رئيس التحرير
عصام كامل

«التعليم» تعالج الخطأ بالخطيئة


لم تستفد وزارة التربية والتعليم من صدمة تسريب الامتحانات والغش الجماعي في اختبارت الثانوية العامة، ولم يتعظ قادتها من حبس واضعي الامتحانات ومسئولي المطبعة السرية، وظلوا على النهج اللا مبالي ورد الفعل البطيء، حتى أن الوزارة لم ترد على شكوى آلاف الطلاب من صعوبة امتحان الفيزياء يوم الأحد الماضي، ولم تحرك ساكنا لانتحار طالبة لفشلها في الاجابة على أسئلة الفيزياء، وانتظر المسؤولين يومين كاملين لإصدار بيان أفاد بأن "تقرير اللجنة الفنية لواضعي امتحانات الثانوية، أكد أن امتحان الفيزياء يتفق مع مواصفات الورقة الامتحانية والتقويم التربوي، ويقيس المستويات المعرفية المختلفة للقياس من حيث التذكر والفهم والتطبيق والمستويات العليا.. وأن الأسئلة تشتمل على أسئلة مقال بصورها المختلفة والأسئلة الموضوعية بأشكالها المختلفة، وكل سؤال ينقسم إلى أكثر من جزئية مما يتيح الفرصة لقياس قدرات الطالب المختلفة".


هذا التقرير في حد ذاته يثبت صعوبة الامتحان، وبرأيي أن الوزارة أرادت التعامل مع فضيحة تسريب الامتحانات وفقدانها السيطرة على الأمور بوضع اختبارات بديلة فلجأت إلى الامتحان التعجيزي، بمعنى أنها "جت تكحلها عمتها"، ونتيجة عدم وضوح الرؤية لدى الوزير وقيادات التعليم "عالجوا الخطأ بالخطيئة" وكأنهم ينتقمون من الطلبة!!

تخبط "التربية والتعليم" رد عليه مئات من طلاب الثانوية العامة بوقفة احتجاجية أمام الوزارة بالقاهرة بالتزامن مع وقفات مماثلة أمام مقرات الوزارة في محافظات عدة، اعتراضا على تسريب الامتحانات، وحالات الغش الجماعي، وطالبوا بإقالة وزير التعليم الهلالي الشربيني، فضلا عن إلغاء نظام التنسيق واستبداله بامتحان قدرات في الكليات المختلفة بإشراف النقابات المهنية، كما أطلق الطلبة المحتجون مبادرة "تصحيح مسار التعليم" مهددين بالسعي إلى توسيع قاعدة التظاهر الطلابي إن لم تنظر الحكومة بجدية في مطالبهم.

وفيما يبدو أنه اقرار بالفشل في إيقاف فضيحة تسريب الامتحانات والتعامل مع تداعياتها، اعترف وزير التربية والتعليم خلال اجتماعه مع لجنتي التعليم والدفاع والأمن القومي بمجلس النواب بأنه لا وسيلة لمنع الغش الإلكتروني بشكل كامل. وقال "طالبت بوقف موقع فيس بوك أو إيقاف الإنترنت قبل الامتحانات بساعة وأثناء الامتحانات، وتعذر ذلك لعدم دستوريته، كما أن التشويش في الفصل الواحد فقط مكلف، لذلك لجأنا إلى الوسائل العادية".

لم يحدد وزير التربية والتعليم ماهية الوسائل العادية التي اتخذتها الوزارة لمنع التسريب والغش الإلكتروني، وإن كان يقصد منع دخول الهواتف إلى لجان الامتحانات فهذا يحدث في لجان قليلة، أما الغالبية العظمى فيدخلها الممتحنين ومعهم الهواتف وهؤلاء تتاح لهم فرصة الغش الإلكتروني كيفما أرادوا.

كما لم يتطرق الوزير إلى ما يحدث من غش جماعي وتسيب في اللجان الخاصة بأبناء كبار رجال الدولة، الذين أعدت لهم لجان بعيدا عن بقية الطلاب لدواعي أمنية خشية استهدافهم من الجماعات الإرهابية، لكنهم استغلوا الأمر في الغش الجماعي والاستفادة القصوى على حساب باقي طلاب مصر، والأمر نفسه حدث في لجان متفرقة في محافظات جنوب مصر لم يستطع المراقبين السيطرة عليها وحدث التسيب والغش الجماعي مثلما جرى في لجان أبناء الكبار!!

مع كل مشكلة تحدث في البلد يتحول الجميع إلى خبراء، ويضعون الحلول منطقية كانت أو غير قابلة للتنفيذ، وفي أزمة تسريب اختبارات الثانوية العامة وإجاباتها النموذجية، ظهرت مجددا فكرة الامتحانات "المشفرة مائيا" لأنها غير قابلة للتصوير وبالتالي يصعب تسريبها الكترونيا، لكن نسى أصحاب المقترح أن المشكلة ليست في صفحات الغش الإلكتروني التي تنشر الامتحانات والاجابات، بل في قيادات الوزارة وواضعي الامتحان ومعهم أيضا المشاركون في طباعته ونقله وتوزيعه على اللجان، وبعض هؤلاء يسرب الامتحانات إلى صفحات الغش الإلكتروني، أو يبيعها بمقابل مادي كبير لمن يريد إحداث مشكلة في البلد، لذلك اعترفت الوزارة أن التسريب يتم من داخلها.. ولا حل لهذا الأمر إلا بتطهير الوزارة من "الإخوان" والفاسدين وأصحاب الأجندات وتصعيد قيادات وطنية شريفة حريصة على مصلحة البلد ومستقبل الطلبة وإقرار العدالة والمساواة حتى لا يضيع جهد من تعب واجتهد طوال العام أمام من جاءه الامتحان والإجابات على الجاهز.

الجريدة الرسمية