رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عفريت الحب!

شهور قليلة.. تفصل عمرو دياب عن عامه الستين، غير أنه لا يزال قادرًا على الغناء للحب والغرام والهوى، ولا يزال مُقنعًا بذلك فى أغانيه وألبوماته الأخيرة. العام الستون عند المطربين والفنانين ليس كمثله عند عموم المصريين الذين يعتبرونه عامًا للتقاعد واعتزال الحياة برمتها، وليس الغرام فقط، كما غنَّتْ ماجدة الرومى من قبل. محمد منير وعلى الحجار وهانى شاكر كسروا حاجز الستين منذ سنوات، ولا يزالون فى  قمة توهجهم الفنى وذروة عطائهم الإبداعى.


فى ألبومه الجديد: "يا أنا يا لأ"، وتحديدًا فى أغنية: "فاكرنى يا حب؟".. لا يداعب الهضبة الحب ولا يغازله فقط، كما اعتاد فى أغانيه القديمة، ولكنه يصنع هذه المرة حالة جديدة ومختلفة وطريفة، حيث يدخل فى "ديالوج" هادئ فى بدايته مع الحب، يذكره خلالها بما كان بينهما فى سالف السنين، وكيف أنه كان عميلاً مخلصًا له، و"زبونًا" دائمًا عنده، فى الوقت الذى لم يكن الحب فيه يبادله نفس الإخلاص والأمانة، بل كان يورطه فى تجارب شائكة ومرتبكة وسيئة، ورغم ذلك..

بناء الإنسان.. غاية محمد والمسيح

فإن الهضبة لا يزال مُصرًا على الحب والتعامل معه؛ لعل وعسى أن يفوز هذه المرة بعلاقة  طيبة ودودة يُرمم بها آلام  وأوجاع الماضى الذى لم يكن على ما يُرام، بحسب مضمون الأغنية التى كتبها صابر كمال فى باكورة تعامله مع المطرب الأشهر محليًا وعربيًا..

فى مطلع الأغنية.. يجتر الهضبة بقايا تجربة لم تكتمل بقوله:
أهو ده اللي كنت خايف منه/ وعُمر الخوف ما يرد قدر، قبل أن يُقر ويعترف بأنه يتطلع إلى تجربة أكثر نضجًا وهدوءًا، فيتحدث بنبرة لا تخلو من عتاب وتأنيب: عفريت الحب عليَّا حضر/ وده قلبته سمّ وياما غدر/ تاجر غشيم وتجارته قمار/ يا بتكسب دوبل يا تروح هدر!!

وتلك حقيقة لا تقبل جدلاً؛ فعندما تكون علاقة الحب ناضجة ومتكافئة وصادقة وتخلو من الندية والعناد والأنانية وافتعال الأزمات، فإنَّ حصادها يكون مثمرًا يانعًا وافرًا، وعندما تكون العلاقة صحراوية يسكنها النكد بمستوياته المتعددة، فإنَّ النتيجة تكون أشبه بتاجر خسر كل أمواله، أو مقامر غامر بكل ثروته فى عملية واحدة.

والنوع الأخير هو الأكثر شيوعًا فى السنوات الأخيرة، بدليل ما تعجُّ به محاكم الأسرة من قضايا لا حصر عليها، فضلاً عما تسجله الأرقام الرسمية من ربع مليون حالة طلاق سنويًا، وما خفى كان أعظم!

يواصل الهضبة عتابه للحب، حيث يُذكره بما كان بينهما فى الماضى من علاقة طيبة: فاكرني يا حب/ أنا زبونك السُقع المضمون/ كان قلبي هنا عندك مرهون/ ادتني م الصنف المجنون، أبو العُقد والذي منه/ فاكرني يا حب/ أيوه اللي غفلته عليك نور/ ورجعتلك بعدها مقهور/ وخدت غيره وبعد شهور/ طِلع اللي بعده أسخم منه!

شيزوفرينيا فنية

وهذه الحالة التى يتحدث عنها المطرب، تتقاطع مع كثير جدًا من حالات الحب والتى يكون السبب فى فشلها سريعًا، الاختيارات المرتبكة والعشوائية التى تعتمد على المظهر وتبعد عن الجوهر؛ فالمقدمات السيئة تقود دائمًا وأبدًا إلى نتائج سيئة وعواقب وخيمة، ولكن لا أحد يتعلم الدرس!

ورغم صدمات الماضى،لا يزال المطرب يبحث عن ضالته، ويتطلع إلى تجربة جديدة أكثر نُضجًا، فيناشد الحب مُناشدة لا تخلو من عتاب، ويعاتبه عتابًا لا يخلو من مناشدة، متمنيًا ألا يمنحه من ذات البضاعة الرديئة هذه المرة بقوله: اكرمني يا حب المرادي / متشدش من رفّ الماضي/ متحطليش فوق جرحي حجر/ بتخمّ يا حب/ أولها كله بيبقى تمام/ بس العيوب بتبان قدام/ فجأة كده بتحصل قفلة/ دي عيوب صناعة مش استخدام!

وهذه الكلمات- على بساطتها- تحكى كثيرًا من التجارب الفاشلة المأساوية، التى يبدؤها أطرافها بوجوه ضاحكة مستبشرة، وينهونها بوجوه عليها غبرة، ترهقها قترة، ربما لأنها بنت على الخداع والمكر والكذب، ويكون الضحية الأول فيها ليس طرفى التجربة، ولكن الأطفال، ويكفى أن تعلم أن فى مصر نحو 10 ملايين طفل يعانون مرارة انفصال الأبوين، وهذه حصيلة مرشحة لحظيًا للزيادة!

وفى ختام الأغنية.. تتراجع نبرة العتاب التى تصل إلى حد الاشتباك، ويبدأ الهضبة فى مغازلة الحب، حتى يصل إلى درجة إغرائه بجلب عملاء وزبائن جدد بقوله: أنا عايز أحب/ اغطس وأقب/ واطلع بقى بحاجة نقاوة/ اكرمني يا حب وحياة أبوك/ وهجيب صحابي ينفّعوك/ وفوق وخلي عندك نظر.

ورغم بساطة كلمات الأغنية إلا إنها تشبه حال كثير من الناس الذين ترتبك حياتهم بسبب مثل هذه النوعية من العلاقات والتجارب الفاشلة ويتطلعون إلى ما سواها، وهنا يكمن سر توهج عمرو دياب واستمراره على الصدارة، من خلال غنائه السهل الممتنع، حتى لو كان يلامس عامه الستين أو السبعين بعد عشر سنوات من الآن!
Advertisements
الجريدة الرسمية