رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل تسقط الحقوق بالتقادم في الشريعة الإسلامية ؟ الإفتاء تحسم الجدل

دار الإفتاء
دار الإفتاء

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه “ أرجو إعطائي شهادة تفيد برأي الشريعة في حالتي، وهي أني اشتريتُ في عام 1977م دَورًا كاملًا في مبنى، واشتريت في عام 1994م غرفتين وحمامًا ومطبخًا بالدور الأرضي من نفس المبنى، وعند قيامي بإجراءات التسجيل قاموا برفض التسجيل، وقيل لي: إن العقد مضى عليه أكثر من 15 عامًا، وأنا على يقين من أن الشرع يخالف هذا الرأي؛ لأني أعتقد أن من حقي امتلاك ما قمت بشرائه حتى ولو مضى عليه أكثر من 15 عامًا. لذلك أرجو من معاليكم إعطائي شهادة تفيد رأي الشرع في هذا الموضوع”، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:

نهى الله تعالى عن أكل أموال الناس بالباطل فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].


وأخرج الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ ظَلَمَ قيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».


وروى الإمام أحمد والدارقطني والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ منه».

هل تسقط الحقوق بالتقادم في الإسلام

ومن القواعد الشرعية المقررة أن الحقوق مصونة شرعًا، وأن الحقوق متى ثبتت لا تسقط عن صاحبها بمرور الزمان، كما أن الغصب وسلب أموال الغير لا يثبت الحق للمغتصِب بمرور الزمان.


يقول العلامة ابن نجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" (ص: 188، ط. دار الكتب العلمية): [الحق لا يسقط بتقادم الزمان: قذفًا، أو قصاصًا، أو لعانًا، أو حقًّا للعبد] اهـ.


غير أن هناك فارقًا بين الثبوت والإثبات؛ فإن الحق ثابت في نفسه، لكنه يحتاج في إثباته إلى البينات أو القرائن التي تجعل نسبته إلى صاحبه غير مطعون فيها، وليس ذلك متعلقًا بثبوت الحق من حيث هو، وإنما هو منصبٌّ على شروط سماع الدعوى بإثباته، ولذلك وسائلُ رتَّبها القانون ورسم خطواتها للحد مِن التلاعب والاحتيال والغصب في الملك العام أو الخاص، ومن المقرر شرعًا أن تصرفات الحاكم مَنُوطة بالمصلحة؛ ولذا فله تقييد المباح.

أحكام الحقوق في الإسلام 

وهذا ما عبر عنه بعض الفقهاء بالتقادم في رفع الدعوى والمنع مِن سماعها قضاءً؛ حيث جعلوا الإعراض المديد عن رفع الدعوى والترك المتطاول لها مع التمكن من إقامتها قرينةً وشاهدًا على عدم الحق ظاهرًا؛ لأن العادة جارية بأن الإنسان لا يسكت عن حقه مدة طويلة من غير مانع حسي أو معنوي، فتكون المطالبة بعد مضي هذه الفترة الطويلة محل تهمة؛ فإن من شروط صحة الدعوى أن تنفك عما يكذبها عرفًا وعادة، وليس ذلك مسقطًا للحق في نفسه؛ فإن الحق إذا ثبت لم يسقط بحال؛ فالكلام هنا في الإثبات لا في الثبوت.


ثم إن هذا المنع من سماع الدعوى ليس قاطعًا في عدم ثبوت الحق، وإنما هو ظن غالب بحيث إذا أقر الخصم به لزمه الحق.


وقد اختلف الفقهاء في تحديد مدة التقادم بحسب الأحوال، وبحسب الشيء المدَّعَى به، وبحسب القرابة وعدمها، ومدة الحيازة، والصحيح مرجعها إلى اجتهاد القاضي في ملابسات كل قضية.


ولا تسقط الدعوى بالتقادم إلا بعد أن يغلب على ظن القاضي علم المدعي بذلك، وأنه لا يوجد مانع للمدعي من المطالبة طيلة هذه الفترة.


يقول العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (7/ 228، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال ابن الغرس: وفي "المبسوط": رجل ترك الدعوى ثلاثًا وثلاثين سنة، ولم يكن له مانع من الدعوى ثم ادَّعى: لم تُسمَع دعواه؛ لأن ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرًا. اهـ، وقدمنا عنهم: أنّ مِن القضاءِ الباطلِ القضاءَ بسقوط الحق بمُضِيِّ سنين، لكن ما في "المبسوط" لا يخالفه؛ فإنه ليس فيه قضاء بالسقوط، وإنما فيه عدم سماعها، وقد كثر السؤال بالقاهرة عن ذلك مع ورود النهي من السلطان -أيده الله- بعدم سماع حادثة لها خمسة عشر، وقد أفتيت بعدم سماعها عملًا بنهيه اعتمادًا على ما في خزانة المفتين. والله أعلم] اهـ.


وقال العلامة ابن عابدين في "العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية" (2/ 4، ط. دار المعرفة): [اعلم أن عدم سماع الدعوى بعد مضي ثلاثين سنة أو بعد الاطلاع على التصرف ليس مبنيًّا على بطلان الحق في ذلك، وإنما هو مجردُ منعٍ للقضاة عن سماع الدعوى مع بقاء الحق لصاحبه؛ حتى لو أقر به الخصم يلزمه، ولو كان ذلك حكما ببطلانه لم يلزمْه، ويدل على ما قلناه تعليلهم للمنع بقطع التزوير والحيل كما مر فلا يرد ما في قضاء الأشباه من أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان.. وليس أيضًا مبنيًّا على المنع السلطاني.. بل هو حكم اجتهادي نص عليه الفقهاء] اهـ.


وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: إذا كان الحال كما ورد به فما دمت لم تسجل عقد البيع وقتذاك ولم تسكن به، فإن عليك عبءَ إثبات صحته بالبينات والقرائن التي لا معارض لها، وذلك بكافة وسائل الإثبات المتاحة لديك، والأمر في النهاية موكول إلى قاضي الموضوع ليقدر مدى توافر شروط المطالبة وانتفاء موانعها، خاصة إذا كان هناك نزاع مع أطراف أخرى.

Advertisements
الجريدة الرسمية