رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل أتاك حديث تلك المعلمة!

هل جربت كسرة النفس.. هل تمنيت يوما أنك لم تخلق فى هذه الدنيا.. هل شعرت بالجحود من قبل كل من هم حولك.. هل تحسرت على عمر ضاع سدى على من لا يستحقون!


أعتقد أن هذا هو حال كل معلم أفنى زهرة شبابه على تعليم أجيال كثيرة, ثم خرج فى النهاية ليجد نفسه متسولا, أو سائق توكتوك, أو عامل فى مقهى وهو فى سن الكمال والوهن والعجز ورد الجميل.. تنشر المواقع الصحفية كثيرا من الأخبار القاسية عن جرائم إنسانية وأخلاقية، لكن أقسى ما تم نشره مؤخرا كان عن معلمه فاضله, كانت مديرة لإحدى المدارس الحكومية بالطبع, ثم مع ضيق ذات اليد و الحصول على معاش لا يعادل جرامان من الذهب, اضطرت للتسول..

عكاز مبارك 

تخيل, معلمة فاضلة ربتنا جميعا و حملت همنا لما يقرب من نصف قرن, عاشت فى ضنك وفقر وتحملت, رغم أنها كانت تحمل مشاعل النور للجميع, تنير العقول وتشفى النفوس, تزيح سطوة الجهل بمعاول من صبر, تقسو أحيانا حتى تهذب, ثم تحنو كثيرا حتى تداوى الأنفس.. ثم يكون مصيرها التسول حتى تحصل على أقل القليل, على غذاء أو دواء و هى فوق الستين!


برقع الحياء وسط مجتمع لا يعرفه!
يقول الخبر المفجع, إن تلك المعلمة الفاضلة التى أساء لها الجميع رسميا وشعبيا, اضطرت لوضع غطاء على وجهها أثناء استجداء الآخرين.. غطاء ستر لماء الوجه, أو ما يعرف بالنقاب حاليا, أو ما كان يعرف ببرقع الحياء حتى ثورة 19, أى قبل الغزو الوهابى لمصر, كما يسميه بعض أدعياء التنوير كارهى كل ستر, ربما كان يعيقها عن التنفس بسهولة و هى فى سن متقدمة تحتاج لكثير من الراحة, لكن يبدو أن الاختناق بفعل الفقر والتمييز السلبى ونكران الجميل أشد وأطغى..

 

ربما كانت تحجب بكاءها وكسرة نفسها عن الجميع, ربما كانت تود ألا يحرج أحد أبناءها الذين كان جزاء أمهم التسول والجوع والامتهان بعدما جادت بنفسها من أجل مجتمع فقد حياؤه, لدرجة جعلته لا يطالب بحق من علموه يوما وأخرجوه من ظلمات الجهل لضياء المعرفة!


أحمد النبطشى بـ 40 معلما أو يزيد!
فى نفس الموقع الصحفى الذى نشر الخبر, كان هناك خبر يبدو متناقضا معه, وكان عن صبى مراهق, لم يكمل تعليمه بناء على وصية كل من حوله, وأسرته وأصدقائه وجيرانه, فماذا سيصنع التعليم للفنان أحمد النبطشى, أو ما يعرف بشاويش المسرح, أو قديما بالمشوبش, وهو الفتى المصاحب لفرق العوالم, والذى يضبط أداء الراقصة وفرقتها, يقدم السادة الحضور..

 الوطن صابر !

يروج لكل من سيدفع نقطة محترمة, ربما كانت قيمة نقطة واحدة لإحدى الراقصات العاريات الغانجات تعادل معاش تلك المعلمة الفاضلة التى قهرتها الظروف و القوانين و أشياء كثيرة دفعتها للتسول, ولكن دون غنج و دون رقص ودون ابتذال, وبالقطع دون تعرى.. فقط هى التى كشفت عرى هذا المجتمع بأسره وهى متدثرة بكل ملابسها, لا تكشف شيئا, حتى وجهها!


الأستاذ أحمد النبطشى يحصل, وفقا للتقرير الصحفى مع هذا النجم, على ألفي جنيه فى الليلة, ربما تزيد لتصل لأكثر من ثلاثة ألاف حسب قيمة أصحاب الفرح وسخائهم فى النقطة, أى أن أحمد يتحصل شهريا على حد أدنى يقدر بستين ألفا من الجنيهات أى ما يعادل أجر ستون معلما ممن خرجوا على المعاش فى حده الأدنى أو أربعون معلما فى حده الأقصى!


أحمد آخر!
السيد الإعلامى الشهير, و الذى تصادف أن يكون إسمه أحمد أيضا, كان فى جولة مصاحبة لكبار المسؤولين فى اليابان, ثم تحدث عن شىء أذهله هو شخصيا, وربما أثار حنقه وغضبه, وربما أثار أساه فى صحوة ضمير تعترى الكثير منا ولا يستطع كتمانها..

 

وجد الرجل أن أعلى راتب فى كوكب اليابان الشقيق الغريب المذهل هو راتب المعلم, و أن المعلم ذو قدسية واحترام, لا يتسول, ولا يضطر للمشى بجوار الحائط خوفا من وزارته المهيبة, كما فعل قديما الحاكم بأمر الله الشيعى فى عموم المصريين السنة, ولا يجد من يسخر منه أو يقال له تحمل يا رجل.. 

 

تحملى يا سيدتى, أنتم أصحاب رسالة سامية.. لا تطلبون المال فى شكل رواتب عاليه.. فقط تسولوا أو اعملوا صبيان فى مقهى أو اركبوا تكاتك.. الشغل ليس عيبا, لكن بالقطع التعليم عيب وعورة يجب أن تستر ويتخفى من يقوم بها!
fotuheng@gmail.com

Advertisements
الجريدة الرسمية