رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الأنبا مكاري.. «كوكب برية سيناء» «بروفايل»

فيتو

 وسط أصوات الرصاص وأجواء تكسوها الغيام والضبابية، ومواجهات قاسية وحرب ضارية تخوضها القوات المسلحة لدحر الإرهاب الأسود وتبديد قواها في صحارى سيناء، ورغم الظروف الحالكة يحتفل الأقباط بسيناء اليوم بإحياء الذكرى السادسة عشرة على رحيل أول أسقف لها، والذين يلقبونه بـ«كوكب برية سيناء»، الأنبا مكاري.


 رغم مرور السنوات لم ينسه جميع محبيه، سواء بالعريش أو أماكن خدماته السابقة، توافد المئات من الأقباط إلى كنيسة العذراء بمطرانية العريش - شمال سيناء، للاحتفال بمرور 16 عامًا على رحيل أول الرعاة، الذي تسلم سيناء خاوية من الرعاية والكنائس ليبدأ مسيرة التعمير إلى يوم استشهاده في 25 يوليو 2000 م.

 يعود مولد الأسقف الراحل إلى شهر مايو 1940 بإحدى قرى محافظة سوهاج، وكان اسمه قبل الرهبنة نبيل رياض، عُرف عنه الاجتهاد والتفوق منذ مهده، فتدرج في المراتب التعليمية وحصل على بكالوريوس الهندسة مدني عام 1961م.

 عمل مهندسًا في مسقط رأسه بسوهاج، ثم انتقل للعمل بهندسة ري جرجا، ثم انتقل إلى طنطا وإدارة ري بسيون، وبعد ذلك رقي إلى وظيفة مدير الأعمال بمصلحة ري بلقاس بمحافظة كفر الشيخ.

 لم تشغله مهام الوظيفة عن ارتباطة بالكنيسة، فكان خادمًا أمينًا، منذ دراسته التي قضاها بجامعة عين شمس ما بين 1956 حتى 1961، فكان دائم الزيارة للأقباط بأطراف الجيزة للسؤال والافتقاد والصلاة.

 وحال عمله في محافظة سوهاج كان يخدم باجتماعات الشباب والافتقاد، وأيضًا كان أحد المسئولين عن إعداد الخدام في مركز جرجا، وخدم شباب ثانوي وشباب جامعة بكنيسة السيدة العذراء وكنيسة مارجرجس بطنطا، ولم يترك مكانًا إلا كان فاعلًا فيه.

 يبدو أن طريق الموت عن العالم دفعه إلى «الرهبنة»، فدخل دير أنبا مقار ببرية شهيت بوادي النطرون في أبريل 1973، ولم يمضِ طويلًا إلا ورسم راهبًا في أغسطس من ذات العام.

 ونال درجة «القسيسية» في أبريل 1977 بيد الأنبا أرسانيوس أسقف المنيا وأبي قرقاص، وبعدها أسندت إليه خدمات بالكنائس في يونيو 1977 لمدة سنة فخدم في اجتماعات الأسر الجامعية واجتماعات الشباب وقاد كثيرين للتوبة والاعتراف، وبعدها خدم في دير العذراء درنكة بأسيوط في أكتوبر 1979 لمدة سنة ونصف سنة.

 وبعد سنوات من الخدمة بالكنائس وهو راهب يحمل الدرجة القسيسية، التحق بدير الأنبا بيشوي في نوفمبر 1985، وظل سنوات يتعبد في قلايته ويتشارك مع الرهبان الخدمة والعمل.

 وفي نوفمبر عام 88 كلف بالخدمة في العريش، والتي كانت تعاني إهمالًا روحيًا جسيمًا نظرًا لقلة الكنائس، أسس وأنشأ بيوتًا للخلوات، وبعدها ترقى للقمصية في أكتوبر 1995 وظل يخدم أبناء سيناء جميعهم مسلمين وأقباطًا، وحرص على العمل الروحي والرعوي.

 ولذا دفع الأمر البابا الراحل شنودة لرسامته أول أسقف للخدمة بشبه جزيرة سيناء في 14 نوفمبر 1996، كان دينامو للخدمة ومولد للنور، فكان دائم الزيارات للأقباط راعيًا وللمسلمين محبًا، أسس عددًا من الكنائس وقام بتوزيع خدمات وصلوات.

  اصطدم مع القيادات المحلية بسيناء آنذاك نظرًا لسعيه الدءوب لبناء الكنائس وتأسيس خدمات، الأمر الذي جعله يرفع مذكرة للرئيس الأسبق حسني مبارك يعرض فيها العقبات والتضييق جاء بعنوان «تقرير بشأن كنائس الأقباط بالمدن الجديدة بمحافظتي شمال وجنوب سيناء»، وكانت في أبريل عام 1998، وتعرض للتضييق، ولا سيما تعطيل إعادة بناء كنيسة مارجرجس القديمة التي تهدمت منذ النكسة.

 وتجاهلت الرئاسة الرد، وحال زيارة مبارك للمستشفى العسكري بالعريش اغنتم الأسقف الفرصة وطالبه بالرد على الرسالة والتقرير الذي بعثه، وفي اليوم التالي اتصل محافظ سيناء بـ"الأنبا مكاري" وأبلغه رسالة شفهية من سيادة الرئيس طالبًا من الأسقف شراء قطعة أرض بمدينة العريش وسيقوم الرئيس بإصدار القرار الجمهوري اللازم لبناء الكنيسة الجديدة بدلًا من المتهدمة.

 وحسب الوعد تم شراء قطعة أرض وأرسل الرسومات إلى سكرتير المحافظة لإرسالها لرئاسة الجمهورية .. ولم يصدر التصريح كالعادة.

 بعد أن فاض به الكيل قام الأنبا مكاري بشراء مبنى من دورين بمدينة الطور مرخصًا ليكون كافيتريا بالدور الأرضي ومطعمًا بالدور العلوي بغرض تطويره، وحال استخراج تصريحات رسمية يستخدم كنيسة في المستقبل، وكانت سطور النهاية تقترب، صدر قرار من أحد قيادات جهاز أمن الدولة آنذاك بإغلاق المكان بزعم ممارسة النشاط الديني دون ترخيص.

 دفع إغلاق المكان بقوات من الأمن أول أسقف لسيناء باتخاذ حق الشكوى، وبعد التحقيقات بالقاهرة وفي طريق عودته للعريش يوم الثلاثاء 25 يوليو 2000 وجه سؤالًا للسائق الخاص هل أنت مستعد يا أخ أن تسافر معي للسماء (الموت)؟ فقال عندي أولاد أريد تربيتهم، وبعد لحظات ضيقت سيارة على الطريق عليهم، واعترضوهم، وقام عددا من الأفراد بالاعتداء بالشوم عليه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

 نقل الجثمان من القاهرة إلى العريش بطائرة خاصة، ورافقه وفد كنسي برئاسة البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث ومعه 24 من الأساقفة وسكرتارية البابا وعشرات الآباء الكهنة والرهبان وبعض أحباء الأنبا مكاري، لصلاة الجناز بمطرانية السيدة العذراء والملاك ميخائيل بضاحية السلام بالعريش وسط مشاعر فياضة من الحزن والدموع والألم لفراق سيدنا، وبعد ذلك تم وضع جثمانه بمزار خاص أسفل مطرانية العريش بضاحية السلام.
Advertisements
الجريدة الرسمية