رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ثقوب الغضب!

فى قديم الزمان كان هناك شاب عصبى المزاج سريع الغضب، وكان دائمًا يخرج عن صوابه ويجرح الناس بأقواله وأفعاله غير الحميدة، وكان والد هذا الشاب رجل حكيما ذا خلق رفيع وله خبرة كبيرة بالحياة، وقد لاحظ هذة الصفة السيئة بابنه، فقرر أن يعلمه درسًا ليصلحه ويقومه، فأحضر له كيسًا مملوءً بالمسامير الصغيرة، وقال له:

 يا بنى كلما شعرت بالغضب الشديد وفقدت أعصابك وبدأت تفعل أشياء لا يصح أن تصدر منك، عليك حينها أن تقوم بدق مسمارًا واحدًا فى السور الخشبى الذى يحيط بحديقة المنزل.

وفعلًا نفذ الشاب نصيحة والده وكان كلما يشعر بالغضب الشديد يبدأ فى دق المسامير، ولكن لم يكن إدخال المسامير فى السور الخشبى سهلًا على الإطلاق فهو يحتاج جهدًا ووقتًا كثيرًا، وفى اليوم الأول قام الولد بدق ثلاثين مسمارًا وتعب كثيرًا فيها، فقرر أن يحاول أن يملك نفسه عند الغضب حتى لا يتكبد عناء دق المسامير، ومع مرور الأيام نجح الشاب فى إنقاص عدد المسامير التى يدقها يومًا بعد يوم، حتى تمكن من ضبط نفسه بشكل نهائى وتخلص من تلك الصفة السيئة إلى الأبد..

يا سعد!

ومر يومان كاملان وهو لا يدق أى مسمار فى السور، فذهب إلى والده فرحًا وأخبره بذلك، فهنأه الوالد على هذا التحول المحمود، ولكنه طلب منه شيئًا جديدًا وهو القيام بإخراج جميع المسامير مرة أخرى من السور، تعجب الشاب من طلب والده ولكنه قام بتنفيذ طلبه فورًا وأخرج جميع المسامير..

وعاد مرة أخرى إلى والده وأخبره بإنجازه، فأخذه والده وخرجا إلى الحديقة وأشار الرجل الى السور قائلًا: احسنت صنعًا يا بنى ولكن انظر الآن إلى كل هذه الثقوب المحفورة فى السور، هذا السور مستحيل أن يعود يومًا كما كان مهما فعلت، وهذه الثقوب هى أثر الأفعال والأقوال التى تصدر منك عند الغضب، يمكنك أن تعتذر بعدها ألف مرة لعلك تمحيها، ولكنها دومًا ستترك ندوبًا فى قلوب الآخرين.

يقول رسولنا الكريم أحبتى عن أهمية التحكم فى الغضب لما له من تبعات مدمرة على الناس: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ؛ إِنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».

مفهوم الحرية!

ومن المهم كذلك أن تعلم يا صديقى أن الغضب هو جمرة يلقيها الشيطان فى قلب الإنسان، فيشعل بها نيران الاندفاع، ويطفئ سراج العقل.. فكم من بيوت هدمت، وكم من علاقات تمزقت، وكم من نفوس أزهقت فى لحظة غضب وحمق، أعقبها ندم لا ينقطع.. لذلك ينصحنا نبى الرحمة بالأسلوب الأمثل لإطفاء تلك الجمرة قائلًا: "عنْ سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: كُنْتُ جالِسًا مَعَ النَّبِي ﷺ، ورجُلان يستَبَّانِ وأَحدُهُمَا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ. وانْتفَخَتْ أودَاجهُ. فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إِنِّي لأعلَمُ كَلِمةً لَوْ  قَالَهَا لَذَهَبَ عنْهُ مَا يجِدُ، لوْ قَالَ: أَعْوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم".

ويقول الشاعر العربى الحكيم:
واحرص على حفظ القلوب من الأذى/ فرجوعها بعد التنافر يصعب

إن القلوب إذا تنافر ودها/ شبه الزجاجة كسرها لا يشعب
                   

واحفظ لسانك واحترس من لفظه/ فالمرء يسلم باللسان ويعطب
                  

و إذا أصابك في زمانك شدة/ وأصابك الخطب الكريه الأصعب
                

فالجأ لربك إنه أدنى لمن/ يدعوه من حبل الوريد وأقرب
                  

فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي/  النصح أغلى ما يباع ويوهب
                 
Advertisements
الجريدة الرسمية