رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أمين الخولى المجدد بما لا يخالف شرع الله


عند الحديث عن المجددين في الخطاب الدينى لا يمكن إغفال اسم بقيمة الشيخ أمين الخولي، والذي أراد تجديد الفكر الدينى وربط الإسلام بالعصر على حد علمه وبطريقته وفلسفته.

بطاقة الهوية العلمية للشيخ أمين الخولى الذي عمر في الحياة 71 عاما كانت نهايتها سنة 1966 تزخر بالعديد من الألقاب، فكان من الشيوخ الطليعيين التقدميين، وأستاذا للدراسات القرآنية والبلاغية والنقدية بجامعة القاهرة، ورئيسا لقسم اللغة العربية بكلية الآداب قبل تنصيبه عميدًا لها، كان مفكرًا وأديبًا له أثره الكبير في تجديد مناهج التدريس، ونقد المناهج العلمية، وتجديد الأساليب التفسيرية والبلاغية، وعمل في القضاء الشرعى، ومستشارا لدار الكتب 1953، ومديرا عاما للثقافة.

تأثر الخولى بأفكار الاتجاه العلمى العلمانى بصفة عامة كان واضحًا بقوة، لكن في الوقت الذي ركز فيه جل الاتجاه العلمى العلمانى على توظيف نظرية التطور في تأصيل نظرة علمية في المجتمع العربي، وفى بعض الأحيان توظيفها في رفض الدين، حمل أمين الخولى على عاتقه توظيف النظرية ذاتها في إعادة بث الحياة والروح في الفكر الديني، ولهذا كان تأثره بهذه النظرية عاملًا فعالًا في تجديده للخطاب الديني.
من كتاب المراغى الجرجاوى «بغية المقتدين ومنحة المجددين على تحفة المهتدين» استلهم الخولى دعوته إلى التجديد الديني، متخذًا من الإقناع طريقًا، ومستندًا إلى فهم أوائل المجددين للدين، مثلما فعل خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز حين أطعم الأفواه الجائعة بدلًا من أداء بعض الطقوس، وأيضًا الإمام الشافعى الذي أمضى ليله يفكر في حلول لمسائل فقهية، مؤثرًا ذلك في أداء بعض الطقوس الدينية.

باعتقاد الخولى أن الديمقراطية الإسلامية بالمفهوم الحديث ليست فصلا للدين عن الدولة في ظل الحكم الرشيد، الذي يقوم على العدل والإحسان، وإن معنى فصل الدين عن الدولة في العالم العربى هو عدم السماح لرجال الدين بممارسة السياسة، حيث يصعب على السلطة محاسبتهم ومعاقبتهم لأنهم يحتمون دائمًا بمظلة الدين، فإما أن يظلوا رجال دين فقط وإما أن يصبحوا ساسة فقط، وعندها لا مبرر إطلاقًا لرفع شعار «فصل الدين عن الدولة».
الخولى حاول جاهدا بيان أنه لا تعارض بين الإسلام والتطور، والقول إن سنن التطور هي سنن كونية عامة يسير عليها النظام الكونى في شتى المجالات بما فيها المجالات الدينية.
وبتأثره بنظرية التطور كان إدراكه لأهمية البعد الزمنى في إدراكنا للعالم ولكل ما حولنا، ومن خلالها ركز على أهمية البيئة والتكوين الاجتماعى في نشأة الأفكار وتطورها.
دعوات الإصلاح التي تختزل المشكلات الاجتماعية في المناداة بضرورة العودة إلى الدين دون تحديد الكيفية كانت محل انتقاد الخولي، قائلا» دعوات الإصلاح الدينى تبدو عندنا يسيرة الشأن، قريبة الغور، تعرض الأمور عرضًا بسيطًا سطحيًا، فجملتها أننا ما تأخرنا إلا لترك الدين، وأنه بالتمسك بالدين نتقدم ونسود كما ساد أسلافنا، إلى آخر ما تعرفون ممن يستطيع ترديده من يعرف ومن لا يعرف، ويسهل على العامة في الطرقات، فلا أهداف محددة، ولا خطط عملية، ولا دراسة صحيحة لشئون الاجتماع في الدين والحياة».

قال الخولى في دعوته التجديدية للدين: «ملك النفس شعور الحياة بالحاجة الماسة الملحة إلى تجديد تطورى يفهم به الإسلام، الذي يقرر لنفسه الخلود والبقاء فهمًا حيًا يتخلص من كل ما يعرض هذا البقاء للخطر ويعوق الخلود إذا ما صح العزم على هذا الفهم الجديد الذي مضت سنوات في تقرير أصوله وأسسه درسًا وتعليمًا وتدوينًا، ولابد أن نحرص على سلامة هذا الفهم وبقائه ونجاته كذلك من تلك المهاترات وما تحدثه من خسائر تكبدتها الحياة في كثير من خطوات سيرها، التي لا مفر لها منه ما دامت حياة».

وفى أحد كتبه، قال «أردت أن أدع أصحاب هذا التراث المؤمن بالتجديد يتحدثون هم أنفسهم عن التجديد الدينى، فإذا حدث أصحاب القديم عن التجديد حديثهم الذي ترى نصوصه وبدأ حديثهم عن التجديد هذا مبكرًا منذ نحو القرن الثالث الهجري، لم يبق بعد ذلك مقال لقائل ولا اعتراض لمعترض ولم تعد فكرة التجديد بدعًا من الأمر يختلف الناس حوله فتخسر الحياة ضحايا من الأشخاص والأعراض والأوقات مما ينبغى أن تدخره هذه الحياة لتفيد منه في ميادين نشاطها ولا تضيع الوقت والجهد في تلك المهاترات التي تكثر وتسخف حول كل محاولة جادة لدفع الحياة الدينية أو الحياة الاجتماعية إلى ما لابد لها منه من سير وتقدم وتطور ووفاء بما يجد دائمًا من حاجات الأفراد والجماعات».

واستند الخولى في كتابه «المجددون في الإسلام» إلى نماذج إسلامية قديمة قامت بالتجديد، منها الخليفة عمر بن عبد العزيز، والإمام الشافعي، وأبو الحسن الأشعري، وابن سريج، والباقلاني، وغيرهم من المجددين القدامى، الذين كانوا من منارات الإسلام التجديدي.
وكان أمين الخولى يجسد أزمة دعاة الإسلام السياسي الذين يرفعون شعار «الإسلام هو الحل» دون امتلاك برامج حقيقية تكشف كيف يكون الإسلام هو الحل، ولكنهم بهذا الشعار يستطيعون امتلاك قلوب العامة، والسيطرة على الرأى العام، مطالبًا بضرورة التعميق في النظر إلى الإسلام لأنه محاولة إصلاحية كبرى لتنظيم روابط الجماعة الإنسانية.

ويتضح الأثر العلمانى في فكر الخولى عندما يربط التجديد الدينى بحركة التطور في المجتمع، ذلك أن أي تجديد للفكر الإسلامى بنظره لابد أن يراعى أيضًا حركة الزمن والبيئة والمجتمع، وإن قدرة الإسلام على الاستمرار تنبع من قدرة الفكر الإسلامى على قراءة الإسلام قراءة متجددة تراعى الظروف، ولا ينبغى أن نقف عند حدود وتفسيرات السابقين للإسلام، لأن هذه التفسيرات قد خضعت لمؤثرات زمن وظروف السابقين ونحن بحاجة إلى التجديد نتيجة لتغير ظروف المجتمع.

وعلى غرار حركة الإصلاح، أعطى الخولى أهمية كبرى للعقل وأعلى من شأنه على النقل، بل إنه طالب بإخضاع النقل لعمل العقل، ولهذا نجده في موقفه التفسيرى ينتقد التفسير العلمى للقرآن لأن مثالبه كثيرة، كما أنه يقيد حركة العلم الدنيوية في حدود سلطة النصوص، وهذا يتعارض مع الرؤية الإسلامية لضرورة تحرير العقل الإنساني، كما أن القرآن نفسه ليس كتابًا في العلم بل كتاب هداية.

ولفت الخولى في دعوته إلى الإشارات التي تكشف عن طبيعة الهواجس التي كانت تتملكه تجاه الحالة الدينية في عصره ومستوى التراجع والمأزق الذي وصل إليه الفكر الدينى في مصر آنذاك، إلى درجة يرى فيها أن سلامة الفهم الجديد للدين ونجاته يستدعى -حسب قوله- تقديم قول القدماء أنفسهم وبعباراتهم في التجديد على محاولة الفهم الجديد.
من أكثر المفاهيم التي ركز عليها الخولى، مفهوم التطور، حيث اعتبره أساسيًا في بنية خطاب النظر والتحليل وارتقى به لأن يمثل مفهومًا تفسيريًا ومرجعيًا في بحثه عن التجديد الدينى يقيس عليه، ويرجع إليه دائمًا وينظر إلى القضايا من خلال نسبتها إليه.
وفى نهاية كل بحث أو دراسة كان يؤكد أن الدين في هذه الحياة لا مفر له من التفاعل والتبادل مع ما سواه من فهم وتنظيم لتلك الحياة، وأنه لن يكتب لهذا الدين البقاء إلا على قدر ما فيه من قدرة على هذه المسايرة والمفاعلة، والاستفادة والانتفاع بما سواه من التفسيرات والتدبيرات الأخرى.
Advertisements
الجريدة الرسمية