رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الثبات علي المبدأ والمبلغ!

يتعرض صاحب حدوتة مصرية وشجر الليمون لحملة كبيرة تتساءل عن هويته وانحيازه السياسي بعد إعلانه سفره لفلسطين المحتلة والغناء في القدس كرسول سلام علي منهج السادات، خاصة وأن محمد منير ظل طوال عمره يوحي باختياراته أنه يقف في مربع اليسار الرافض للتطبيع، ولكن بعض القريبين منه لم يفاجئهم سلوك محمد منير ولديهم قصص عن مسيرته، غير أن صدمة البعض من التوقيت الذي اختاره محمد منير لتلك الخطوة وسط هرولة البعض إلى التطبيع المجاني.


والسؤال هل بالضرورة أن يكون للفنان موقف سياسي واضح وهل هو حر في اختياراته وتبديلها؟

الغالبية تري أن الفن بالضرورة هو موقف والفنان أيًا كان لابد أن يكون له موقف واضح أيا كان مع أو ضد، وهذا هو سبب الغضب علي محمد منير لإنه مختلف عن محمد رمضان بحكم اختيارات محمد منير الذي خرج من بوتقة عبد الرحيم منصور ومجدي نجيب وأحمد منيب وعاطف الطيب، ولهذا كان محمد منير متحدثا حقيقيا عن جيل كامل صدقة وتوحد مع أغانيه وصدقه.

إدارة الوقت الفريضة الغائبة

وبغض النظر عن محمد منير فقد أثبتت الأحداث السياسية في العشر سنوات الأخيرة أن هناك أساتذة في ركوب الأمواج وتوظيفها كدعاية لصالحهم، وهناك من دفعوا ثمن مواقفهم السياسية مثل أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام اللذين تعرضا للمضايقات والمنع من قبل الإذاعة بسبب مواقفهما السياسية، ولم ينقذهما سوى اختراع "الكاسيت" الذي كان حديثاً وقتها.

وتعرض يرم التونسي بدوره لموقف قاس، بعدما انتقد الملك فؤاد انتقاداً شديداً وصل إلى كتابته لزجل يشكك فيه بنسب فاروق لأبيه، وهو ما تسبب في طرده من مصر وهجرته، ولم يعد إلا بعد أن تذلل إلى التراب السلطاني، وكذلك الملحن كمال الطويل ذاق مرارة السياسة هو الآخر، حيث كان عضواً برلمانياً عن حزب "الوفد"، وتعرض للهجوم بضراوة في أواخر حقبة السادات وبداية حقبة الرئيس الأسبق مبارك، وكان عبد الحليم حافظ هو المتحدث الرسمي عن يوليو، وفي حرب 48 كانت أم كلثوم سفيرة لمصر وصاحبة أكبر نشاط في جمع التبرعات للشعب الفلسطيني.

وكانت الفنانة الراحلة نادية لطفي تمتلك موهبة واضحة، إلا أن ما يميزها أيضا أنها كانت تملك مواقف وطنية وقومية ميزتها عن باقي الفنانات الأخريات مثل الفنانة فاتن حمامة التى كانت تهتم بفنها و بصورتها أمام جمهورها فقط لا غير. وتبقى علاقة الفنانين بالسلطة ورجال الحكم مثار شك وريبة من قبل الصحافة والجمهور الذي يشكّك في مصداقية الفنانين ووطنيتهم، ويتّهمهم باتباع مصالحهم والتقرب من الحكام وأصحاب النفوذ من دون أن يعيروا التفاتة حقيقيةًلقضايا أوطانهم وشعوبهم.

فيما تبقى وطنيتهم مجرد شعارات رنّانة من أجل استقطاب الجمهور وكسب تعاطفه. ولهذا شكلت مواقف دريد لحام صدمة كبيرة، لدى بعض داعمي الثورة السورية، والذين كانوا يتوقعون من دريد لحام موقفا مشابها لأعماله الدرامية والمسرحية، والتي تتحدث عن هم المواطن ومشكلاته، ولم يختلف الموقف لمبادرة ميادة الحناوي عن موقف الفنان دريد لحام، لتعلن صراحة تأييدها للرئيس الأسد، وتقول ”أنا لحم كتافي من خير سوريا الأسد“، بل لم تكتف من ذلك وهاجمت الفنانة أصالة نصري، المعروفة بتأييدها الكامل للثورة السورية، وقالت في إحدى مقابلاتها الصحافية، ”لحم كتافك من خير بلدك، وكنتي المستفيدة الوحيدة وصلحولك رجلك 3 مرات“.

ما بين الدين والإنسانية

وكذلك كانت الرسالة التي وضعتها الممثلة هندي صبري على صفحتها على "فيسبوك" حديث الصحافة. إذ اعترفت فيها بأنّها كانت جبانة في قبولها التوقيع على العريضة التي ضمت اسمها مع عدد كبير من فناني تونس للمطالبة بترشّح بن علي لفترة رئاسية خامسة. مثلا النجمة الكبيرة يسرا تعرضت للنقد بسبب صمتها خلال أحداث يناير وابتعادها عن المشهد ككل إزاء وجودها في لندن في ذلك الوقت، إلا أنها لم تسلم، وتم وضعها في القائمة السوداء للثورة المصرية.

وكانت إلهام شاهين أكثر الفنانين الذين سببت لهم مواقفهم السياسية هما كبيرا، سواء على حياتها الفنية وحتى الشخصية، لاسيما بعد الهجمة الكبيرة والعنيفة التي تعرضت لها من قبل بعض شيوخ الإخوان والسلفيين، ونعتها على الهواء بأبشع الألفاظ، بسبب تأييدها الكبير للرئيس حسني مبارك، حتى تم تسميتها في ذلك الوقت ب”أم الفلول“.

ولكن إلهام شاهين كسبت تعاطفا كبيرا، حتى من قبل داعمي ثورة 25 يناير، فلم تكن معركتها مع بعض رجال الدين، أثناء حكم الإخوان، هي معركة مواقف سياسية فحسب، بقدر ما كانت معركة حول حرية الفن..

ولم يقتصر الأمر علي المنطقة فقد اشتهرت هوليوود منذ خمسينات القرن الماضي، باشتباك بعض مشاهير نجومها بالسياسة، بل أن بعضهم ترشح للرئاسة وفاز مثل الممثل رونالد ريجان، وأرنولد شوارزنيجر، الذي تولى منصب حاكم كاليفورنيا لدورتين متتاليتين، فيما صدر عن نجوم آخرين انتقادات لاذعة لرؤساء أمريكا، أو تبنوا مواقف سياسية معارضة ومن المعروف أن كثيرا من الأمور السياسية والأمنية والاستخباراتية ارتبطت بفنانين ونجوم من هوليوود، سواء ملفات جاسوسية أو أحاديث عن علاقة نجمات بسياسيين ورؤساء، مثل جون كينيدي ومارلين مونرو، أو حتى صعود أحد الفنانين لمنصب سياسي أو اضطلاعه بدور دبلوماسي.

وخلاصة الأمر لا ثوابت ولا تابوهات في مستنقع السياسة ،لأن المتاح (الممكن) يُعَدِّل السلوك، والمصلحة تُغَيِّر البوصلة، وتُدِير الدفة بعد تحديث القناعات وتطوير الأفكار، فما كان غيرمعقولٍ ومستحيلاً في الأمس القريب صار مقبولاً ومستساغاً اليوم، ووجيهاً ومفيدًا غداً !
Advertisements
الجريدة الرسمية