رئيس التحرير
عصام كامل

الغروب الأخير لشمس بدران

عاش شمس بدران في الظل قرابة نصف قرن منذ أخرجه السادات من السجن عام 1974 حتى وفاته في منفاه الاختياري في لندن بالأسبوع الأخير من الشهر الماضي. كاد الرجل أن يُنسى تمامًا في زمن السوشيال ميديا ولولا ظهوره في مداخلة أو لقاء عابر في السنوات القليلة الماضية لظن الجميع أن الرجل قد مات منذ سنوات.


رحيله أعاد تذكيرنا بنكسة يونيو التي كان شمس بدران أحد صناعها بصفته وزير الحربية في ذلك العصر.

ولأن الصدف التاريخية تتدخل باستمرار في رسم الأحداث، ففي لحظة قد تصعد الصدفة بأحدهم إلى القمة أو تهوى به إلى القاع فقد لعبت الصدفة دورها في حياة شمس بدران الذي كاد الرئيس عبدالناصر أن يعلنه رئيسًا للجمهورية خلفًا له في خطاب التنحي لولا نصيحة محمد حسنين هيكل الذي طالبه بإلغاء القرار الذي يعد مكافأة لمن قاد الجيش إلى هزيمة فادحة. وبعد تمسك شمس بدران بجبهة المشير عبدالحكيم عامر في صراع السلطة بين الرئيس والمشير أصبح مصيره السجن وسط رجال عامر المتآمرين على السلطة ليتحول من وزير كاد أن يصبح رئيسًا إلى سجينًا يقبع في ظلال التاريخ.

العريان ومبارك.. الصدف التاريخية

ليس مهمًا سرد سيرة الرجل إنما البحث عن السبب الذي جعله وزيرًا للحربية متخطيًا كفاءات وقادة أحق منه، كان السر هو قربه الشديد من عبدالحكيم عامر الذي وزع المناصب استنادًا إلى الولاء الشخصي له وليس الكفاءة.

لم يكن شمس بدران مؤهلًا لقيادة الجيش وفقًا لرأي الفريق أول محمد فوزي، قائد الجيش في حرب الاستنزاف، وهو تأكيد لرأي الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش في حرب أكتوبر، أن المشير عامر كانت قيادته للجيش أشبه بأساليب العمد في الأرياف حيث اكتسب ولاء القادة بتوزيع الامتيازات عليهم كما أن الترقي كان حسب الولاء للمشير عامر وليس الكفاءة أو القدرة على القيادة مما ساهم في وقوع النكسة.

الفريق أول محمد فوزي فسر تعيين شمس بدران وزيرًا للحربية، رغم عدم كفاءته للمنصب، إنه لم يكن ليسمح المشير عبدالحكيم عامر بقبول هذا المنصب حيث إنه يعني خضوعه تبعًا للدستور –ولو بشكل صوري- لسلطة رئيس الوزراء علي صبري الذي كان يشغل قبلها منصب مدير مكتب المشير عامر قبل ترقيته لمنصبه، فكيف يخضع الرجل الثاني في النظام لسلطة رجل كان مديرًا لمكتبه في وقت سابق، فكان تعيين شمس بدران وزيرا للحربية مع استمرار الصلاحيات المطلقة للمشير عامر داخل الجيش بصفته القائد العام للجيش والنائب الأول لرئيس الجمهورية لتستمر صلاحيات المشير عامر دون رقيب أو محاسبة حتى حدثت الهزيمة.
وفاة شمس بدران التي ذكرتنا بزمانه تعطينا العبرة والدرس بأن غياب الشفافية والمحاسبة للمسؤولين يصنع الهزيمة.
الجريدة الرسمية