رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

السادات وإعادة إحياء الإرهاب!

لست من الذين يتعاملون مع القيادات أو الكيانات السياسية بالعاطفة، ولست من الذين يصدرون حكم قيمة على أشخاص وكيانات بناءً على تصورات فردية مستندة إلى أيديولوجيات وأفكار مسبقة، بل أتعامل دائما مع الشخصيات والكيانات السياسية سواء التاريخية أو التي لازالت موجودة وقائمة بدراسة متأنية وبتقييم ما يصدر عنها من أفعال وقرارات، مع مراعاة الظروف البنائية المختلفة المؤثرة في حدوث هذا الفعل أو اتخاذ هذا القرار..


ودائما يكون الحكم مؤسس على أدلة وبراهين واقعية محسوسة وملموسة ويمكن إعادة ملاحظتها مرات عديدة من قبل باحثين آخرين وبذلك نكون قد تحرينا الدقة وتكون أحكامنا علمية وموضوعية.

ومن هنا وقبل البدء في الحديث عن الرئيس السادات وجماعة الإخوان المسلمين تجدر الإشارة إلى أنني لا أتعامل معه ولا معهم بأي عاطفة سواء إيجابية أو سلبية، بل سأتناول كليهما من منظور علمي موضوعي قائم بالأساس على وقائع وأدلة وبراهين واقعية، ولنبدأ بالجماعة التي نشأت في عام 1928 على يد حسن البنا بدعم من المخابرات البريطانية في ظل وجود مصر تحت الإحتلال البريطاني وسلطة ملك لا حول له ولا قوة..

وقررت الجماعة منذ اليوم الأول السير في عدة اتجاهات الأول دعوة دينية، والثانى تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية للفقراء وما أكثرهم في ظل مجتمع كان يطلق عليه مجتمع النصف في المائة، والثالث سياسى يسعى للوصول للسلطة، والرابع مليشيا عسكرية إرهابية يمكن اللجوء إليها عند الحاجة لتهديد الخصوم، وفي ظل غياب دور الدولة في احتضان الفقراء تمكنت الجماعة من التغلغل داخل بنية المجتمع وتكوين رصيد اجتماعي مؤيد لها مكنها من الوجود على الساحة المجتمعية بشكل عام والسياسية بشكل خاص.


وقامت ثورة يوليو 1952 وتمكن جمال عبد الناصر ورفاقه من السيطرة على مقاليد الحكم وبدأ الصدام مبكرا بين الدولة الجديدة والجماعة الإرهابية وحاولت الدولة إدماج الجماعة داخل المجتمع لكنها رفضت فأخذت الدولة على عاتقها التصدي لها ومكافحة إرهابها فشنت على قادتها حملة اعتقالات كبرى كرد فعل على محاولاتهم اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر..

رعاية الفقراء
لكن الدولة لم تكتف بالحل الأمنى فقط بل أخذت على عاتقها عزل الرصيد الاجتماعي المتعاطف مع جماعة الإخوان من خلال رعاية الدولة للفقراء التى كانت الجماعة تقدم لهم المساعدات الاجتماعية والاقتصادية لجذبهم إليها ولإظهار ضعف دور الدولة وتخليها عن مسئوليتها تجاه مواطنيها..

وبذلك تمكنت الدولة من محاصرة الجماعة الإرهابية، وخلال هذه الفترة ندرت أحداث العنف، وتم السيطرة على الجماعة التي اضطرت إلى الهجرة خارج البلاد وانحصرت أعداد المؤيدين لها بفعل سياسات الدولة الحاضنة للفقراء.

وجاء الرئيس السادات في نهاية عام 1970 ولم يكن له قبول شعبي، وقرر في عام 1971 التصدي لخصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين وكان قراره هو استخدم الجماعة الإرهابية في مواجهة هؤلاء الخصوم، فعقد صفقة مع الجماعة بعد لقاء مع مرشدهم عمر التلمساني في استراحة جناكليس أفرج على أثرها عن قياداتها المعتقلين والمسجونين وأتاح لهم مساحة واسعة من العمل السياسي العلني..

وفى نفس الوقت بدأت سياسة الدولة تعود مرة أخرى للتخلي عن مسئوليتها فى رعاية مواطنيها ودعمهم اجتماعيا واقتصاديا بإعلان سياسة الانفتاح الاقتصادي، وفى الوقت الذي عادت فيه الجماعة للعمل بقوة داخل المجتمع وتحت سمع وبصر وتأييد الدولة كان المواطن المصري الفقير يئن من سياسات الدولة المتخلية عن رعايته..

جماعة إرهابية
وهنا بدأ المواطن في البحث عن بديل وكانت الجماعة الإرهابية جاهزة للقيام بدور الحاضن المقدم للخدمات وبذلك عاد للجماعة رصيدها الاجتماعي الذي كانت قد نزعته عنها الدولة في الخمسينيات والستينيات, ولم تكتف الجماعة بذلك بل فرخت العديد من الجماعات الإرهابية الصغيرة..

مثل جماعة صالح سرية المعروفة إعلاميا بتنظيم الفنية العسكرية، وجماعة التكفير والهجرة لشكرى مصطفى التي قامت باغتيال الشيخ الذهبي، ثم جماعة الجهاد التي قامت في النهاية بقتل السادات نفسه، وخلال هذه المرحلة شهد المجتمع المصرى نشاط كبير للجماعات الإرهابية وأحداث العنف.

وإذا كان هذا هو ما حدث بالفعل على أرض الواقع فإننا لا نتجنى على جماعة الإخوان حين نصفها بالإرهابية فالجماعة منذ النشأة حرصت على تكوين تنظيم سري عبارة عن ميليشيا مسلحة قامت بعدد من عمليات الاغتيال لخصومهم السياسيين وكانت أهم ثلاثة عمليات قامت بها قبل ثورة يوليو 1952 وفي ظل قيادة حسن البنا هي اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس وزراء مصر في 24 فبراير 1945..

خطأ السادات
ثم اغتيال القاضي أحمد الخازندار في 23 مارس 1948، ثم اغتيال محمود فهمي النقراشي باشا رئيس وزراء مصر في 28 ديسمبر 1948، وبعد ثورة يوليو 1952 قامت الجماعة بمحاولة فاشلة لاغتيال جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية في 26 أكتوبر 1954، وبالطبع هذه أدلة وبراهين واقعية وملموسة على إرهاب الجماعة، ورغم ذلك قام الرئيس السادات باستخدامهم في مواجهة خصومه السياسيين..

وبالطبع يشكل هذا القرار خطأ فادحا لا يغتفر للرئيس السادات لأنه المسؤول الأول عن إعادة إحياء الجماعة من جديد وعودتها للعب أدوارها التاريخية المتعددة سواء على المستوى الدعوي أو الاجتماعي والاقتصادي أو السياسي والعسكري، وبالطبع نال الرئيس السادات نصيبه جزاء هذا الخطأ الفادح حيث تم اغتياله بواسطة أحد أفرع هذه الجماعة في 6 أكتوبر 1981..

لكن المسألة لم تقتصر على ذلك فالجماعة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن تمارس إرهابها ضد الشعب المصري، حيث سمح لها الرئيس السادات بالتمدد داخل بنية المجتمع المصري وتمكنت من التغلغل وبناء النفوذ واكتساب مؤيدين ومتعاطفين معها لدرجة أن أنصارها من الخلايا النائمة لازالوا يعبثون ويمارسون الإرهاب ضد شعبنا المصري، لذلك يتحمل الرئيس السادات الجزء الأكبر من هذه الكارثة التي حلت بمجتمعنا المصري، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
Advertisements
الجريدة الرسمية