رئيس التحرير
عصام كامل

الإنجيل.. رسالة عيسى لإراحة بني إسرائيل.. نزل في النصف الثاني من رمضان.. توحيد الله والإخلاص في العمل أبرز تعليمات المسيح

كتاب الإنجيل - صورة
كتاب الإنجيل - صورة أرشيفية

"إنَّ مَثَلي ومثلَ الأنبياء منْ قَبلي كَمَثَلِ رجلٍ بنى بَيْتًا فأحْسَنَهُ وأجْمَلَهُ".. صدق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما وصف الأنبياء أجمع بالمبنى المتناسق ونجح كل نبي في أداء مهمته على أكمل وجه ومهد الطريق لمجيء الدين الإسلامي.

 

الإنجيل

كما فعل سيدنا عيسى عليه أفضل الصلاة والسلام الذي نزل عليه الإنجيل في شهر رمضان الكريم وشهدت مسيرته النبوية عدة معجزات وقدم الكثير من التعاليم والإرشادات السيرة الذاتية لنبي الله عيسى عليه السلام كشف عنها كتاب قصص الأنبياء للشيخ الشعراوي بأنه ولد في بيت لحم بفلسطين.

وكان ميلاده معجزة آلهية من عند الله فقد أنجبته السيدة مريم دون أب فهو عيسى ابن مريم حيث يقول الله عز وجل: "إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" كما أنه تكلم في المهد وهو صغير عندما أتت به أمه قومها تحمله على صدرها، فاتهمها بعضهم فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا، فتكلم "عيسى الطفل" ووصف نفسه بـ8 صفات "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا* ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ".

الدعوة لعبادة لله

فقست قلوب بني إسرائيل وانحرف بعضهم عن الطريق الصحيح الذي أقامه لهم الأنبياء وما أن سمع الكهنة والأحبار عن ميلاد عيسى بدون أب وكلامه في المهد شعروا أن سلطتهم الدينية في طريقها للانهيار لأن مجيء سيدنا عيسى نبي يعني إعادة الناس لعبادة الله وحده.

لهذا تكتم رهبان اليهود قصة ميلاد عيسى وعزموا على التخلص منه فأمر حاكم الرومان "هيرودس" بقتل كل الأطفال الذكور المولودين في تلك الفترة، ليتخلص من سيدنا عيسى صغيرا قبل أن يكبر، فهربت السيدة مريم ومعها وليدها وذهبت لمصر "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" (سورة المؤمنون آية 50) ولما ناهز السيد المسيح الـ30 من عمره – كما ذكر الكثير من العلماء - كان النبيان الكريمان "يحيي وزكريا" قد قتلا بيد السلطة الحاكمة، ومات حاكم الروم "هيرودس" فعاد المسيح لفلسطين ونزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم وأصبح رسولًا إلى بني إسرائيل وهو آخر أنبيائهم كان ذلك يوم 13 رمضان.

فعن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان"، ومن هنا بدأت رحلة المشقة للمسيح في الدعوة إلى الله، وفي إصلاح أحوال ومعاملات الكهنة والأحبار وفي مساعدة الفقراء والمحتاجين، وحاول أن يبث روح الحب والتسامح بين الناس وينزع منهم الكراهية والبغضاء ويخلص الروح الإنساني من أثقال المادة وعبادة الذهب ومن المنكر والخديعة.

وقد أيده الله تعالي بالآيات البينات وزوده بالمعجزات الباهرات، والتي ذكرت مفصلة في سورتين الأولى سورة "آل عمران 48/49": "وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ" والثاني سورة "المائدة 110/111" قال تعالى: "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ".

جمع الإنجيل

وعن طريقة تجميع الإنجيل يقول المفكر العربى فراس سواح في كتابه ألغاز الإنجيل: لم يترك يسوع أثرا مكتوبا بل تعاليم شفوية وسيرة حياة، وكانت الجماعات المسيحية الأولى تتناقل أقواله وأعماله كما وصلت إلينا عن طريق تلامذته المباشرين ممن رافقوه عبر مسيرته التبشيرية القصيرة.

وعندما مات معظم أفراد الجيل الذي عاصر يسوع حاملين معهم ذكرياتهم وانطباعاتهم المباشرة بدت الحاجة ماسة إلى تدوين سيرة يسوع وتعاليمه وهكذا ظهرت على التتابع الأناجيل الأربعة التي عزيت إما إلى شخصيات من العصر الرسولى مثل مرقس ولوقا، أو إلى تلاميذ مباشرين ليسع مثل متى ويوحنا وجميع الأناجيل دونت باليونانية القديمة لغة الثقافة في ذلك العصر.

العهد الجديد

ومن هنا اجمع الباحثون كما ذكر كتاب "العهد الجديد" على أن يكون إنجيل مرقس هو أقدم الأناجيل وأنه دون نحو عام 70 م أي بعد وفاة يسوع بنحو أربعين سنة، يليه إنجيلا متى ولوقا اللذان دونا بين عامى 80م وعام 90 م وأخيرًا إنجيل يوحنا الذي دون فيما بين عام 100 و110.

تعاليم الإنجيل 

تعاليم وإرشادات الدين المسيحي والمعاملات الدينية التي نص عليها في الإنجيل ذكرها المؤلف "داود على الفاضلي" في كتاب أصول المسيحية في الإسلام يقول إن القرآن الكريم نص على أن أول ما جاء به سيدنا عيسى عليه السلام هو التوحيد الكامل، التوحيد في العبادة، فلا يعبد إلا الله، فالله هو الخالق لكل شيء ومدبر الأمر كيف يشاء، وهو رب الكل لا يختص بجماعة دون الآخر "وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ" (سورة مريم آية 36).

كما ذكر القرآن الكريم أن المسيح صدق برسالة سيدنا موسى واعترف بالتوراة، ولكنه جاء ليبين لهم بعض الذي حرم عليهم، وما أحله الله لهم بما يوافق زمانهم وحياتهم، فقد أصبح الانجيل شريعة خاصة لسيدنا عيسى تقوم على ركيزتين اساسيتين ذكروا في (سورة آل عمران آية 50) "وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ".

وتعني أن ما جاء به سيدنا عيسى مطابقا لما جاء في التوراة وليس الأمر للتصديق فقط بل جاء ليحلل بعضا من الذي حرمه التوراة.

جاء عيسى بالبينات والحكمة وفصل في مسائل الخلافات بين الفرق والأحزاب، حتى يستقر الأمر على الوحدة "وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ" (سورة الزخرف آية 63).

كما دعا سيدنا عيسى إلى نقاء الباطن والاتصال بالله دون وساطة أحد، قال تعالي: "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (آية 13 سورة التوبة).

الإخلاص في العبادة

كما كان سيدنا عيسى عليه السلاة يدعو للإخلاص في العبادة سواء كانت معاملات فيما بينهم من المحافظة على الحقوق واحترام الفرد والاخلاق الفضيلة أو مع الله مثل إقامة الصلاة وشكر الله ودفع الزكاة للفقراء والمساكين وقد نص القرآن على ذلك "وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا" (آية 31/32 من سورة مريم).

وذكر القرآن الكريم أن الله تعالى أخذ الميثاق على الرسل أنه كلما جاء رسول مصدقا لما معهم يجب عليهم الإيمان به ولابد من نصره، ومن خرج عن هذا الطريق لا يعتبر من الأنبياء لأن الأنبياء دينهم واحد ورسالتهم واحدة من عهد آدم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

كما ذكر القرآن الكريم أن عيسى عليه السلام كان من الأنبياء وبشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، واعترف بنبوءة موسى وكتابه "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ" (آية 6 سورة الصف).

عظمة الدين المسيحي 

وفي هذا السياق يقول عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر: إن اسم سيدنا عيسى ذكر في القرآن الكريم بشكل صريح 25 مرة وذلك يدل على عظمة الدين المسيحي وتمجيد الإسلام لسيدنا عيسى، فقد تناول القرآن الكريم قصة سيدنا عيسى كاملة وامه مريم وكشف عن المعجزات التي منحه الله لهما.

وأشار "الأطرش" إلى أن صحف إبراهيم وموسى نزلت أول ليلة في شهر رمضان، التوارة لـ6 ليالي من رمضان بعد 700 عام من صحف إبراهيم وموسي، والزبور 12 ليلة من رمضان بعد التوارة بـ500 سنه، والإنجيل 18 رمضان بعد الزبور بـ1200 سنة، والفرقان 27 رمضان بعد الإنجيل 620 سنة، فقد كان آخر الكتب المنزلة القرآن الكريم الذي نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لـ23 سنة لانتزاع الشرائع الباطلة من الناس لذلك جاء بالتدريج.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "شرع ما قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ"، أي إن كل كتاب ينزل يلغي ما قبله، وكل نبي يبشر بالرسول التالي له، لذلك قال النبي عيسى "وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ"، فكل الاديان السماوية نزلت لخدمة البشرية إلى أن أتم الله هذه الرسالات بنزول القرآن الكريم وهو الكتاب الخاتم.

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية