رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

النواحون المناكيد ولغة الرئيس!

تختلف لغة الفرد العادي عن لغة قرينه، حسب الثقافة والتعليم والبيئة والتربية بطبيعة الحال. لكن هناك قواعد متعارف عليها في أدب الكلام وما يتضمنه من مفردات، وطريقة التعبيرعنها، إرتضاها المجتمع واستقر عليها. واذا كان هذا ينطبق بشكل اعتيادي على الجمهور وآحاد الناس، فإنه يصبح ذا خصوصية، وذا حساسية إذا كان المتكلم من طبقة الحكام، ملكا أو رئيسا. ربما مجال المراجعة والانتقاد يتسع بالنسبة للرؤساء، ويضيق لملوك وأمراء.


أقول هذا بمناسبة ما علق به البعض، مستنكرا ناعيا كيف لرئيس الجمهورية أن يستخدم لفظ (الهري) في معرض نصحه للمصريين بأن يطمئنوا. يفتح هذا التعليق الممجوج الحوار حول لغة رؤساء مصر.. في سياق مفردات لغة الرئيس عبد الفتاح السيسي.. وطريقة تعبيره عن أفكاره.

مفردات ناصر والسادات
ولأنني عاصرت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والرئيس الراحل أنور السادات، والرئيس الراحل حسني مبارك، ولا أعرف ولا اعترف لمصر رئيسا بعدهم إلا الرئيس السيسي.. أقول لأنى عاصرت فترات حكمهم كاملة، فى مراحل مختلفة من عمري، فإن الذاكرة والتاريخ يعرفان أن الرئيس جمال عبد الناصر كانت له ألفاظه ومفرداته البالغة القسوة، وكان الشعب يصفق لها، وفي تسجيلات له شتم رئيس وزراء بريطانيا.. وسب وشتم ملوكا عربا.. وكانوا هم أيضا يسلطون عليه إذاعات ظالمة، وهدفهم الإطاحة به، ولابد أن نذكر أن سن جمال عبد الناصر وقت حكم البلاد كان ذروة شبابه وفورة رجولته، وقمة مجده، وانتصاراته، مدعوما بشعب يصدقه على طول الخط ما نازعه قرارا ولا شكك في قرار.. رغم كل دواعي القلق من غياب الديمقراطية وتسلط دولة صلاح نصر .

ما علينا.. تلك أيام..

مع السادات، اختلفت اللهجة من الصعيدية المحببة بكاريزما ناصر، إلى الريفية البحتة المقصودة غالبا، وحلت مفردات خاصة بالسادات وكلام الفلاحين العادى، مع العلم أن السادات كان أديبا مفوها، وقارئا عظيما مثقفا كما كان عبد الناصر. لكنه استخدم التعبيرات الشعبية والريفية لضمان الإقناع والتأثير.. ونذكر كم حاربه المثقفون الذين شتمهم بالأراذل والأفندية.. وإستخدم لفظ مرمي في السجن زي الكلب على اخوانجي تآمر عليه.. رغم كل ما قدمه السادات للهضيبي وجماعة الإرهاب!

لغة الرئيس السيسي
أما الرئيس حسني مبارك فلم يعرف عنه سباب ولا شتم ولا ألفاظ نابية، وكان قاموسه اللغوي محدودا جدا، فى إطار شعبي سياسي بسيط.. وكانت خطبه بسيطة ونادرا ما كان يخرج عن النص المكتوب. فعرف الرئيس مبارك بعفة اللسان، حتى في أحلك أيام حياته وأسرته.

ثم عرفت مصر رئيسا تاهت منه اللغة واختلطت، وجمعت مابين مفردات القرون الوسطى والكتب الصفراء، وكتب التراث وروث التلقين الاخواني.. فكان مضحكا بقدر ما كان مخجلا أن يتبوأ حكم مصر كائن مشوه عقلا سقيم الوجدان والولاء.

أطاح الشعب بشخص غريب طارئ عليه، قسمه وفتته وأنذر بحرب أهلية. ومع الرئيس السيسي، لاحظ الشعب أنه رجل ذو حياء، سريع التأثر، قريب الدموع، يتأنى كثيرا جدا قبل أن ينطق، يختار اللفظ والحرف بعناية، أن يجرح أحدا أو يخوض في موقف لايريده أو يورط بلده فيما لا تخطط له. كل شئ عنده محسوب.

وفي خطابه الأخير باستاد القاهرة، بدأ الرئيس السيسي مرتجلا، ثم قارئا لخطاب مكتوب بعناية وحساب، ختمه، ثم ارتجل ليطمئن جموع المصريين بشأن سد الخراب الاثيوبي. وفى نهاية ارتجاله، طرأت له لفظة نلوكها.. يوميا على صفحات التواصل والتناحر الاجتماعي.. أراد بها التلخيص وربما التلطف.. ومع ذلك فقد تردد كثيرا في نطقها.. فلما قالها تورد وجهه خجلا. قال بلاش هري!

إنه رجل مهذب مؤدب.. وعلى المعدداتية أن يكفوا عن النواح.. فنحن في هري يومي عظيم يا أيها النواحون !
Advertisements
الجريدة الرسمية