رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

.. و«إسرائيل صارت قُطر شقيق»

«يعنى إحنا كده هندرس إسرائيل في التاريخ إنها دولة عربية؟!».. بطفولة لم تخلُ من بعض التعجب والاستنكار قذفت ابنتى «هنا» السؤال السابق في وجهى بعد لحظات قليلة من شرحى المبسط لما كنا نشاهده سويًا في الأخبار، وتحديدًا لحظة إعلان الرئيس الأمريكي، من داخل مكتبه البيضاوي، في البيت الأبيض، عن الاتفاق التاريخي الذي أبرمته القيادة السياسية في دولة الإمارات العربية الشقيقة، والكيان الصهيوني المعروف إعلاميًا بـ«إسرائيل».


ماكرة «هنا» في اختيار التوقيت المناسب لأسئلتها، هكذا اعتدتها منذ سنوات طفولتها الأولى، غير أننى هذه المرة أمسكت جيدًا بـ«خيط الصبر»، لا سيما وأننى الأب الذي لطالما شدد عليها أنه لا وجود لـ«إسرائيل»، وأن الأخيرة لا يمكن القول عنها أكثر من أنها كيان محتل، ولأنها تدرك جيدًا أن «الإمارات» دولة عربية، فكيف تعترف بالكيان الذى دائما أؤكد لها أنه من أسوأ الأشياء التى حدثت في بلادنا، فاكتفيت مؤقتًا بأن ألقى على مسامعها الجملة الأشهر في المسرحية الشهيرة "كاسك يا وطن" لكاتبها الشاعر والأديب السوري الراحل محمد الماغوط، والتى جاءت على لسان بطلها، متعه الله بالصحة والعافية، الفنان السورى دريد لحام، والذى صرخ في وجه أبيه «إسرائيل صارت قُطر شقيق».

نحن «الثُلث».. ولنا الفقر كله!
لكي أتمكن من تمالك أعصابي، والحفاظ على الهدوء الذى لطالما فشلت في الحفاظ عليه، استمعنا سويًا للمقطع المسرحى، غير أن الماكرة لم تصمت، وأمطرتنى بسيل من الأسئلة تدور جميعها حول ما ستدرسه في التاريخ وكيف سيكون شكل خرائط الجغرافيا بعد هذا الاتفاق، فما كان مني إلا أن أنتحى بها ركنًا قصيًا لأخبرها القصة من أولها.. والله جل وعلا هو فقط من يعرف كيف ستكون نهايتها.


أما القصة.. أو تحديدًا لحظة البداية، فكانت بعد 45 يومًا من توقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات في 17 سبتمبر من العام 1978، ما يُعرف بـ«اتفاقية السلام» مع الكيان الصهيوني، الذي كان يمثله رئيس الوزراء – وقتها – مناحم بيجن، بحضور الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر.


«السادات» الذى كان معروفًا عنه أنه رجل «الصدمات الكهربائية»، لم تكن اتفاقية السلام خطوته الأولى في الطريق الذى اتخذه بعيدًا عن طريق الإجماع العربي، فقد سبق وأن ذهب إلى الكنيست الإسرائيلي، وأدلى بخطبته الشهيرة في 19 نوفمبر من العام 1977، والذى كان يعتبر تمهيدًا للخطوة الأكثر إثارة للجدل والتى تمثلت في اتفاقية السلام..

 

تلك الاتفاقية التي أشعلت غضب غالبية الدول العربية، إن لم يكن جميعها، وما كان من قادة هذه الدول، إلا فتح النار على القاهرة، ليس هذا فحسب، بل بدأت العواصم في إلقاء الاتهامات على «مصر السادات»، ليس هذا فحسب، حيث اجتمع هؤلاء القادة بين الثاني من نوفمبر والخامس منه في العام 1978 في العاصمة العراقية بغداد، وذلك تحت مظلة قمة عربية دعا إليها الرئيس العراقي –وقتها- أحمد حسن البكر، لمواجهة ما سمي في أدبيات مؤتمر القمة العربية «الأخطار والتحديات التي تهدد الأمة العربية وحمايتها من التمزق والتناحر»..

قرص فياجرا... دفاعا عن غزة 

واعتبرت هذه القمة أن اتفاقية السلام التى وقعها «السادات» تمس حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة، وأنها تمت خارج إطار المسؤولية العربية الجماعية، وتتعارض مع مقررات القمم العربية بكل من الجزائر والرباط.


ودعا ملوك ورؤساء وأمراء العرب في هذه القمة الحكومة المصرية إلى العودة نهائيا عن اتفاقية كامب ديفيد وعدم التوقيع على أي معاهدة للصلح مع العدو الصهيوني، وفي القرار رقم 108 لهذه القمة أجمع المشاركون - باستثناء الوفد اليمني- على تعليق عضوية مصر في الجامعة مؤقتا، كما تقرر مواصلة عقد اجتماعات العرب دوريا في الأقطار العربية الواحدة تلوى الأخرى، لتعذر اجتماعها في القاهرة، وتم توقيع القرار فى الخامس من نوفمبر 1978، وركزت الفقرة الثانية منه على أن هذه القرارات «يجب أن تأخذ بالاعتبار استمرار التعامل مع شعب مصر العربي الشقيق ومع أفراده»، وتم تشكيل ما عُرف وقتها بـ«جبهة الرفض» تحت قيادة العراق، وتم نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس.

 

وبعد أيام من بدء مقاطعة مصر، عُقدت قمة تونس، لتؤكد استمرار المقاطعة، وتعليق عضوية مصر بالجامعة العربية، وجرى تعيين الشاذلي القليبي، كأول أمين عام غير مصري للجامعة. وشملت المقاطعة المنتجات المصرية والشركات والأفراد المتعاملين مع إسرائيل، وتعليق الرحلات الجوية، ومنع المساعدات المالية المقررة لمصر بعد حرب 1973، ورفضت المملكة العربية السعودية تمويل صفقة طائرات أمريكية لمصر، وتوقفت شراكة كل من السعودية وقطر والإمارات بمشروع الهيئة العربية للتصنيع، الذي كان من المفترض أن يقام على أرض مصر.

حُط لي مصر في جملة مفيدة 

بعد هذه القرارات النارية، جرت مياه كثيرة في النهر العربي، غير أن المقاطعة استمرت لما يقرب من 12 عامًا، لم تفلح طوال أشهرها الضغوطات فى إثناء الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن قراره، حتى رحيله في السادس من أكتوبر 1981، وانتهت المقاطعة العربية لمصر رسميا بعد مؤتمر الدار البيضاء الطارئ في مارس عام 1990 المنعقد بالمغرب، ليعود مقر الجامعة العربية إلى القاهرة، ويجرى تعيين وزير الخارجية المصري وقتها، عصمت عبد المجيد، أمينا عاما للجامعة.


ما سبق لا يتعدى كونه السطر الأول في حكاية «العرب والكيان الصهيوني»، وإن كان سطرًا طويلًا بعض الشيء، وموجعًا في أماكن عدة، إلا أنه لا يزال سطر واحد في كتاب لا تزال غالبية صفحاته بيضاء، ولا يدرى أحد ما الكلمات التى ستمتلء بها هذه الأسطر والصفحات، لكن رغم هذا، من الواجب علينا أن نُعلم أطفالنا أن «العدو هو إسرائيل.. وأن الطاعون هو إسرائيل.. وأن الشر هو إسرائيل»، وإلا فإننا سنخرج أجيالًا لا تعرف أنه هناك «فلسطين» كانت يومًا على الخريطة العربية.. وهذا أمر لو تعلمون كم هو مهين.


Advertisements
الجريدة الرسمية