رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

قصة الصاروخ الصيني التائه وإبداع الفراعنة

فجأة استيقظ العالم على «الخبر الصاعقة»، وفجأة بدأت بوصلة الرأي العام الدولي تتحول قليلا عن شبح «فيروس كورونا» الموصوف علميا بأنه «المستجد»، بينما أصبح الفيروس «مننا وعلينا»، طالعتنا النشرات بقصة اسمها «الصاروخ التائه»، وذلك من دون أدنى إشارة إلى قضية «التيه» في الأدب الإنساني؛ فالمسمى قريب إلى أدبنا المصري القديم حيث قصة «الملاح التائه»، والتي تعود إلى عصر الدولة الوسطى.


الملاح التائه
تقول القصة المصرية، إن «الملاح التائهة» قد عاد من رحلة استكشافية كان نصيبها الفشل، لكنه روى تفاصيلها على الوزير، وروى كيف اصطدمت سفينته بجزيرة كان قد أبحر إليها مع مجموعة بحارة أغرقت سفينتهم عاصفة كبيرة، كان ذاك الملاح هو الناجي الوحيد منها، وارتبطت حياته بلوح خشبي تمسك به إلى أن حملته الأمواج إلى جزيرة غريبة وجد فيها راحته حيث المأوى والمأكل إلى أن دار حوار بينه وبين ثعبان ضخم غريب – في تلك الجزيرة - حكى له الثعبان قصة الجزيرة فاعترف له بأنه ملاح كان بقوم بمهمة ملكية، فطمأنه الثعبان وهدأ من روعه وأعلمه بأن الله قد نجاه وأنه بصدد العودة إلى بلاده بعد 120 يوما.

عاد الملاح إلى وطنه مصر محملاً بهدايا أعطاها «الثعبان» إياه، وقد حمل تلك الهدايا إلى الملك.. وهكذا صارت أحداث تلك القصة المتفردة بين روائع الأدب المصري القديم؛ لكن يظل الرابط الوحيد بمعيار «التيه والخلاص» بين النص الأدبي والواقع العلمي الحالي المؤلم في قصة الصاروخ الصيني هو مفهوم «التيه المطلق»؛ وأعني بمفهوم «التيه» هنا هي ذلك المستوى الذي وصلنا إليه في شأن البحث العلمي والإنفاق عليه، فبعد الأنباء المرعبة عن «الصاروخ الصيني التائه» كان موقفنا في الدول العربية هو الاكتفاء بالتحليل أو بتناول مداخلة لفضائية لخبير في شؤون الفضاء، أو قدرة «المتحزلقين» منا على تصنيف الصواريخ بين : «صواريخ فضاء وأخرى هجومية، وثالثة هي صواريخ الألعاب النارية».

الصاروخ الصيني
مرَّة أخرى أصبحنا بردود أفعالنا المتواضعة أحيانا والغائبة أخرى في موقف «المتفرج»، أو «المُتوَقِّع» بمشهد عبثي أقصى قدراتنا فيه هي «القدرة على التحليل».

لست معنيا بمعدل دوران «الصاروخ الصيني التائه» حول الأرض الذي قيل لدينا بأنه يصل إلى 15 مرة وآخرون قالوا بأنه 16 مرة، ولست معنيا بالتوقعات الأمريكية بأن الصاروخ من المحتمل – مجرد احتمال– أن يصيب حطامه المحيط الهادئ، تلك الرواية الأمريكية المطعون في قدرتها على الحسم، ولست معنيا بالتصريحات الأمريكية بشأن قدرة واشنطن على «تحييد» الصاروخ لأنها قالت أيضا أنها «قادرة ولكن ليس لديها خطة لذلك»، لكن الذي يعنيني في قصة «الصاروخ التائه»، هو موقع إعرابنا في معادلة العلم وتطوراته دوليا، واستمرار القدرات العلمية محتكرة لدى اللاعبين الكبار..

بينما معدل الإنفاق المحلي على العلم لدينا، لا مكان له بالمقارنة بمعدل الإنفاق على «دراما رمضان» وبرامج التفاهة والمقالب «مدفوعة الأجر» التي تصطاد فنانين يجيدون تمثيل مشاهد الموت وخروج الروح والغرغرة بينما هم يخدعون المشاهد، بينما نحتاج إلى توبة نصوح في تعاملنا مع العلم حتى يكون لنا موضع قدم في مشهد التفوق الحضاري بين الكبار.. خصوصا وأننا استبقا العالم بحضارة انحنى لها احتراما فتوقع نتاجها الأدبي والمادي مفهوم «التيه والخلاص» للإنسانية بينما كان ذلك الإنتاج الحضاري بحاجة إلى إنماء ورعاية.. والله من وراء القصد.
Advertisements
الجريدة الرسمية