رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رحيل وحيد.. بداية غير مبشرة !

لم تكد السفينة ٢٠٢١ تغادرالمياه السوداء لعام ٢٠٢٠، ولم تمر ساعات، على التهاني والدعوات والرجوات، حتى باغتتنا بخبر مفجع، أوجع قلوبنا وصدم عقولنا، وعادت من جديد موجات الحذر والتشاؤم. لقد رحل وحيد حامد.


فقدنا مؤسسة تنوير كاملة الأركان، كاملة الذخيرة، كاملة الحجة، كاملة الإبهار. فقدنا رجلا بمليون ممن يبيبعون الغث. لن نقول كان وحيد حامد.. إنه ليس كان.. بل هو كائن بيننا شأن الكلمة الطيبة الصادقة المبهرة.. عرفت الكاتب المبدع الكبير من خلال أفلامه وتمثيلياته الإذاعية، وبالطبع أفلامه ومسلسلاته التى واجهت بشجاعة الرأي والموقف، وبحلاوة الدراما، وبجمال العبارة الحوارية، لكنى عرفته أول ماعرفته شخصيا في روزاليوسف حيث كان يكتب الصفحة الأخيرة ويقضي ساعات الظهيرة بيننا، ثم عرفته في زيارات صباحية له في جلسته المعتادة بالميرديان..

يا أخي خليها على الله!

كان مجلسه ديوان المفكرين والمبدعين والصحفيين والفنانين.. يلتفون من حوله.. يتحدث بصوته الطيب الحنون، لم يفقد لمسته الريفية، تلك اللمسة التى تميزنا نحن أبناء الدقهلية والشرقية والغربية.. مهما صرنا قاهريين ستقفز بين حروفنا تلك اللهجة الريفية.. وكانت محببة من وحيد.. ولوحيد.

كان وحيد حامد المبدع الشجاع من رموز الكتابة والضيوف الدائمين لنا على صفحات جريدة الميدان المستقلة التى شرفت برئاسة تحريرها، وحققت نجاحا كبيرا، وكان من كتابها الكاتب المبدع الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة ، والكبير المهنى المؤرخ صلاح عيسي والصديق يوسف معاطى وعشرات من القامات والأقلام.. بعد النجاح الرائع لمسلسل "أوان الورد" عن الفتنة الطائفية والإرهاب.. كانت ندوتنا في الميدان معه والنجمة يسرا.. وفي سلسلة حوارات لنا تحت عنوان "الإخوان الجدد" وكنا نلمح بوادر ومؤشرات على حدوث تحور ملحوظ في أداء وشكل ونمط الفيروس الإخوانى.. كان الحضور من المتناظرين: وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة وصلاح عيسى وعلى الطرف الآخر كان من؟ كان الدكتور محمد مرسي رئيس الإخوان الراحل، وعصام العريان وجمال حشمت..

أدرت المناظرات لأربع ساعات نشرنا الجزء الأول منها.. وفي الجزء الثاني كانت لوحيد حامد عبارة لافتة تلخص شخصية محمد مرسي.. كان الأخير يتحدث كلاما مرسلا بلغة الكتب التراثية القديمة، ولاحظ وحيد ذلك فقال له: أنت تذكرني بخطباء الزوايا.. أنا مش فاهم حاجة مما تقول..

أقصى ما كان لدى مرسى التقعر والألفاظ البالية والأفكار المتردية. بفطرة الكاتب الحاذق، وبشعوره الثاقب حدد ملامح الشخصية من قبل أن تتولى هذه الشخصية حكم مصر في غفلة من التاريخ وفي واحدة من حماقاته الكبرى ..

سيستجيب.. الله سيستجيب!

يمكن القول إن وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة، من أعمق مؤلفى الدراما فكرا وأجملهم عبارة، وأمتعهم في البناء الدرامي، وأشجعهم في معالجة أعقد القضايا وأصعبها.. الاثنان خاضا معارك دامية مع الإرهاب والتخلف والفساد والاتجار بالدين، ولم يغادرهما قط الحس الوطني.

كان وحيد حامد في مسلسل العائلة والإرهاب والكباب والجماعة بجزئيه.. وعشرات الأعمال هو نفس الفكر ونفس المتعة. هو صاحب العبارات الحوارية التى لا تنسى في "الراقصة والسياسي" وفي "عمارة يعقوبيان" من إخراج ابنه المبدع مروان وحيد حامد.

جملة واحدة علي لسان بطل في عمل درامي لوحيد حامد بمثابة مقال سياسي كامل. وفي السنوات العشر الأخيرة، إذ رأي مصر تتداعى، تألم قلب وحيد حامد ولكن عقله تصدى للمنحرفين وطنيا، وكانت مقالاته رصاصات كاشفة وحارقة في قلب الإخوان وهم في سدة الحكم، وفي قلب النشطاء والصحفيين والإعلاميين الذين انقلبوا علي وطنهم، وكانت مداخلاته تفضح تجار المواقف الذين مالوا للإخوان.. وأحرقوا الوطن.. بغباء.. أو عمدا.. نتذكر رده القوى المفحم على صحفى متحور من سلالة الحرباء.. وإحساسه أنه خسره، وهي خسارة هينة مقابل انقلاب المواقف..

مصر حزينة حزنا بالغا لرحيل هذا الرجل الشجاع المبدع الممتع الوطنى الفلاح الطيب الكريم.. رحمة الله عليك يا أستاذ.. وكل العزاء لأسرتك السيدة الإعلامية الكبيرة زينب سويدان.. وابنهما المخرج مروان حامد وللفن الصادق جميعه.
Advertisements
الجريدة الرسمية