رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الحمار المقدس!

يُحكى أن ملكًا أرسل حرسه الخاص لإحضار أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من الليل ولما جاؤوا بمستشاره وقد بان عليه الخوف والهلع، قال له الملك بصوت مرهق.. إسمع أيها المستشار: لقد اخترتك من بين كل مستشاري لمعرفتي التامة بأنك أرجحهم عقلًا وأشدّهم ذكاء؟ فقال له المستشار وهو ينحني له إجلالًا:  شكرًا يا مولاي، وسأكون إن شاء الله عند حسن ظنك؟


قال الملك بعد أن اتكأ على عرشه: أتعلم أنني لم أنم ليلتي هذه لأن هنالك سؤال يؤرقني، وأريد منك إجابة عنه تستند إلى دليل قاطع. قال المستشار إبشر يا مولاي، سل سؤالك وسأجيبك عنه بإذن الله! قال له الملك: أخبرنى أيهما أفضل الحظ أم القداسة؟ قال المستشار بدون أي مقدمات: القداسة طبعًا يامولاي! ضحك الملك وقال له: سأدحض رأيك بالدليل أو تثبت لي رأيك وبالدليل!

وافق المستشار خرجا في صباح اليوم التالي إلى أحد الأسواق ووقف الملك يتأمل في وجوه رعيته حتى راى عتالًا بسيطًا جدًا. فأمر الحرس بجلبه إلى القصر، ثم أمر بأن يطعموه ويلبسوه زيًا فاخرًا، ثم جعله وزيرًا، ثم أمر بإدخاله إلى مجلسه. فاندهش المستشار عندما رأى أن العتال أصبح وزيرً! فقال الملك للمستشارأيهما أفضل الآن الحظ ام القداسة؟ فأجاب المستشار:إعطني فرصتي يا مولاي لأثبت لك بأن رأيي الأصح!

خرج المستشار إلى السوق ووقف يتأمل، وإذا به يرى حمارًا هزيلًا ومنهكًا من التعب. فاقترب منه وبدأ يتحسسه ويتلمسه، والناس ينظرون إليه باستغراب حتى تجمهروا من حوله، ثم قال بصوت عالً: أيها الناس، أتعلمون أن هذا الحمار طالما حمل على ظهره أحد أنبياء الله. فقد ذُكر وصفه في الكتاب الفلاني نقلًا عن فلان ابن فلان. هذا الحمار من أهل الجنة.. وماهي إلا لحظات حتى أصبح ظهر الحمار الأجرب مزارًا، وملئت أذناه بالنذور، وبدأ الناس يتبرّكون به. فهذا يطعمه، وذاك يغسل قدميه، وتلك تأخذ شعرة منه لتتزوج، وتلك تتمسّح به لتُرزق بطفل. ثم أسكنوه في بيت نظيف، وعينوا له خدمًا، وصار الحمار يسرح ويمرح في اي مكان، ويأكل ويشرب من أي بيت يريد، والكل يقدسه ويتبرك به.

الحظ والقداسة
ثم عاد المستشار إلى الملك وقال: الآن يا مولاي، أيهما أفضل؟ طأطأ الملك رأسه، فإبتسم المستشار وقال له:  أتعلم يا مولاي ما الفرق بين الحظ والقداسة؟ قال الملك: لا. قل لي ما الفرق؟

قال له المستشار: أنت يا مولاي ألبست هذا العتال ثوب العافية والمال والسلطة.. وهذا ثوبً زائل لأنك تستطيع سلبه اياه فى أى وقت.. أما أنا فقد ألبست هذا الحمار ثوب القداسة لعلمى أن هذا الثوب لا يمكن أن يسلبه منه أحد، حتى أنت يا مولاي!

تذكرت هذه القصة التى قرأتها منذ فترة طويلة عندما شاهدت مؤخرًا شهادة المدعو محمد حسين يعقوب أمام المحكمة فيم تم تسميته بقضية "داعش إمبابة".. لأنها تبين لنا بالتفصيل اللعبة الوضيعة التى اعتادت أن تلعبها جميع الجماعات المتطرفة لاستقطاب بعض المغيبين للإنخراط فى القيام بالأعمال الإرهابية.

أرجو أن ننتبه بشدة إلى كافة صور وأساليب محاولة إعادة إلباس الجهل ثوب القداسة، لأنه لولا ستر الله علينا ورحمته ولطفه ببلدنا الغالية لكنا دفعنا ثمنًأ فادحًا لما كان مخططًا لنا.

حفظ الله مصرنا المحروسة من كل مكروه وسوء.
Advertisements
الجريدة الرسمية