رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أنــــا وكلــــب الجيــــران


تعلمنا أن الحرية تنتهى عند المنطقة التي نتسبب عندها في إيذاء الآخرين، غير أنه منذ خمس سنوات أو يزيد لم يعد لهذا المعنى وجود في مصر، وأصبح أحد تداعيات الفوضى التي أفرزتها مرحلة ما بعد مصر الثورة أن يعتقد كل مواطن أن من حقه فعل أي شيء، من ذلك مثلا، اعتقاد البعض أن تربيته لكلب يصدر صوتا مزعجا يؤذى به جيرانه من صميم حريته.


في المكان الذي أعيش فيه والذي تحول من "كمبوند" إلى عشوائيات بفعل الفوضى التي طالت كل شيء فيه، والذي كان يضم الطبقة المتوسطة القادرة، على أن تدفع ما يقرب من نصف مليون جنيه ثمن الشقة في السابق، كان بناء قطعة الأرض مساحة الـ 1000 متر يتم بواقع 4 أدوار كل دور 4 شقق، وكانت مساحة أصغر شقة لا تقل عن 200 متر، وفى دولة الفوضى وغياب القانون وفساد المحليات التي أصبحنا نعيش فيها، أصبح يتم بناء 7، 8 أدوار على 8 شقق لنفس المساحة، بل وصل الأمر إلى بناء شقق فوق الأسطح كالعشوائيات تماما، بما يعنى تقلص مساحة الشقة وانخفاض سعرها للنصف، وبالتالى إنفتح المجال لفئات جديدة أقل مستوى ومنهم طبقة "الحرفيين الجدد" الذين يمتلكون سيارات فارهة لكى يفدوا للسكن في هذا "الكمبوند سابقا".

في قطعة الأرض الفضاء المقابلة لنا، تم البناء في أقل من عام وفقا للنظام الفوضوى الجديد، عمارة تضرب بارتفاعها في عنان السماء، شقق ضيقة وأدوار مخالفة، وجاء جار جديد من منطقة شعبية يعمل في مهنة حرفية ويعبر عن طبقة الوافدين الجدد ليتملك شقة بالدور الأرضى، بعد أن كان الدور الأرضى سابقا مخصصا للفيلات الدوبلكس فقط، جاء الرجل ومعه كلب صوت نباحه يدوى في الفضاء كميكروفونات الأفراح الشعبية، وضعه في المنطقة الفضاء بين باب شقته وسور العمارة في نفس مستوى الأرض، وهو من نوع الكلاب الذي لا يتوقف نهارا وليلا عن النباح، تقريبا 24 ساعة إلى حد يصيب أي إنسان بالفزع والاشمئزاز والقرف.

ولأن صوت الكلب أصبح يصيبنى بالاستفزاز، بدأت حوارًا مع جار "جديد" في العمارة المقابلة، في محاولة لإقناعه بأن هذا الكلب مؤذ بنباحه الدائم ومزعج بصوته للجيران وبلا فائدة وأضراره علينا كبيرة نفسيا وبدنيا، وأنه لا داعى للإبقاء عليه ويجب التخلص منه.

نفس هذا الساكن الجديد بالمناسبة كان قد تسبب فور مجيئه للسكن في حرق جميع الأجهزة الكهربائية لجميع سكان عمارتى والعمارة المجاورة لأنه سحب كهرباء بطريقة غير مشروعة من "البوكس" الموجود بالشارع، وارتفع فولت التيار وتسبب في الحرق، وهذا أيضًا أحد أوجه "مصر الفوضوية" التي أتحدث عنها.

المهم أن الرجل قال لى إنه لا يستطيع التخلص من هذا الكلب لأنه –على حد قوله- يحميه من السرقة، ثم أنه عزيز عليه لأنه "مربيه من صغره"، قلت للرجل إنه لا توجد سرقات، وحتى من ينوى السرقة لن يمنعه الكلب من ذلك، وفتحت معه الباب لحلول وسط تهدف لتقليل الإزعاج، من بينها تركيب "كمامة" على فم الكلب، أو إنشاء غرفة كاتمة للصوت له، غير أن الحوار انتهى إلى لاشيء.

مع عدم تجاوب الرجل، بدأت أقود حملة لدفع جيرانى المتضررين للحديث معه حتى يشعر بأن هناك إجماعًا على الضرر، وبالفعل تحدثوا معه وترجوه بالمعروف وتوسلوا إليه كثيرا دون جدوى.

ومرت 4 شهور ومازال الكلب ينبح ليزيدنا غيظًا وقرفًا، ومازلنا نحن المتضررين نخبط رأسنا في الحيط من واقع مؤلم في دولة أصبحت الحرية فيها هي المرادف للفوضى وإيذاء الآخرين.
Advertisements
الجريدة الرسمية