رئيس التحرير
عصام كامل

الخليج ومصر «إيد واحدة».. «المعزول» تسبب في فتور العلاقة مع الأشقاء في الخليج.. و«30 يونيو» أحيتها من جديد.. قطر تعادي مصر لحساب الإخوان.. والسعودية والإمارات والكويت يؤك

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عقب وصول الرئيس المعزول محمد مرسي إلى الحكم شهدت العلاقات المصرية الخليجية حالة من الفتور، واختزلت العلاقات بين الطرفين المصري والخليجي في العلاقات بين القاهرة والدوحة فقط، غير أن المواقف الخليجية من الثورة المصرية في 30 يونيو اختلفت جذريًّا عن المواقف الخليجية السابقة باستثناء قطر.


وكانت دول الخليج، باستثناء الدوحة، أكثر ترحيبًا بإطاحة الإخوان، وأكثرها تأييدًا ودعمًا لخطوة الجيش المصري بعزل محمد مرسي وذلك لاعتبارات محددة، ووفقًا لمؤشرات معينة، وهو ما يشير إلى أن مسار العلاقات المصرية- الخليجية مرشح لأن يشهد تحولات بارزة، تتمثل في إمكانية عودة هذه العلاقات إلى مسارها الطبيعي على كافة الأصعدة، السياسية والأمنية والاقتصادية،والتي تراكمت على مدى عقود، إلى درجة أن مصر كانت مرشحة في إحدى الفترات لتكون عضوًا بمجلس التعاون الخليجي، واعتبرها البعض "دولة خليجية بالوكالة".

ووفقا لأحد الدراسات هناك عدة محددات جعلت الخليج يرحب بسقوط الإخوان ثنائية وإقليمية، دفعت الدول الخليجية للترحيب بإطاحة الجيش حيث تعد جماعة الإخوان المسلمين، بفروعها المختلفة، واحدة من أبرز مصادر التهديد لأمن دول مجلس التعاون الخليجي، وبصفة خاصة في مرحلة ما بعد الثورات العربية، وبشكل خاص في مصر باعتبارهم الفرع الرئيسي في دول الإقليم، مع الأخذ في الاعتبار تغير الوزن النسبي لهذا التهديد، وتعدد صيغ العلاقات بين الدول الخليجية وتلك الجماعات،في الإمارات تعد أكثر الدول الخليجية استباقية في مواجهة الإخوان، خاصة وأن جماعة الإصلاح "الإخوانية" هي أكثر القوى من الناحية التنظيمية التي حاولت استغلال رياح الثورات للمطالبة بإصلاح سياسي شامل، وتكوين خلايا نائمة ويقظة، للانقلاب على نظام الحكم، وفقًا لتصريحات الأجهزة الأمنية.

وفي الكويت صارت الحركة الدستورية الإسلامية الذراع الأساسية لجماعة الإخوان تمثل مصدر تهديد لاحتكار عائلة آل الصباح للسلطة في الكويت، لاسيما بعد انضمامها إلى بقية جماعات المعارضة في أواخر عام 2012، فضلا عن استفادتها من القوة المتزايدة للعناصر القبلية وفي القلب منها الحركات الشبابية.

في السعودية يعد التحول في موقف رموز جماعة الإخوان المسلمين في المملكة متغيرًا ملحوظًا، وخاصة في مطلع العام الحالي، حيث يدعمون، بشكل خافت، بقية السعوديين الذين يطالبون بإصلاحات سياسية واسعة النطاق، ومنها التحول إلى الملكية الدستورية، وتفكيك الجمع بين منصبي الملك ورئيس الوزراء، وإجراء الانتخابات البرلمانية والدورية، في البحرين الأسرة السنية الحاكمة في المملكة تدعم جمعية "المنبر الإسلامي"لتوازن بها الكفة مع الغالبية الشيعية.

وعلى الرغم من الدور التوازني لجمعية المنبر،فإنها قد تشكل مخاطر معينة، في ظل احتمال تأييدها لفصيل أو جناح ملكي دون غيره بشأن قضايا مثل الإصلاحات السياسية الجوهرية، والعلاقات السنية الشيعية، بما يحمل احتمالا وهو أن الإخوان في المنامة ربما يمثلون مصدر تهديد مؤجلا وفي قطر لا توجد أسباب لحدوث توتر مع جماعة الإخوان بعد حل فرع الجماعة منذ ما يزيد عن عشر سنوات، بل صارت الدوحة موطئ قدم لبعض رموز الإخوان في المنطقة، وتشير توجهات سياستها الخارجية، خلال المرحلة الماضية، إلى دعم الأنظمة السياسية الإسلامية الصاعدة إلى السلطة.

وفي عُمان لا يشكل الإخوان مصدرًا لتهديد أمن السلطنة، نظرًا للأصول السنية لهذه الجماعة، والذين يشكلون أقلية ما بين 15-20% وفقًا لأحد التقديرات،فضلا عن نجاح السلطان قابوس في احتواء بعضهم، واتخاذ إجراءات عقابية ضد بعضهم بعد اتهامهم بمحاولة الانقلاب على نظام الحكم في عقد التسعينيات الماضية غير أن هناك بعض التقديرات الغربية تشير إلى أن الإخوان ربما يُنظر إليهم كمصدر للتهديد في حال بروز تعاون لهم مع جماعات أخرى، لاسيما في مرحلة ما بعد السلطان قابوس بن سعيد ومن ثم، تمثل جماعة الإخوان إشكالية ما، مع الاختلاف الخاص بالطبيعة السياسية الداخلية لهذه الدول،والنهج المتبع في التعامل معها.

وربما يؤدي تفعيل العلاقة مع النظام الجديد في مصر إلى تجفيف منابع فروع التنظيم الدولي للإخوان في الدول الخليجية.

هناك الكثير من المؤشرات التي أكدت تحول المواقف الخليجية إزاء مصر فنجد أن إصدار قيادات خليجية،رؤساء وملوك وأمراء ورؤساء حكومات ووزراء، بيانات رسمية تعبر عن ارتياحهم للتحول السياسي السلمي، وإنهاء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي في مصر، وإرسال برقيات تهنئة للقوات المسلحة لدورها في حفظ الأمن والاستقرار، وكذلك إرسال برقيات تهنئة للرئيس المصري المؤقت المستشار عدلي منصور خلال المرحلة الانتقالية.

سارعت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت بتقديم حزمة مساعدات سخية لمصر، حيث قرر العاهل السعودي الملك عبد الله منح مصر مساعدات قدرها خمسة مليارات دولار في نفس اليوم الذي أعلنت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة عن مساعدات مماثلة قيمتها ثلاثة مليارات دولار.

في حين قررت الكويت منح مصر مساعدات بقيمة أربعة مليارات دولار. وإعلان دولة الإمارات عن إرسال أسطول محمل بالمنتجات البترولية بأنواعها (البوتاجاز والبنزين والسولار) للإسهام في حل هذه الأزمة التي تفاقمت خلال الأسابيع الماضية.

وسارع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى نشر تغريدة على حسابه مهنئًا المصريين، وفي تحرك لافت أعلن ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي، والذي لطالما تسببت تغريداته في إغضاب إخوان مصر، إلى الإعلان عن أنه سيتوقف عن استخدام تويتر، احتفالا بسقوط الإخوان. كما حرص كتاب الأعمدة في الصحف الخليجية على الحديث عن الأمل في مصر بعد تدخل الجيش، وتحدث بعضهم عن أنه "عز علينا في الخليج أن تسعى جماعة ما بأعوانها بيننا إلى صنع هوة واسعة بيننا وبين أهلنا الكرام في مصر"، وأن فترة حكم الإخوان لمصر هي "السبع العجاف".

وجاء في كلمة مشتركة للملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز بمناسبة حلول شهر رمضان في 8 يوليو، أن السعودية "لن تسمح بأن يخرج فيها من يمتطي أو ينتمي إلى أحزاب ما أنزل الله بها من سلطان ليستغل الدين لباسًا يتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة"، في إشارة غير مباشرة إلى جماعة الإخوان في مصر والعالم العربي، وكانت كل من السعودية والإمارات من أوائل الدول التي قدمت التهنئة للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور.

أما بعد بدء فض الاعتصامات في 14 أغسطس الماضي، والجنون الذي أصاب القوى الغربية، وفي ذروة الإحساس الشعبي بالمرارة من هذه المواقف التي لا يجد لها مبررًا، أدلى خادم الحرمين الشريفين في 16 أغسطس، ببيان في منتهى القوة ضرب فيه عرض الحائط بالموقف الأميركي والمواقف الأوربية.

في هذا البيان وصف ما يجري في مصر بأنه يسر كل عدو كاره لاستقرار مصر وأمنها، ويؤلم في الوقت ذاته كل محب حريص على ثبات ووحدة الموقف المصري الذي يتعرض اليوم لكيد الحاقدين في محاولة فاشلة لضرب وحدته واستقراره من قبل كل جاهل أو متعمد أو غافل عما يحيكه الأعداء.

ثم أهاب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية من العلماء وأهل الفكر والوعي والعقل والقلم أن يقفوا وقفة رجل واحد وقلب واحد في وجه كل من يحاول زعزعة دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء، وألا يقفوا صامتين تجاه ما يحدث.

وأضاف قائلًا: "ليعلم العالم أجمع بأن المملكة العربية السعودية شعبًا وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة وكل من يحاول المساس بشئون مصر الداخلية لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر، وليعلم كل من تدخل في شئونها الداخلية بأنهم يوقدون نار الفتنة ويؤيدون الإرهاب الذي يدعون محاربته آملًا أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان، ومصر الإسلام والعروبة والتاريخ المجيد لن يغيرها قول أو موقف من هذا أو ذاك، وأنها قادرة بحول الله وقوته على العبور إلى بر الأمان، يومها سيدرك هؤلاء أنهم أخطأوا يوم لا ينفع الندم".

جنبًا إلى جنب مع الموقف السعودي واصلت الإمارات موقفها الأصيل تجاه مصر وما يجري فيها، فأعربت عن تأييدها ودعمها الكاملين لتصريح عاهل السعودية حول مصر، وأكدت أن هذا التصريح ينم عن اهتمامه والمملكة العربية السعودية بأمن واستقرار مصر وشعبها كما يأتي في لحظة محورية مهمة تستهدف وحدة مصر واستقرارها، فأكدت الإمارات أنها تقف مع المملكة العربية السعودية في دعم مصر وسيادتها وتؤكد دعم دعوة العاهل السعودي لعدم التدخل في شئون مصر الداخلية وكذلك في موقفه الثابت والحازم ضد من يوقدون نار الفتنة ويثيرون الخراب في مصر، ويضاف إلى موقفي السعودية والإمارات مواقف البحرين والكويت.

أما عن مستقبل العلاقات فلقد تركت المواقف والتصريحات الخليجية تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو خاصة تصريح العاهل السعودي في 16 أغسطس الماضي أبلغ الأثر في نفس كل مصري سواء بالنسبة لتوقيته الذي تكالبت فيه القوى الكبرى على مصر، أو بالنسبة لمضمونه الذي لم يكتف بتأييد مصر وإنما بعث برسالة قوية واضحة لكل من يتدخل في شئون مصر وعلى رأسهم القوى الكبرى،واستعاد الكثيرون الموقف التاريخي للمملكة العربية السعودية إبان حرب 1973.




الجريدة الرسمية