رئيس التحرير
عصام كامل

أكذوبة "الصراع العلني" بين ديكتاتور أنقرة و"ملالي طهران".. مصالح "الإرهاب المشتركة" تربط بين تركيا وإيران.. وهذا سر قصيدة "أذربيجان"

أردوغان
أردوغان
«فرقوا آراس.. وأغرقوه بالرمال.. أما أنا فلم أكن أريد.. لقد فرقونا ظلمًا».. كلمات من قصيدة تلاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال احتفالية حضرها في أذربيجان، فجَّرت الخلافات مع إيران، التي رأى بعض مسئوليها أن القصيدة تضمنت دلالات على أن المناطق الشمالية الغربية الإيرانية جزء من «أذربيجان».


وتناولت القصيدة «نهر آراس» الذي ينبع من تركيا ويمر عبر أرمينيا وأذربيجان وإيران، وتتحدث عن تقسيم أرض أذربيجان بين روسيا وإيران في القرن 19، بما جعل إيران تتخوف من تعزيز الميول الانفصالية بين أبناء الأقلية الأذرية في إيران.

أزمة قصيدة

وعلى الفور قررت طهران استدعاء السفير التركي لديها، بهدف الاستفسار حول تعليقات أردوغان التي وصفتها بـ«التدخلية وغير المقبولة، وتحتاج إلى تفسير فوري»، في وقت تعاني فيه إيران من الهشاشة السياسية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسببت فيها العقوبات الأمريكية والغربية.

وكعادة «أردوغان» يلجأ لاستخدام القومية والمذهبية من أجل توظيفها على حسب الحاجة، فإنه يحاول تقديم نفسه كممثل للسنة والراعي الأول للإسلام السياسي، في الوقت الذي يتحدث خلاله إلى شعوب مشتركة معه في المذهب السني.

أما عندما يتحدث إلى شعوب تشترك معه في الجانب القومي وتختلف في الجانب المذهبي، فيتحدث بلغة القومية، كما جرى بالنسبة لأذربيجان، ومن جهة أخرى يحاول إرضاء «الناتو»، ودول الاتحاد الأوروبي بعد فرض أمريكا والاتحاد الأوروبي عقوبات على بلاده، حتى يحاول تجنب التمادي في سلسال العقوبات الذي قد يغرق تركيا في المزيد من الأزمات والتردي الاقتصادي.

وفي تعليق من وزير الخارجية الإيراني على «قصيدة أردوغان»، محمد جواد ظريف، قال: «لم يخبر أحد الرئيس أردوغان أن ما تلاه بشكل خاطئ يشير إلى الفصل القسري لمناطق في شمال آراس عن الوطن الأم في إيران.. ألم يلاحظ أنه كان يقوض سيادة جمهورية أذربيجان.. لا يمكن لأحد التحدث عن أذربيجان العزيزة».

ومن جانبها استدعت الخارجية التركية سفير إيران في أنقرة، وأبلغته أن الادعاءات بحق أردوغان «لا أساس لها، ومن غير المقبول أن يغرد «ظريف» بدلًا من استخدام قنوات أخرى للتعبير عن انزعاجه»، لكن لم يمض طويلا حتى أعلنت السفارة الإيرانية في تركيا إن «سوء الفهم بين طهران وأنقرة انتهى عقب الاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية البلدين».

وتزامن ذلك مع إعلان تركيا، أنها اعتقلت 11 شخصًا بعد مشاركتهم في خطف وتهريب حبيب الكعبي، وهو معارض إيراني من طائفة الأحواز العربية مطلوب في طهران، بعدما اختطفته شبكة تعمل لصالح المخابرات الإيرانية، حيث تم استدراجه من السويد في عملية مخابراتية للسفر إلى تركيا، لمقابلة امرأة غير معروفة له، تعمل لدى المخابرات الإيرانية، وعندما وصل إلى إسطنبول توجه لمكان اللقاء ليجرى تخديره وتقييده، لتأتي الواقعة بعد عام من مقتل المعارض الإيراني مسعود مولوي وردنجاني، بالرصاص في أحد شوارع إسطنبول، بتحريض من القنصلية الإيرانية في تركيا.

مصالح مشتركة

وتعقيبًا على هذه التقلبات في العلاقات (الإيرانية - التركية) قال محمد ربيع الديهي، الباحث في الشأن التركي: ليس هناك شك في أن تركيا وإيران يتنافسان على بسط نفوذهما في الإقليم والسيطرة على الدول وتطبيق أجندتهما التخريبية؛ إلا أن الواقع يفيد بأنه برغم تنافسهما إلا أنهما يتعاونان في العديد من الملفات من أجل تفتيت الدول والتواجد، من خلال خلق الفوضى والصراعات الداخلية في الدول؛ فالعلاقات الاقتصادية بين البلدين ما زالت تتمتع بالقوة والمتانة.

كما يبدو أنها تمكنت من لعب دور مهم في الانضباط الجيوسياسي، بهدف حماية مصالحهما الاقتصادية المشتركة.

وأضاف أن «كل طرف يقدم للآخر جملة من المنافع الاقتصادية؛ فتركيا ترى في إيران مصدرًا مهمًا لإمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي، مما يعني أنه مصدر أمنها في مجال الطاقة، ناهيك عن كون إيران سوقًا للصادرات التركية غير النفطية.

وعلى الجانب الآخر تنظر إيران إلى تركيا على أنها المستورد الأكبر للغاز الطبيعي الإيراني ومستوردة أساسية للنفط الخام الإيراني في ظل العقوبات الأمريكية، وعلى أنها بوابة اقتصادية للوصول في المستقبل إلى أسواق الطاقة النفطية وغير النفطية في أوروبا».

وأوضح أنه «في حين يقدم التاريخ أدلة كثيرة عن التعاون الوثيق بين البلدين، فتركيا دائما ما قدمت الدعم الاقتصادي لإيران في أوقات الأزمات، حيث تقديم المساعدة إلى إيران لتأمين احتياجاتها الاقتصادية في أثناء الحرب التي استمرت ثمانية أعوام بينها وبين العراق، وكذلك عندما واجهت إيران صعوبات في الخليج الفارسي، بسبب الخلل في حركة الملاحة البحرية.

وكذلك الحال في عام 2012، أدّت تركيا دورًا حيويًا في مساعدة إيران على التهرب من العقوبات من خلال خطة كبرى اشتملت على تسديد ثمن النفط والغاز الطبيعي المستورَد من إيران بواسطة الذهب».

كلمة السر بايدن

«الديهي» أشار إلى أن كل هذه الأمور تؤكد أن الغضب الذي يروج له «أردوغان» ما هو إلا غضب مصطنع بين البلدين، يحاول من خلاله إرسال رسالة مفادها أن تركيا تسعى نحو تغيير سياستها الخارجية، وتسعى لتحسين سلوكها الخارجي.

وأنها سوف تسير في كنف السياسة الأمريكية، خاصة وأن التغيير الجديد في الإدارة الأمريكية يحمل في طياته عقوبات شديدة على تركيا بسبب سياستها العدوانية في الإقليم، وليس كما يعتقد البعض أن تركيا غاضبة من السياسات الإيرانية في تركيا، فهناك تنسيق قوي بين تركيا وإيران لتنفيذ أجندتهما.

وبرغم تنافسهما إلا أنهما يعتقدان أن الفوضى ودعم الصراعات هي الآلية الأفضل لتطبيق أجندتهما واستخدام أراضي أخرى بعيدة عن أراضيهما لتصفية الحسابات، مع الحفاظ على متانة العلاقات بين البلدين.

كما أكد أنه ربما تشهد الفترة المقبلة نوعا من التغيير في السياسة الخارجية التركية في العالم، لكن هذا التغيير لم يكن جذريا فـ«أردوغان» لديه عقيدة سياسية تقوم على دعم الفوضى والصراعات من خلال استخدام الإرهاب، وهي نفس العقيدة الإيرانية التي تستغل الدين كسلاح لتنفيذ هذه الأجندة في كلا البلدين، لذلك لن تواجه تركيا إيران أو تقطع علاقاتها معها حتى الحرس الثوري الإيراني لن تواجهه تركيا.

لكنها ربما تلجأ إلى الترويج بأنها غيرت سياستها وأنها تواجه الخطر الإيراني في المنطقة والإقليم بهدف التخفيف من حدة العقوبات الدولية المتوقعة على أنقرة، والتي قد تؤدي في النهاية إلى إفلاس تركيا، وزيادة معدلات البطالة وسوء الأوضاع المعيشية عما هي عليه الآن.

وأكمل «الديهي»: من المؤكد أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تكون مثل إدارة ترامب فربما تلجأ لتخفيف حدة الضغوط على طهران، لكنها سوف تستمر في العقوبات المفروضة على النظام الإيراني على الأقل لمدة العامين الأولين من ولاية «بايدن».

إرضاء أمريكا

وفي الوقت ذاته سوف يلتزم النظام التركي بهذه العقوبات، وإلا فإنه سوف يواجه عقوبات أكثر صلابة من قبل إدارة «بايدن»، لذلك سوف يعمل «أردوغان» على استرضاء الإدارة الأمريكية وسوف يعمل في الخفاء على استمرار علاقاته مع إيران.

فالنظام التركي يحاول خداع أمريكا والمجتمع الدولي من الآن بوجود خلافات بين إيران وتركيا، إلا أنه ما زال يتعاون مع إيران في العديد من الملفات، ولفت إلى أن «جوهر الخلاف بين تركيا وإيران يتمركز في النفوذ الإقليمي والسيطرة على الدول العربية فتركيا وإيران يتنافس كل منهم للسيطرة على سوريا والعراق.

وتركيا تخشى التواجد الإيراني في هذه الدول والذي يطوق بشدة وقد يضيق الخناق على أنقرة في فرض نفوذها والعكس كذلك.

أما على صعيد الأكراد، فإيران وتركيا لديهما نفس المخاوف من إقامة دولة كردية في الإقليم يؤدي إلى استقلال أجزاء كبيرة منهما خاصة وأن غالبية الأكراد يتواجدون في إيران وتركيا، في حين تكمن المعضلة الأخرى والأهم هنا في التخوف الإيراني من الدعم التركي لأذربيجان، رغم غلبة الشيعة في أذربيجان إلا أن طهران تخشى من مطلبات الأذريين والذين يمثلون نسبة لا يستهان بها في إيران بالاستقلال وتقسم الإقليم.

من جانبه، قال المحلل السياسي، الباحث في الشأن الإيراني: الأزمة الأخيرة بين كل من تركيا وإيران تكشف أن العلاقة بين البلدين ليس كما يحاول البعض من مسئولي البلدين أن يدعي ويروج، فهي علاقة قائمة على ضرورات الواقع، أكثر منها تعبيرا عن رغبة حقيقية لدى البلدين في توطيدها وتوثيقها يشهد على ذلك تاريخ طويل من تأزم هذه العلاقات.

ومن ذلك مثلا اندلاع عشرة حروب طاحنة فيما بينهما في القرنين السادس والسابع الميلاديين في إطار صراعهما على مد النفوذ والسيطرة زمن العثمانيين والصفويين.

ورغم أن حدة التوتر في العلاقات بين البلدين في العصر الحديث شهدت بعض الهدوء والتقارب وأحيانا الحوار المشترك، إلا أن ذلك كان يغطي تحته الكثير من الاحتقان، إذ يبقى أنه هناك حالة من تعارض المصالح والأطماع التوسعية لكل طرف فضلا عن الخلاف المذهبي الذي كان يتم استدعاؤه وقت الحاجة.

إرهاب عالمي

وأضاف: في هذا الإطار فإن حالة الغضب التي عبرت عنها تصريحات بعض المسئولين أو وسائل إعلام تركية عن نشاط عناصر الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري في الداخل التركي، مجرد رد فعل على التصعيد الإيراني تجاه أزمة المقطوعة الشعرية، وكأن تركيا أرادت أن تبعث برسالة إلى إيران أن لديها ما يمكن أن تعلن بها غضبها هي الآخرى.

ومن ثم فلا بد من الاستجابة لمساعي التهدئة التي لم تتردد تركيا في القيام بها فور إعلان الغضب الإيراني، إذ تواصل وزير الخارجية التركي مع نظيره الإيراني معتذرا عن سلوك أردوغان، ومؤكدا أنه لم يعلم مدى الحساسية إزاء قصيدة الشاعر الأذري الإيراني بختيار وهاب زادة، غير أنه لم يكن على الإطلاق اعتبار هذا الموقف التركي الأخير تحولا تركيا جذريا في التعاطي مع نشاط الحرس الثوري الإيراني على الأراضي التركية.

فحادث استدراج المعارض الأحوازي حبيبي أسيود من الأراضي التركية إلى إيران بواسطة امرأة وتهريبه عبر تاجر مخدرات تركي معروف ليست الحادثة الأولى التي يتعرض لها معارض إيراني بل شهدت تركيا في السنوات الأخيرة فقط اغتيال ثلاثة معارضين إيرانيين يبرز منهم مسعود مولوي فاردانجاني وسعيد كريميان فيما تم اختطاف آخرين ومع ذلك لم نشهد تحقيقا تركيا جادا حول هذه العمليات فضلا عن قضية الخلية الإيرانية التجسسية في تركيا والمعروفة بقضية منظمة التوحيد والسلام والقدس.

وأوضح أن «المحدد الرئيس الذي يحكم الموقف التركي في علاقته مع إيران والعكس بالعكس هو حاجة كل منهما للآخر في الوقت الحالي، خاصة وأن كليهما يتعرض لضغوط وعقوبات اقتصادية من قبل الغرب، ومن ثم فإنهما ليس على استعداد لتصعيد الصراع بينهما الأمر الذي يرجح أن تنحو كل منهما للتهدئة وتمرير الموقف.

وغاية ما يمكن أن نتوقعه أن يتم التضييق بعض الشئ على تحركات عناصر الحرس الثوري والعناصر الاستخباراتية الإيرانية وفك ارتباطه بالعديد من الشبكات الإجرامية التركية خاصة، وقد زكمت رائحة هذا النشاط أنوف الجميع الأمر الذي بات يحرج الجانب التركي في الوقت ذاته ستعمل إيران أيضا على التقليل من نشاط هذه العناصر حتى لا تستفز الجانب التركي أو تعرض عناصرها لمخاطر أمنية».

كما أكد أنه لا يمكن أن نتصور أن الخطوة التي قام بها «أردوغان» في باكو خطوة عفوية فقد أراد أن يضرب بها عدة عصافير منها ما هو شخصي ومنها ما هو سياسي، فقد حاول أن يبدو كزعيم قومي لكل العرق التركي في المنطقة، يدافع عن الأتراك ومصالحهم القومية، فيما حرص على أن يؤكد أن تركيا لن تتخلى عن أحلامهم وطموحها في إعادة مجد العثمانيين.

وأخيرا فإن تصعيد التوتر مع إيران ربما يكون محاولة لاسترضاء الطرف الأمريكي والأوروبي الذي زاد غضبه مؤخرا على تركيا وأردوغان نتيجة الكثير من القضايا فعمل أردوغان على أن يلفت نظر الغرب إلى أن لديه استعداد بأن لا يصطف مع إيران في مواجهة الغرب.

وأشار إلى أنه «هناك ملفات مشتركة بين البلدين تشهد توافقا وأخرى تشهد خلافا وتباينا لكنه تحت السيطرة لاعتبارات أهمها واقع علاقة البلدين بالمحيطين الإقليمي والدولي، ومن ثم فإنه من غير المرجح حتى اللحظة أن تنعكس الأزمة الأخيرة على طبيعة التعاون أن التنسيق بين البلدين بشأن هذه الملفات وأن أقصى ما يمكن أن يكون هو تحفظ وحذر كل طرف إزاء الطرف الآخر بعد أن تبينت بعض ملامح حقيقة ما يكنه كل منهما للآخر».

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية