رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الجنيه والست أم أحمد

مع صباح يوم الجمعة، والقيام بالمهمة الأسبوعية من شراء بعض المستلزمات المنزلية، واجهتني أزمة مستحدثة لا أعلم من الذي أشعلها وجعلها تنتشر، انتشار النار في الهشيم، وتنتقل بسرعة البرق من محافظة إلى أخرى.


شاء حظي أن أتقاضى باقي النقود من شباك تذاكر مترو الأنفاق، وكان عبارة عن ثلاثة جنيهات ورقية، ولم أكن أعلم أن تلك الجنيهات، ستكون تراثا قد يظل مستقرا في جيبي إلى حين التعامل مرة أخرى مع أي جهة حكومية، حين أسدد فواتير المياه والغاز والكهرباء، أو في مترو الأنفاق، فتلك هي الجهات الوحيدة التي تقبل التعامل بالجنيه الورقي، بلا أي قيود.

الست "أم أحمد" بائعة الخضروات الورقية التي أتعامل معها بهذا الجنيه أو غيره منذ فترة طويلة، فاجأتني برفضها تقاضي جنيهين من الورق، سألتها: "ليه؟"، ردت قائلة:"محدش بقى يرضى يأخده وبيقعد معايا مش ذنبي، خلى عنك خالص ولما يبقي معاك فكة هات الفلوس".

بائع محل المخبوزات، كان حساب مشترياتي أحد عشر جنيها، أخرجت له خمسون منتظرا الباقي، سألني:" معاك جنيه فكة؟"، أخرجت له الجنيه الورقي، فرفض تقاضيه رفضا قاطعا، ورد إلى أربعون، مؤثرا أن أحضر له هذا الجنيه الحائر في أي وقت آخر، قائلا بعبارة مهذبة:" خلي عنك خالص وهات الجنيه في أي وقت"، وهو ما دفعني إحراجا للبحث عن فكة عشرة جنيهات معدنية في شارع بأكمله، كي لا أظل مدينا لأكثر من بائع، رغم أن في جيبي فكة بالفعل!.

في عام 2016، صدر قرار من البنك المركزي بعودة تداول الجنيه الورقي في الأسواق بعد غياب نحو 5 سنوات، على خلفية قرار بطرس غالي، وزير المالية الأسبق، عام 2010، بإلغاء العملات الورقية التي لا تزيد فئتها عن الجنيه، والاكتفاء بالعملات المعدنية من هذه الفئات.

وفي السادس من يونيو عام 2016، ومع حلول أول يوم من شهر رمضان من هذا العام، بدأ البنك المركزي بالفعل، في طرح الجنيه الورقي الجديد للتداول بطباعة 500 مليون، في صورة بنكنوت، طبقا لاحتياجات التداول بالأسواق.

وفق المادة 377 من قانون العقوبات المصري، "يعاقب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه كل من امتنع عن قبول عملة البلاد أو مسكوكاتها بالقيمة المتعامل بها، ولم تكن مزورة ولا مغشوشة" .

ومفاد هذا النص بحسب الدكتور أحمد عبد الظاهر في مقالة المنشور بموقع "الوفد" أن المشرع المصري يجرم سلوك كل من يمتنع عن قبول عملة البلاد أو مسكوكاتها بالقيمة المتعامل بها، ما لم تكن مزورة أو مغشوشة، فالسبب الوحيد الذي يعترف به المشرع لعدم قبول العملة هو أن تكون مزورة أو مغشوشة، أما في غير هذا الفرض، فلا يجوز لأي شخص أن يمتنع عن قبول عملة البلاد أو مسكوكاتها.

لم أسمع مطلقا بأى قرار حكومي بوقف التداول بالعملات الورقية فئة الجنيه والنصف جنيه، ولم يصدر عن البنك المركزي تماما أي نشرات بخصوص ذلك، ولكن ولدت الأزمة حينما "طقت" في رأس أحد العابثين، ألا يتقاضى أو يتعامل بهاتين الفئتين، ومن ثم بدأت مساحة الرفض الشعبي لهما تتسع، فمعظم النار من مستصغر الشرر.

ووصل الأمر الآن إلى تخلي بائعون ومحلات وسائقي ميكروباص وتوكتوك، عن الباقي بتذمر شديد، أو التعامل بمبدأ "الشكك"، أو خوض رحلة البحث عن فكة، فهذا من وجهة نظرهم أفضل من تقاضي هذا "الورق" الذى ربما يستقر فى الجيب، وقد لا يبرحه أبدا، بناء على شائعة "قذرة" إختلقها أحد المستهترين، أراد منها خلق حالة من الجدل في الشارع ووسائل المواصلات العامة، وصلت الآن إلى حد السباب والتراشق اللفظي بل والتشابك بالأيدي والضرب والركل.

الجنيه الورقي أحد مفردات العملة الوطنية الرسمية للدولة المصرية، وبالتالي فإن رفض التعامل بها أو تداولها دون مبرر أو سند قانوني رسمي، يضع من يرفض تحت طائلة العقوبة القانونية، فضلا عن إثارته حالة من البلبلة والجدل في الشارع المصري.

رفض متراكب على بعضه، هذا يرفض تقاضيه من شخص، ومن ثم يرفض الشخص التعامل به بناء على ما سمعه من الأول، وتسير المعلومة المغلوطة الكاذبة في الأسواق، مثل كرة الثلج، إلى أن تتجمد داخل خزانة الدولة، رغم أنها عملة وطنية رسمية مقبولة التداول.

أرجو من رئاسة مجلس الوزراء ومن إدارة البنك المركزي، إصدار تنبيه مقروء ومسموع، في كافة وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة والمسموعة، بتحذير المواطنين من رفض التعامل فئة الجنيه والنصف جنيه الورقي، مع التشديد على العقوبة القانونية لمن يرتكب ذلك، وتكرار هذا التنبيه حتى يصل إلى كل بيت في كل قرية ونجع، وإرفاقه بحملات تفتيش مفاجئة على المحلات والأسواق، وفي حالة رفض التعامل، يتم تحرير محضر فوري بالغرامة المقررة قانونا، ومن ثم لو حدث هذا، فحتما يصل صداه إلى الست "أم أحمد" البسيطة، وتتعامل بالجنيه الورقي مرة أخرى بلا خوف أو "شكك".

......................................
Advertisements
الجريدة الرسمية