رئيس التحرير
عصام كامل

مصر وحرب اليمن.. وأعداء ثورة يوليو!

لم يكن قرار مصر بتفجير ثورة اليمن ومساندتها ودعمها عسكريا من أجل أهداف وأطماع لمصر فى اليمن، بل إن قرار مصر كان نابعا من رؤية للامن القومى المصرى والعربى، كانت رؤية مصر عبد الناصر إن من يسيطر على فلسطين يهدد سيناء، وإن من يسيطر على سيناء يسيطر على قناة السويس، ومن يسيطر على قناة السويس سيطر على مصر والبحر الأحمر، ومن سيطر على مصر سيطر على الوطن العربى كله.


ربما لم تحظ قضية أو قرارا لثورة 23 يوليو باهتمام وإنتقاد شديد مثلما حدث مع قرار مصر بمساندة ثورة اليمن التى اندلعت فى 26 ستمبر 1962، فقد وجهت لمصر أو بالتحديد إلى الرئيس جمال عبدالناصر اتهامات عديدة منها تبديد احتياطى الذهب، وإنه ضحى بأرواح عشرات الآلاف من الشباب المصرى من أجل زعامة يحلم بها جمال عبد الناصر، كانت حرب اليمن وراء تدمير الاقتصاد المصرى..

هنا سنحاول تحليل ما حدث، هل فعلا تم تبديد احتياطى الذهب المصرى فى اليمن ؟ هل ضحت مصر بعشرات الالاف من شبابها على جبال اليمن  مما كان من أهم أسباب نكسة يونيه 1967؟ هل انهار الاقتصاد الوليد بعد ثورة 23 يوليو؟ ولهذا أصبحت مساندة مصر لثورة اليمن هى وراء كل النكبات والمصائب التى حلت على مصر ليس فقط فى الستينيات ولكن حتى الآن، وما جعل هذه الاتهامات تنتشر هو المناخ المعادى ليس لشخص جمال عبدالناصر فقط، بل المعادى لثورة يوليو، والمحاولة لتشويه القرار التاريخى لمصر بمساندة ثورة اليمن، والتى سنثبت ان كل هذا كان زيف وغير حقيقى، وأن الثورة لم تفرط فى مقدرات الشعب، ولا فى امنها القومى.

القرار الوطنى بين ناصر والملك فاروق الأول!

هل مصر بددت احتياطى الذهب فى اليمن؟ أشيع هذا عندما تم توزيع هدايا ذهبية على القبائل اليمنية، والحقيقة ان هذا الذهب كان ملك الملك  سعود بن عبدالعزيز، الذى تم خلعه على يد شقيقه الملك فيصل بن عبدالعزيز عن العرش فى 1964، وجاء لاجئا الى مصر، وكان يتمنى العودة إلى العرش مرة أخرى، وهو الذى قام بتحويل بعض من ثروته إلى ذهب، وإقترح على القيادة المصرية السفر بها إلى روؤساء القبائل اليمنية لكسب دعمهم ضد شقيقه الملك فيصل بن عبدالعزيز الذى كان يدعم بالمال والسلاح الحرب ضد الجيش المصرى واليمنى.

ويرد على هؤلاء الدكتور على نجم رئيس البنك المركزى الاسبق فى دراسة قيمة قال فيها :
لا أحد يجرؤ أن يشكك فى ذمم الحكومات المتعاقبة فى عهد الثورة أو الرئيس جمال عبدالناصر بخاصة، فى موضوع الاحتياطيات القومية للذهب، جاء عام 1964 ولم يكن بخزانة الدولة أى نقد أجنبى، وكانت البلاد تعتمد فى واردتها الخارجية من القمح والسلع الغذائية الضرورية الأخرى على الاتحاد السوفيتى الذى كان يوردها بالكامل مقابل صادرات مصرية من القطن والمواد الخام الاولية..

ولكن فى عام 1964 شهد محصول القمح الروسى اضطرابا شديدا نتيجة سوء الاحوال المناخية هناك، ومن ثم لم يستطع الاتحاد السوفيتى ان يورد الكميات المتفق عليها من القمح لمصر فى هذا العام، بل إن انتاجه كاد يكفيه، وقد إستغلت الولايات المتحدة الامريكية لتجويع الشعب المصرى من اجل اسقاط نظام جمال عبدالناصر عدوها اللدود فى منطقة الشرق الاوسط، وزعيم حركة التحرير من الاستعمار داخل دول العالم الثالث، فمنعت توريد القمح عبر المنح التى كانت تصرفها لمصر فى صورة هذا المحصول الاستراتيجى..

استقالة "ديوان المحاسبة" كشف فساد الملك فاروق

وكان مجلس الوزراء إجتمع  لمناقشة كيفية تدبير المبالغ اللازمة لشراء القمح قبل وقوع الكارثة، وفى سخونة المناقشات جاء اقتراح الدكتور عبدالمنعم القيسونى ببيع جزء من الذهب قيمته 10 ملايين دولار تدفع كعربون لشركات القمح العالمية لتحويل شحنات من القمح تحملها سفن كانت فى عرض البحر الى ميناء الاسكندرية واتخذ مجلس الوزراء برئاسة السيد على صبرى رئيس الوزراء القرار وصدق عليه الرئيس جمال عبدالناصر الذى قال: ان كنوز الدنيا لا تساوى أى شىء أمام تجويع مواطن واحد من هذا الشعب!


وفى خريف 1964 رافق الدكتورعلى نجم سبائك الذهب، وقد حملتها أربعة طائرات نقل خاصة إلى "بنك التسويات الدولية" فى بازل بسويسرا، وكانت هذه السبائك تزن خمسة عشر طنا، وهى تمثل اقل من 10 % من مخزون الذهب المصرى، الذى قدر وزنه بنحو 154  طنا، وهو أكبر كثيرا مما قدره وزراء المالية قبل ثورة 23 يوليو.

ويضيف الدكتورعلى نجم: ان العالم منذ اكثر من نصف قرن لم يعد يتعامل بقاعدة الذهب، وأصبحت قوة العملة فى أى دولة تقاس بقوة الإنتاج وأصول الدولة، وعلى التكنولوجيا التى تمتلكها، والاذون التى بحوزتها، والدائنة للدول الأخرى، وعل هذا بدأ صندوق النقد الدولى يجبر الدول النامية بربط عملاتها بعملات الدول الكبرى مثل الاسترلينى فى النصف الاول من القرن العشرين، وبالدولار بدء من النصف الثانى من القرن العشرين، حيث أجبرت مصر على التوقيع على اتفاقية صندوق النقد الدولى عام 1944 لربط عملتها بالدولار باعتباره عملة عالمية. وللحديث بقية .

الجريدة الرسمية