رئيس التحرير
عصام كامل

أمريكا تنقل نشاطها.. أقصى الشرق!

متابعة المسرح السياسي الدولى تحقق للمشاهد متعة تعادل ما يحصل عليه من إشباع درامي تمثيلي، إن لم تتفوق عليه قراءة الدراما السياسية الدولية، ما بين الشرق الأوسط، والشرق الأقصى، وشرق أوروبا، تتيح للمتابع والمعنى بهموم الوطن والمنطقة أن يتنبأ بمناطق التوتر البديلة للمنطقة الأم وهي بالطبع الشرق الأوسط، وبالذات العرب منها وفيها وهكذا يمكن فهم قرارات ونقلات قطع الشطرنج ما بين موسكو وواشنطن وبكين.


نقل النشاط من بؤرة التوتر المزمنة -منطقتنا- إلى بؤر بديلة كانت مؤجلة، فى جنوب شرقي آسيا، والمحيط الهادى، لا يعنى انتهاء الاهتمام بالنفط والإبقاء على إسرائيل قوية بقوة العرب مجتمعين، بل أقوى منهم كلهم..

تذهب أمريكا إلى جنوب شرقي آسيا للتحرش بالصين، كما تذهب وتتمرس فى أوكرانيا على الحدود مع روسيا، وهى مطمئنة تماما أن ربيعها العربي حقق تكسيحا كاملا لقدرات أربع أو خمس جيوش عربية، وأن بقية الدول العربية منخرطة في وساوس قهرية من موجات تغيير خماسينية عنيفة.

ربما لن تأتي هذه الموجات، لكن يكفي سقوط المخ السياسي في تلك البلدان أسير الخوف من الفكرة.. وهذا هو الهدف تذهب الولايات المتحدة الى بحر الصين الجنوبى، بأساطيل، وتكنولوجيا عسكرية استفزازية، كما تذهب إلى محيط روسيا وحدودها بمنصات وحشود ووكلاء وأموال ومعدات، وهى مطمئنة تماما أنها زرعت وكلاء الفوضى من تابعيها تسميهم نشطاء حقوق الإنسان.

أمريكا وروسيا والصين
لن تخرج أمريكا إذن من الشرق الأوسط، فهي تجري حوارا إستراتيجيا مع العراق أبدت فيه رغبتها في عدم الخروج منها تحت مظلة ما تسميه بالشراكة الاستراتيجية.. وهى موجودة فى سوريا لحماية الأكراد من أردوغان الذي تستعمله لحماية حكومة كابول ومطار كابول بعد الانسحاب المخزي للقوات الأمريكية من أفغانستان.

نقل النشاط من الشرق الأوسط إلى أقصى الشرق والجنوب الآسيوي، معناه إدراك إدارة بايدن أن اهتمام سلفه ترامب بالخطر الصيني الاقتصادي والعسكرى لم يكن عشوائيا كشخصية ترامب، بل هو خطر حقيقي محدق بالولاية الأمريكية على العالم. لم تذهب أمريكا إلى الشرق الآسيوى إلا بعد إعادة وتعزيز التحالف مع أوروبا، وتأكيد التضامن الغربى فى مواجهة الاكتساح الاقتصادي الصيني، والطفرة المرعبة فى التكنولوجيا العسكرية الصينية. تعرف أوروبا أنها لدغت بقسوة من كورونا المنسوبة إلى الصين، ونزف الاقتصاد الأوروبي نزيفا مستمرا، بينما واصلت معدلات النمو ارتفاعها في الصين.. الوحيدة في العالم!

الخطر الاقتصادى الصينى وحد أوروبا وواشنطن معا، ثم هنالك خطر التحالف الوثيق بين بكين وموسكو، وضرورة مواجهته. لا تتوقف واشنطن ولا الإتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات على روسيا لخنق اقتصادها.. ولا تتوقف روسيا عن الدفع بقواتها على الحدود الروسية الاوكرانية. تبدو موسكو متنبهة إلى الاستراتيجية الامريكية حولها وهي ذات الاستراتيجية التى أسقطت بها واشنطن الاتحاد السوفيتي ومزقت أوصاله دولا.. متناحرة.. لم ينج منه إلا الاتحاد الروسي بفضل قيادة ووعي الجنرال فلاديمير بوتين.

هل اهتمام بايدن بالشرق الأقصى وجنوب آسيا مرتهن ببقائه.. أم باستمرار التحدي الصيني الروسي؟ هل يتحقق ذلك على حساب تأمين دول عربية حليفة؟
لا شيء يبقى على حاله فى السياسة.. لأنها موجات متغيرة من المصالح.
الجريدة الرسمية