رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ماذا حدث للمصريين في نصف قرن؟!

أهوى جدا مشاهدة أفلام الستينيات.. حيث البساطة سائدة، والشوارع واسعة، والتصرفات جميلة، والمصطلحات حلوة، والمعاملات بريئة.. رغم أن الفتيات والنساء لم تكن محتجبات، ولم تكن مصر قد عرفت النقاب بعد.


الحجاب، بشكله الحالي، والنقاب أيضا، ورد إلينا في أعقاب الانفتاح والهجمة الخليجية الواسعة على الثقافة والمجتمع المصري، حتى المصحف الذي كنا نتلوا آيات الذكر الحكيم منه، كان بالرسم العثماني، مطبوعا في المطابع المصرية، إلى أن غمر المساجد والمكتبات طوفان مصاحف أخرى، دون أن يمر على الأزهر الشريف، ومشايخ المقارئ المصرية ليراجعوه!

البيئة كانت صالحة
صار الحجاب فضيلة، بل وعبادة مفروضة.. وأنا هنا لا أتكلم عن الفقه، ومشروعية الحجاب والنقاب، ولكني أريد أن أقول: إن الفتيات والنساء كن سافرات، بل ومتبرجات، ويرتدين فساتين فوق الركبة، و"بلوزات" لا تغطي الرقبة، وأحيانا تنحسر إلى ما بعد ذلك، وعموما كانت الأزياء تبرز مفاتن البنات.. وبعض الإناث كن يرتدين ملابس محتشمة.
أصل إلى هدفي، فأتساءل: هل كان المجتمع يعرف جرائم التحرش والاغتصاب، وزنا المحارم، والشذوذ قبل أقل من نصف قرن؟!

بالطبع كل ذلك كان موجودا، ولكنه بنسبة شديدة الضآلة، لا تكاد ترى من فرط ندرتها.. كانت الفطرة المصرية سليمة.. والبيئة صالحة، والمناخ مواتيا.. لم تكن نبرة التكفير، وأفكار التطرف والتشدد قد غزتنا، لم تكن الجماعات الإرهابية، ومبادئها التي تركز على تقديم المظهر قبل الجوهر قد استولت على العقول.

لم يكن الفتية أصحاب الجلابيب البيضاء، التي تكشف عن بعض الساق، وكل القدم، واللحى الكثة، والعقول الصغيرة، قد احتلوا المساجد والزوايا.
زمان، كانت الأخلاق راسخة، والاحترام والمودة والتسامح واضحة.. بين الصغير والكبير.. المعلم والتلميذ.. الجار والجارة.. الابن والأب.. البنت والأم.

كيف ومتى ولماذا انهارت الأخلاق لدينا إلى هذا الحد المرعب؟! كيف ومتى ولماذا انتشرت في مصر جرائم حقيرة، كالتحرش، والاغتصاب، والشذوذ، وغيرها؟!

انهيار أخلاقي
كما أسلفنا، فإن ملابس الأنثى ليست السبب في التحرش والاغتصاب.. ومن لم يصدق فليشاهد أفلام "الأبيض والأسود".. وليس السبب أننا افتقدنا التدين، وابتعدنا عن المساجد.. فالمساجد موجودة في كل مكان، والزوايا في كل حارة وكل زقاق.. بل والكنائس أيضا.

اركب المترو، وستجد العديد من الناس يقرأون في المصحف، لكن الآيات الحكيمات لا تجاوز الحناجر.. الملتحون كثيرون.. المحجبات غالبية عظمى.. المنقبات كثيرات.. معدلات رواد المساجد كما هي.. ولكن..!
رنات المحمول صارت قرآنا وأدعية وأغنيات دينية، وحتى المصاعد "الأسانسيرات" تستمع فيها لابتهالات دينية، أو القرآن الكريم، فور تحركها!

علت الصرخات والبكائيات بعد إغلاق المساجد العام الماضي خوفا من انتشار العدوى بفيروس كورونا.. وأخذ الناس يرددون الأدعية، ويتبتلون إلى الله أن يرفع عنا غضبه، وأن يمن علينا بفتح المساجد.. وتصورنا أنه ما أن تنفرج الغمة، وتفتح المساجد أبوابها حتى تكتظ بروادها، وتمتلئ عن آخرها.. ويا للأسف، صلاة الفجر تكاد تفتقد إلى المصلين.. وباقي الصلوات لا يكمل الركع السجود صفين !!

الأسباب الحقيقية في الانهيار الأخلاقي الرهيب، وطفو تلك الظواهر الكريهة على سطح حياتنا، خلال النصف قرن الأخيرة؛ أن التركيز صار على شكل العبادات، وعلى المظاهر، وعلى صورنا وشكلنا أمام الآخرين.. صار الرياء هو الأساس، وما نبه إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "التقوى ها هنا.."، هو الثانوي !!

تدين ظاهري
الدين تحول إلى عادات وشكليات وحركات.. صار جمع المال بأي شكل، ومن أي طريق، هو الشغل الشاغل لأرباب الأسر، بل للناس جميعا.. وأهمل الآباء أبناءهم، وتجاهلت الأمهات أدوارهن الأساسية، وبات التليفزيون، ثم الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، سيما "فيسبوك" هي المعلم والمربي للأطفال.

لم تعد الأم "مدرسة"، ولا الشعب بات "طيب الأعراق".. وتخلى الأب عن دوره ك"راع، ومسئول عن رعيته"! تلاشى دور الأسرة تماما. كثيرون الآباء والأمهات تغافلوا عن أبنائهم حتى راحوا ضحايا لمسلسلات التليفزيون، وألعاب الإنترنت، مثل "الحوت الأزرق"!

في أواخر الثمانينيات خرج علينا الإخوان الإرهابيون بشعارهم البراق "الإسلام هو الحل".. ولكن الإسلام على طريقتهم هو الذي خرب مصر، ودمر المجتمع، ونسف الأخلاق، وأدى إلى الطفح الغريب للجرائم المنكرة، والظواهر المستوردة.
Advertisements
الجريدة الرسمية