رئيس التحرير
عصام كامل

آبي.. المفتري علينا (2)

اختيار الحزب الحاكم أو "الجهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية" لآبى أحمد رئيسا للوزراء، كان تطورًا نوعيًّا معاكسًا ومخالفًا لقواعد اللعبة السياسية الجارية هناك منذ عشرات السنين.


ومنذ سقوط منجستو هيلي ماريام الرئيس الإثيوبي الذى كان متحالفًا مع الاتحاد السوفييتى فى مايو 1991 ونفيه إلى زيمبابوي، فإن النخبة الحاكمة كانت تأتي من قومية التيجراي التي تمثل الأقلية فى إثيوبيا، ويطلق عليهم سكان الهضاب العليا، أو "الهاي لاندرز"، فى حين أن قومية الأرومو، أو ما يطلق عليهم سكان المناطق السفلية أو "اللو لاندرز".

هؤلاء ينحدر منهم آبى أحمد، فى حين أن سلفه هيلي ماريام ديسالين كان أول رئيس وزراء يأتي من الجنوب من قومية "الواليتي". ويرى الأرومو أنهم الملاك الحقيقيون للعاصمة "أديس أبابا" لأن معظم المنشآت الجديدة مقامة ومشيدة على أرض تعود تاريخيًّا إليهم منذ قديم الزمان.

آبي.. المفتري علينا (1)
هذا الخلاف على الأرض تسبب فى تفجر مظاهرات واضطرابات كثيرة فى الشهور الأخيرة، قادت فى النهاية إلى إقالة ديسالين، واختيار آبى أحمد على حساب نائب رئيس الوزراء من قومية التيجراي الذي كان ينافسه.

الصراع القبلي هو التحدي الأكبر الذي يواجهه آبي، فطبقا للتقديرات هناك 80 قومية (شعب) ومجموعة عرقية وثقافية، في مقدمتهم الأورومو أو "الغالا" ويشكلون أكثر من 40% من الشعب، ومعظمهم من المسلمين، ويقولون إن نسبتهم الفعلية تزيد عن 60%، ثم هناك نحو 27% من قومية الأمهرا، و7% من قومية التيجراي، ورغم ذلك يسيطرون على غالبية المناصب المهمة فى الدولة، سواء فى السياسة أو القوات المسلحة.. لكن الحزب الحاكم يضم أعضاءً بارزين من غالبية القوميات بطبيعة الحال.

آبي أحمد يبدو متعجلًا ومندفعًا لتحقيق أهدافه، فى حين أن القوى المناوئة له كثيرة.. منها ما صنعه هو بنفسه، مثل اعتداءات جيوشه على الحدود السودانية، فضلا عن دأبه على استفزاز مصر!!

إثيوبيا مصنع للقوميات، والخلافات والتباينات والمشكلات هناك كثيرة، وقد تنفجر فى أى لحظة. وعندما يأتى شخص مثل أحمد ويشتبك مع قوى كثيرة متنفذة، فالمخاطر ستكون بلا حدود.

وجاء مقتل مدير السد سيمجنيو بيكيلى اواخر شهو يوليو الماضى، ليزيد المشكلات، خصوصا أن آبى شكَك فى قدرة بلاده على إنجاز السد، رغم أن البعض يرى أن هذا التشكيك هدفه إصلاح الأخطاء حتى يتم استكمال السد، الذى ينظر إليه كثير من الإثيوبيين باعتباره «مشروعا قوميا جامعا»!. وفى هذا الصدد فقد جرت قبل ذلك محاولة لاغتيال آبى نفسه فى وسط أديس أبابا فى 23 يونيو الماضى.

حملة "داعش" على الرسول !!
ثالث المخاطر أن هناك ما يشبه الصراع الإقليمى من قبل قوى مختلفة على القرن الإفريقى، خصوصا فيما يتعلق بالحصول على المواد الخام والسيطرة على الموانى، وأخير الدور الخليجى البارز أخيرا، وكان لافتا للنظر أن المصالحة الإثيوبية الإريترية الجيبوتية قد تمت فى جدة بالسعودية، وبدعم كامل من الإمارات المتحدة.

وفي السياق، ذكرت شبكة "دويتشه فيله" الألمانية أن إثيوبيا مهددة بالتحول إلى دولة فاشلة، حيث إن تأجيل الانتخابات والتوترات العرقية تقوض الأجندة الإصلاحية لرئيس الوزراء آبي أحمد الذي يحاول تلميع صورته أمام الغرب بينما يتجاهل مشكلات الداخل.

وأشارت الشبكة، في مقال رأي كتبه لودجر شادومسكي، رئيس الخدمة المقدمة باللغة الأمهرية في دويتشه فيله، إلى أن الإثيوبيين تلقوا مفاجأة كبرى، ليس بسبب سوء الخدمة التي اعتادوا عليها منذ فترة طويلة، لكن لأنهم سمع صوت آبي يروج لخطة البلاد لزراعة 20 مليار شجرة بحلول عام 2024، وهو مشروع طموح لإعادة التشجير يسلط الضوء مرة أخرى على سمعة إثيوبيا كواجهة إفريقية.

وأوضح الكاتب أن ما فعله رئيس الوزراء الإثيوبي ربما يكون حملة علاقات عامة كبيرة في العلاقات العامة للمجتمع الدولي، لكنها لم تكن جيدةً مع العديد من الإثيوبيين في المنزل الذين تساءلوا بسخرية عما إذا لم يكن لدى آبي أحمد مشاكل أخرى أكثر إلحاحا لمعالجتها من زراعة الأشجار؟!
الجريدة الرسمية