يخالف كل المواقف والسياسات والتصريحات الصادرة عن الحكومة في أوقات سابقة، كما يعد مخالفة صريحة لمواد الدستور، خاصة في الفصل الثالث المتعلق بالمقومات الاقتصادية للمجتمع المصري التي تؤكد على الحفاظ على الملكية العامة والمشروعات الإنتاجية والعمل على تنميتها واستمرارها وحقوق العمال في إدارتها.. بهدوء شديد وموضوعية وحياد تامَّين.

تطرح "فيتو".. هذه القضية الضاغطة والملحة والشائكة على طاولة النقاش عبر الملف التالى..

تاريخ التصفية

تصفية مجمع الحديد والصلب بحلوان أكبر شركة وأول شركة للحديد والصلب في الشرق الأوسط التي يعمل بها الآن 7300 عامل، وتقع على مساحة 2500 فدان بحلوان، والتي كانت من أهم القلاع الصناعية ومصادر الدخل القومي في وقت من الأوقات، لم تكن الأولى في مجال التصفية.

فقد سبقها القومية للأسمنت في أكتوبر 2018، لعدم الجدوى من استمرارها اقتصاديًا، وبعد تآكل رأس المال لأكثر من 12 مرة وتضاعف الخسائر، بنحو 861 مليون جنيه نهاية يونيو 2018، كما وافقت الجمعية العامة غير العادية لشركة المصرية للملاحة البحرية، التابعة لقطاع الأعمال العام، على تصفية الشركة، لتصبح أول شركة تصفيها الوزارة في 2020.

خيار التصفية لم يكن وليد اللحظة، وإنما نتيجة لتداعيات عديدة، حيث مرت شركة الحديد والصلب المصرية بالعديد من الأزمات قبل اتخاذ قرار تصفيتها وإغلاقها دون رجعة، أبرزها: ارتفاع المديونيات، فخلال الفترة الماضية وتحديدا من يوليو لعام 2019 حتى 30 يونيو لعام 2020، حققت الشركة خسائر بلغت 982.8 مليون جنيه، مقابل خسارة قدرها 1.5 مليار جنيه عن الفترة المقابلة من العام الماضي.

حجم الخسائر

فيما تبلغ مجمل الخسائر نحو 9 مليارات جنيه، وتمتلك 7 شركات قابضة من شركات قطاع الأعمال العام عددًا من الشركات التابعة لها، ومقيدة بالبورصة المصرية، وتبلغ تلك الشركات نحو 17 شركة.

وتضم الشركة القابضة للنقل البحري، 3 شركات مقيدة بالبورصة وهي الإسكندرية لتداول الحاويات، والقناة للتوكيلات الملاحية وأيضا العربية المتحدة للشحن والتفريغ، أما الشركة القابضة للسياحة والفنادق فيندرج تحتها شركة وحيدة مقيدة بالبورصة، وهي شركة مصر للفنادق وتبلغ ملكية الشركة القابضة بها نحو 50.69 %.

وتتبع شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير والمقيدة بالبورصة، الشركة القابضة للتشييد والتعمير وتبلغ نسبة مساهمة الشركة بها نحو 72.25 %، ويتبع الشركة القابضة للأدوية والكيماويات عدد 5 شركات مقيدة بالبورصة أولها شركة النيل للأدوية، شركة ممفيس للأدوية، شركة القاهرة للأدوية، الشركة العربية للأدوية، وشركة الإسكندرية للأدوية.

الشركات القابضة

أما الشركة القابضة للصناعات الكيماوية فيتبعها 5 شركات مقيدة بالبورصة أيضًا وهي الشرقية للدخان والسجائر، القومية للأسمنت، مصر لصناعة الكيماويات، العامة لصناعة الورق –راكتا، والصناعات المصرية الكيماوية –كيما.

كذلك، فإن الشركة القابضة للصناعات المعدنية يتبعها 3 شركات مقيدة بالبورصة وهي مصر للألومنيوم، والحديد والصلب المصرية، والعامة لمنتجات الخزف والصيني.

وكشفت الحكومة المصرية في مارس 2018 عن عزمها طرح حصص من 23 شركة بالبورصة، في إطار برنامج لجمع 80 مليار جنيه عبر بيع حصص أقلية في فترة تتراوح بين 24 و30 شهرًا.

الحكومة ستبدأ في طرح الشركات التي بها أسهم مطروحة في البورصة كخطوة أولى لحركة الطرح التي أعلن عنها مجلس الوزراء، ومن بين تلك الشركات: الإسكندرية لتداول الحاويات، ومصر الجديدة للإسكان، إلا أن طرحت وزارة قطاع الأعمال 4.5% فقط من أسهم الشرقية للدخان في أواخر فبراير الماضي كطلقة استطلاع لأسهم القطاع العام بالبورصة.

الطرح في البورصة

وحاولت من خلاله البرهنة على قدرتها على إتمام طرح باقي الشركات بنجاح، خاصة أن الشرقية للدخان هي ثاني أكبر شركة عامة من حيث حجم الإيرادات التي تضخها في الموازنة العامة بعد قناة السويس، لكن ما حدث بعد ذلك هو الصمت التام حتى الآن.

ورغم إعلانات الحكومة لتنفيذ وتفعيل برنامج تطوير وإعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال العام المكونة من 8 شركات قابضة و121 شركة تابعة، وذلك من خلال هيكلة الإدارة بإعادة تشكيل مجالس الإدارات.

وخلال الأشهر الماضية استقبلت البورصة قدرًا لا بأس به من الاستثمارات الأجنبية مرة أخرى بعد الاطمئنان للسوق، لكن على الرغم من هذه العودة إلا أن البورصة لم تنجح بشكل كامل في إقناع المستثمرين الأجانب بسبب التحفظات على مستوى الشفافية واستمرار سيطرة المضاربات على أداء السوق وإفساح المجال أمام المضاربين للتأثير على الأسعار وتفوق أسهم المضاربة في الأداء على الأسهم ذات الأداء المالي الجيد.

وربما أيضا من أسباب إحجام المستثمرين الأجانب استمرار شراء الأسهم الجيدة واحتياج البورصة بشكل كبير لطروحات جديدة وأسهم جديدة وبدائل استثمارية إضافية والمزيد من الرقابة على التداولات وتعزيز مستويات الإفصاح والشفافية والرقابة على التداولات.

وحتى الآن لا يوجد حوافز في الطريق متوقعة ترتبط بشكل مباشر بأزمة كورونا لكن السوق ينتظر الحوافز الكثيرة الأخرى مثل تشجيع القطاع الخاص وافساح الطريق له دون منافسته أو على الأقل منافسته بشكل عادل والعمل على الترويج بين الشركات لتشجيعها على الإدراج بالبورصة من خلال تقديم المزيد من المحفزات والإعفاءات.

الاستثمار

وكذلك السعي إلى الترويج بين المستثمرين وتشجيعهم على ضخ استثماراتهم بالبورصة بديلًا عن الادخار، وقد لعبت إجراءات البنك المركزي دورًا كبيرًا بالخفض المتواصل لأسعار الفائدة.

من جانبه أكد الخبير الاقتصادى خالد الشافعى، أنه تم اتخاذ الطريق السهل في أزمة شركة الحديد والصلب وكذلك الشركات الأخرى الخاسرة، مع إمكانية إيجاد حلول أخرى غير التصفيات، خاصة أن صناعة الصلب والحديد والأسمنت والأسمدة تعتبر واعدة جدًا في ظل مشروعات قومية عملاقة يجرى تنفيذها في كل مكان يمكنها استيعاب إنتاج الشركات وأزمة المديونيات كان يمكن التوصل لحلول طويلة لها.

وأضاف "الشافعى" فى تصريحات لـ"فيتو": ليس واقعيًا أن تخسر الشركة 250 مليونًا أو أكثر فتقوم الإدارة باتخاذ الإجراءات اللازمة للتصفية، وهي مشكلة كان يمكن التعامل معها بإعادة الهيكلة وخفض الإنفاق وبحث آليات للتعامل مع الخسائر وليس تصفية نهائية، فهذه الشركات كانت أعمدة الدولة المصرية في ستينيات القرن الماضي.

متابعًا: الدولة لا تسعي للتخلي عن الشركات لكن في هذه الأزمة خاصة الحديد والصلب بحثت عن الحل السهل، والدليل أن الدولة بالفعل تجهز برنامج طروحات خاصة في البورصة المصرية لشركات تابعة للحكومة، وهنا يوجد مساعٍ من أجل الحفاظ على الشركات المملوكة، لكن اختيار الطريق السهل بالتصفية كان في حاجة إلى إعادة النظر فيه، لأن الشركات التي نتحدث عنها في قطاع الأعمال جميعها تنتج سلعًا إستراتيجية ولديها أصول بمليارات الجنيهات، فلماذا لم نستغل الأصول أو نتخلص من جزء من هذه الأصول ونوجه السيولة للسداد أو حتى إعادة الهيكلة؟

الشافعى استطرد: للأسف.. هذه التصفية تعتبر الرابعة لشركات حكومية كبيرة ورغم محاولات الحل إلا أن الشركات مثقلة بالديون، وكان يتم إدارتها بفكر بيروقراطي تسبب في استمرار نزيف الخسائر، وهذا من شأنه التسبب في ضعف هيكلها وتعرضها للمزيد من التراجع والخسائر.

من جانبه..قال صفوت عبد النعيم خبير أسواق المال، عضو الجمعية المصرية للمحللين الفنيين: بعد قرار التصفية الصادر من الجمعية العامة غير العادية لمجمع الحديد والصلب بحلوان، وبعد استقراء تصريحات وزير قطاع الأعمال عن طرق التصفية.

نستخلص الآتى: إجراءات التصفية ستستغرق أكثر من عام، بدايتها فصل نشاط المناجم كشركة منقسمة من الحديد والصلب بمعامل مبادلة بالقيمة الدفترية لسهم الحديد والصلب بنسبة معينة من إجمالي رأس مال الشركة أي بجز من الكمية المملوكة لمساهم الحديد والصلب في تاريخ التقسيم المنتظر من الهيئة بعد إدراج أسهم الشركة المنقسمة بالبورصة.

ووفقا للتصريحات خلال الثلاثة أسابيع من تاريخ الجمعية المنقضى انعقادها، وبناء عليه سيظهر رصيد لأسهم جديدة في محفظة المساهم المحتفظ لتاريخ التقسيم، باسم شركة المناجم وسيكون له سعره الجديد بالبورصة، مردفًا: التصريح بعدم وجود الرغبة أو النية لدى الشركة القابضة للصناعات المعدنية بعرض شراء إجبارى لجميع أسهم الشركة ولا نية لشطب السهم بالبورصة حتى انتهاء التصفية يعتبر خبرا ايجابيا نستخلص منه أنه لن يتوقع معه تحديد سعر صفقة معين للشطب الاجبارى أو الاختيارى.

تفاصيل التصفية

والمحدد قانونا في هذه الحالات بمتوسط سعر 3 شهور، ونتمنى أن تظل وتستمر هذه الإستراتيجية حتى انتهاء التصفية بالكامل أي بعد تنفيذ المخطط ببيع بعض أصول الشركة من أراض وخلافه كتصريح الوزير، حتى تكون قيمة السهم أعظم في التصفية عن مثيلتها في حالة الشراء الإجبارى أو الشطب الاختيارى.

وضمان دخول حصيلة بيع الأصول كحق المساهم وليس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، وفى حالة الالتزام بعدم تقديم عرض شراء إجبارى أو شطب اختيارى سيكون هو الضامن لتطبيق عملية بيع الأصول قبل التصفية وليس بعدها بموجب تفويض للمصفى.

وبدوره قال الدكتور سيد قاسم عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي: الفترة الماضية شهدت العديد من المبادرات الداعمة لبرنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد المصري في كثير من القطاعات، ولكن يوجد العديد من شركات قطاع الأعمال لم تلق نصيبها من هذه المبادرات، بل يعتبرها القطاع العام بأنها في عداد "الموت الإكلينيكي".

وبعد قرار تصفية شركة الحديد والصلب، وهى شركة عامة مدرجة في البورصة المصرية، وتعمل في قطاع المواد مع التركيز على الصلب، فإنه من المحتمل بأننا على أبواب سرادق عزاء كبير سيتضمن تصفيات شركات عديدة من القطاع العام، وبالإشارة إلى قرار الحكومة بتصفية المصنع التابع لشركة الحديد والصلب المصرية، فإنها لم يكن هو الخيار الوحيد أمام وزارة قطاع الأعمال كما هو واضح على الساحة الاقتصادية.

وكان من الممكن الاستعانة بشريك إستراتيجي كأحد الحلول لإنقاذ الشركة من الخسائر المتراكمة، رافضًا الادعاءات بأن القطاع العام عبء يجب على الحكومة التخلص منه، وأنه هو المسئول عن تعثر التنمية في مصر.

ولفت "قاسم" إلى أن شركات القطاع العام يمكن أن تكون داعما رئيسيا في طريق التحول الاقتصادي، كما يمكن أن تكون إحدى آليات التغيير الهائل في توطين الصناعة المحلية، كما أنها آلية مهمة في إحداث التوازن الاقتصادي ضد الاحتكار لبعض المستثمرين بل يمكن أن تكون آلية رادعة ضد أي احتكار سلعي، مشيرًا إلى أن التصفية ليست الحل الأمثل في مثل هذه الحالات خاصة.

وأن هناك شركات أخرى تابعة لقطاع الأعمال العام تواجه نفس المشكلات، وبالتالي فإنه ليس من المنطقي أن تلجأ وزارة قطاع الأعمال إلى تصفية كل هذه الشركات، خاصة أنه مع إتمام عملية تصفية مصنع الحديد والصلب، فإن الحكومة قد خرجت من قطاع هام في السوق المصري، ولن تتمكن من السيطرة عليه في المستقبل القريب.

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية