رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

من أول السطر!

أعلم أن العالم الآن أصبح مختلفًا في كل شيء، حيث اختفت الدوافع الصحيحة خلف ما نفعله في حياتنا، بدءا من الطعام والشراب والزواج والمسكن والملبس وأماكن الترفيه والسيارة وحتى التعليم افتقر إلى الدافع الصحيح خلفه!


فلم يصبح الدافع وراء الرغبة في الطعام سوي الشعور بالجوع، الأمر الذي ترتب عليه زيادة عدد مطاعم الوجبات السريعة، وما ترتب عليها من انتشار السمنة وأمراض القلب والضعف العام، والأمراض المزمنة، في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن يكون الدافع الصحيح هو إدراك أهمية نوع وجودة الغداء لكافة وظائف الجسم، والذي يترتب عليه ضرورة تناول غذاء صحي متكامل يحتوي علي المكونات الضرورية لوظائف وحيوية الجسم، وفي مواعيد محددة ونظام ثابت، حتي لا تتأثر المعدة، بيت الداء!

غياب الدافع 
حتي الزواج أصبح الدافع من خلفه بعيدا تماما عن الغرض الأساسي منه وهو تكوين أسرة من عمودين صالحين، يشكلان نواة الأسرة، حيث ينبغي للرجل أن يدقق في كل الأمور المتعلقة بالزوجة وما أحلاها أن يظفر بذات الدين، التي تحسن تربية أولاده وتحفظه في حضوره وغيابه، وكذلك المرأة، عليها أن تدقق في كل شيء وما أروع أن تكون تحت عباءة من يراعي الله فيها ويحسن إليها ويخشي الله، لكن الواقع أن الرجل يقرر الزواج عندما يجد المرأة الجميلة الفاتنة، فإن وجدها غض البصر عن أي شيء أخر، و كذلك المرأة أصبحت تدقق في مظهر الرجل وحالته المادية، فإن أعجبتها غضت البصر عن كل شيء أخر، و لعل غياب الدافع الصحيح للزواج، كان السبب في ارتفاع معدل الطلاق بشكل كبير، فلا مفاتن الزوجة كانت مانعًا، ولا وسامة الرجل وأمواله كانت شافعا، حتي أصبح الزواج أشبه بالنزوة!

والحقيقة الأخطر علي الإطلاق هي ظاهرة غياب الدافع الصحيح خلف التعليم، حيث أصبح الدافع من التعليم هو الحصول علي شهادة تعطي وجاهة اجتماعية، دون محتوي حقيقي، ومع هذه الشهادة يكتسب حاملها حق ممارسة المهن ذات العلاقة، وفي الطريق للحصول علي هذه الشهادة انتشرت الدروس الخصوصية في كل مراحل التعليم، حتي التعليم الجامعي، وذهبت هيبة أستاذ الجامعة و قيمة الجامعة، وإنقسم الطلاب إلي فئات أربعة أساسية، فئة قادرة تذهب إلي الدروس الخصوصية، حتي تنجح أو تحصل علي تقدير، و فئة ثانية تأخذ من الأولي أوراق الدرس وتذاكر منه أيضا حتي تنجح، وفئة ثالثة تحاول الغش في الإمتحان حتي تنجح، وفئة رابعة وأخيرة ومحدودة تلتزم بحضور كل المحاضرات وتذاكر بإجتهاد وتحاول أن تفهم العلم، والنتيجة مجتمع أغلبه من أنصاف المتعلمين، أصحاب الشهادات دون المحتوي!

غياب الفهم والتعلم
وخلال ٢٣ عاما من التدريس في الجامعة، انتبهت لهذه الظاهرة الخطيرة، وعندما كنت في جامعة القاهرة كنت أعطي الطلاب خمسة أسئلة وإجابتهم النموذجية في أول محاضرة، وأخبرهم بأن الامتحان ثلاثة أسئلة من الخمسة، وعليكم الأن التركيز في الفهم و التعليم وفقط، الإمتحان ليس الغرض من التعليم، وأكاد أجزم أن محاضراتي كانت دائما كاملة العدد، وأعتقد أن الكثير من الزملاء الذين تشرفت بالتدريس لهم قد يطالعون هذا المقال، وحتي عندما ذهبت إلي التدريس في أمريكا، كنت أعطي الطلاب ما يسمي بال review ولكنه قصير يحتوي علي أكثر من ٨٠٪؜ من أسئلة امتحانات الفصل الدراسي الدورية والنهائية، ثم أجعل الحضور غير إلزامي، وأطلب منهم التركيز في الفهم والتعليم وفقط في محاولة لتغيير الدافع!

من هنا نقول: نقطة ومن أول السطر.
غياب الدافع الصحيح كان السبب في ظهور أساتذة جامعة جهلاء وأطباء تتحدث عن علاج أخطر الفيروسات بالفول المصري والشلولو وصيادلة تريد تجربة أدوية مُعامل الأمان الخاص بها منخفض للغاية في العلاج، وإعلامي يتقاضي ملايين الجنيهات لا يعلم الفرق بين الفيتامينات والمعادن، وناشط مهني علي فيسبوك يطالعنا بانجازاته التي لاتنتهي!! ولم يكن يعلم الترمومتر الطبي مدرج من كم الي كم، وعلي الرغم من ذلك يحدثنا أنه نموذج للنجاح وخرج من تحت جعبة نجاحه الكثير والكثير، وناقص علم وأدب يطالعنا بصوره الشخصية مع ماركة سيارته، أو ماركة قميصه أو ساعته، وكأن هذه الأشياء سوف تعلي من شأنه، وأخر غير مستقر نفسيا يتفاخر بأنه يعمل و يعيش في أوروبا أو أمريكا أو كندا، والحقيقة كل هؤلاء مفضوحين ودائما أتذكر معهم المثل البلدي القائل "يا ابويا تعالي شرفني، يا ابني لما يموت اللي يعرفني! وللحديث بقية!
Advertisements
الجريدة الرسمية