رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

لصوص الوطنية

يحكى أنه قبل تطبيق الوحدة الأوربية بسنوات، استقلت سيدة فرنسية قطارا متجه من لندن إلى باريس، وهي تحمل في حقيبتها 20 ألف دولار فوق حد الأموال المسموح بخروجها من الأراضي الإنجليزية، مما جعلها مضطربة للغاية منذ اللحظات الأولى للرحلة لاحظ رجل إنجليزي أنيق، تبدو عليه علامات الغنى والوقار، كان يجلس بجوارها، مدى ما تعانيه السيدة من توتر، فسألها بلطف: ماذا بكي سيدتي، هل بإمكاني مساعدتك؟.


ردت عليه السيدة بصوت منخفض ومرتعش: نعم سيدي، أنني خائفة للغاية، فبحوزتي أموالا تزيد عن الحد المسموح بخروجه من البلاد بـ 20 ألف دولار، وقد حصلت عليها من عمل شرعي وفي حاجة شديدة إليها، وأخشى مصادرتها من قبل السلطات لو انكشف أمري.

فقال لها الرجل: إهدئي سيدتي فالأمر لا يستدع كل هذا التوتر والهلع، وسوف أساعدك على الخروج بالمبلغ، فقط ثقي بي وأعطني عنوان منزلك في باريس، ودعينا نقتسم الـ 20 ألف دولارا بيني وبينك، فإذا تم اكتشاف أمر أي منا عند الحدود، نكون قد نجونا بنصف المبلغ، وإذا مررنا بسلام فقد فزنا بالمبلغ كاملا، وأعدك أن أحضر إلى منزلك غدا وأعيد إليك أموالك.

خدعة الرجل الإنجليزى 
فردت السيدة: بالتأكيد أثق بك، فمظهرك وحديثك يؤكدان أنك رجل ثري ونبيل.. وأخرجت من حقيبتها 10 آلاف دولار وأعطتها للرجل، وشكرته على تحمله عناء المخاطرة، وظلا يتبادلان الحديث بود شديد.

وعند نقطة التفتيش على الحدود الإنجليزية نزلا سويا، ووقفت السيدة أمام الرجل في طابور طويل، إلى أن مرت من التفتيش بسلام، إلا أن الرجل صرخ في تلك اللحظات بأعلى صوته موجها حديثه لضباط الأمن الإنجليزي قائلا: اقبضوا على هذه السيدة الفرنسية، إنها تريد تهريب أمولا والإضرار بالاقتصاد البريطاني، وتحمل 20 ألف دولار فوق حد الأموال المسموح بخروجها، نصفها فى حقيبتها وهذا هو النصف الآخر، وقد اضطررت لمجاراتها لأسلمها إليكم وأحمي اقتصاد بريطانيا العظمى.

فما كان من السلطات إلا أن ألقت القبض على السيدة، وظلت رهينة الحبس حتى اليوم التالي، إلى أن اضطرت أمام الموقف العصيب إلى التنازل عن المبلغ، والانصراف واللحاق بقطار آخر، في حين كان الرجل الإنجليزي قد استقل قطاره العادي وسط حفاوة من السلطات والركاب الذين ووجهوا له جميعا الشكر على وطنيته، وتعاملوا معه كـ "بطل قومي".

وبعد عدة أيام فوجئت السيدة الفرنسية بطرق على باب منزلها، ففتحت، فإذا بالرجل الإنجليزي الذي سلمها لسلطات بلاده يقف أمامها مبتسما، فصرخت فيه: يالك من إنجليزي وقح، كيف تجرأت وحضرت إلى هنا بعد ما فعلت بي فأجابها بهدوء شديد: لا تتعجلي، فقد جئت لأرد لك أموالك، تفضلي، هذا الظرف به 40 ألف دولار، نصفها أموالك، والنصف الآخر مكافأة لك.

غسيل أموال
فنظرت إليه السيدة بدهشة شديدة، وقبل أن تنطق بكلمة قال لهما: لا تتعجبي، فقد كنت أحمل في حقيبتي 10 ملايين دولار، وأردت أن أصرف أنظار السلطات عني، ففعلت ما فعلت.

للأسف، هكذا يبدو ظاهر كثيرا ممن يدعون الوطنية في بلادنا، وهم في باطنهم لصوص، وحرامية، وتجار آثار، ومخدرات، وسلاح، وكل ممتلاكاتهم ومشروعاتهم مجرد غسيل أموال ويلحقون بالفقراء والاقتصاد الوطني أبشع الضرر.

ولانني هنا لست بصدد التعرض لأسماء بعينها، إلا أن الواقع على الأرض يؤكد أن كم الأموال غير المشروعة الموجودة في الشارع المصري بحوزة فئة كانت حتى وقت قليل من الكادحين، أصبحت بالفعل تثير غضب الأغلبية، وهو ما أكدته عشرات القضايا التي اتهم فيها شخصيات طفت على سطح الأحداث وتصدرت المشهد خلال السنوات الأخيرة.

كما أن واقع ما يدور في الشارع المصري منذ سنوات يؤكد أيضا أنه مازال هناك المئات من أصحاب المال الحرام يتصدرون المشهد في كثيرا من المناسبات والمواقع، ويتخفون في لباس الوطنية على الرغم من وجود كثير من علامات الاستفهام حول ثرواتهم المشبوهة، التي لا يعرف سوى القليل منها طريق البنوك خوفا من المسائلة.

إلا أن الثابت، انهم لجئوا جميعا خلال السنوات القليلة الماضية إلى غسل تلك الأموال الحرام بالدخول فى مضاربات مجنونة على أراضي والعقارات، قفزت بأسعارها في كل أنحاء مصر إلى أرقام لا تتناسب على الإطلاق وقيمتها الحقيقية، لدرجة وصلت إلى الارتفاع بسعر المتر الواحد إلى ما يزيد عن الـ 200 ألف جنيها، خلال المضاربة على قطعة أرض بمزاد علني بإحدى محافظات الوجه البحري، بل ووصول سعر قيراط الأرض في القرى النائية التي لا وجود لها على الخريطة إلى ما يزيد عن المليون جنيه، وهو ما أثر بشكل مباشر على الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل.

أجزم أن لصوص الوطنية في مصر كثيرون، إلا انه ولو طال بهم الزمن سيتساقطون، حتى وإن نجحوا في خداع الجميع بلباس الوطنية، أو التستر وراء حصانة أو منصب، ولنا في من سقطوا خلال السنوات الماضية لعبره.. وكفى.
Advertisements
الجريدة الرسمية