رئيس التحرير
عصام كامل

عروس النيل.."إيجيبتوس" قدم ابنته كذبيحة للنهر لتجنب غضب الآلهة.. والمصريون استمروا فى التضحية بعذراء جميلة كل عام

عروس النيل - صورة
عروس النيل - صورة تعبيربة
منذ قديم الأزل والمصريون يقدسون النيل، وضعوه فى مرتبة الآلهة، سمى بـ«حابي»، ولم لا وهو واهب الحياة لشعب وادى النيل! ولهذا اختفلت الطقوس التى تعطيه قدره وتحتفل به، على امتداد الأزمنة بمقاييس مصر القديمة، منها ما هو أسطورى مثل قصة عروسة النيل التى لا تزال من موارد البهجة بين المصريين كلما أتى ذكرها.


إيجيبتوس

يتداول المصريون هذه القصة منذ آلاف السنين، وبتتبع مصادرها نجد أن أول من تحدث عنها هو المؤرخ اليونانى «بلوتارخ» خلال الحكم اليونانى لمصر، الذى روى قصة عن ملك يُعرف باسم إيجيبتوس قدم ابنته كذبيحة للنيل لتجنب غضب الآلهة، ومنذ ذلك الحين بدأ المصريون فى التضحية بفتاة عذراء من أجمل فتياتهن كل عام وفاء للنيل.

تتزوج العذراء الجميلة من إله النهر، ويختتم يوم زفافها بحضور عدة آلاف من المهنئين بالخير، حيث تترأس الفتاة موكبا كهنوتيا ضخما بملابس غنية وينتهى العرس بإلقائها فى النيل.

ومع أن المصادر التاريخية تجد صعوبة كبرى فى التعرف على ملك بهذا الاسم، وغالبا هى شخصية أسطورية لا أساس لها فى الواقع، إلا أن المصريين يرددونها باقتناع تام لأهمية النيل على مر الأجيال بالنسبة لهم.

تقاليد فرعونية

ولا يتفق الكثير من علماء المصريات مع وجود تقليد مصرى قديم يتمثل فى تقديم فتاة عذراء جميلة قربانا إلى نهر النيل كل عام من أجل حثه على إنتاج فيضان جديد والبعض يؤكد أنه خطأ تاريخى، ولا سيما أن بعض المستشرقين استغلوه لتشويه صورة المصريين القدماء، الذين كرهوا بطبيعتهم العنف وتوارث أحفادهم طباعهم السلمية حتى اليوم.

روايات موثقة
لكن التنقيب عن القصة فى الروايات التاريخية الإسلامية ربما يعطى دلائل عليها، إذ تكشف الروايات الموثقة أن الممارسات المتعلقة بالاحتفالات المصرية القديمة بما فيها طقوس النيل توقفت بعد دخول الإسلام مصر مباشرة بأمر من الخليفة عمر الخطاب، الذى حظر تماما ممارسة أي عادات قديمة لاتتماشى مع المبادئ الإسلامية فى كل البلدان التى طالها الفتح الإسلامى.

يقول المؤرخ المصرى تقى الدين المقريزى فى كتابه المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف باسم خطط المقريزى أو الخطط المقريزية أن الجيوش العربية عندما دخلت مصر بقيادة القائد عمرو بن العاص مصر، طلب المصريون التمسك بالطقوس السنوية قبل ذلك الوقت من الفيضان، وعندما أحال ابن العاص الطلب إلى الخليفة، بعث الأخير برسالة إليه وطلب منه إلقاءها فى النيل بدلًا من ذلك.

أضاف المقريزى: كانت الرسالة تحتوى على كلمات بها دعاء إلى الله لإحداث الطوفان، وقيل إن دعاء الرسالة أدى إلى زيادة حجم النيل بين عشية وضحاها إلى 16 ذراعا، وهى معجزة أقنعت المصريين لبعض الوقت بالتخلى عن العادة القديمة.

ما قاله المقريزى، أكد عليه المؤرخ المصرى ابن ياس، الذى روى القصة بطريقة أخرى، وقال إن النيل لم يرتفع إلى مستواه بعد تأسيس الفسطاط، فناشد المصريون الحاكم عمرو بن العاص للسماح لهم بتقديم مثل هذه الضحية إلى النهر.

التاريخ الإسلامي
عمرو رفض ولكن عندما ظل النيل عند مستواه المنخفض وبدأت أشباح المجاعة تهدد الأرض، فقام عمرو بإطلاع الخليفة عمر بن الخطاب على الوضع، وعاد رسوله برسالة وأمر بإلقائها فى النيل.

فى الليلة التالية وصل النيل إلى المستوى المطلوب ليكشف عمرو عما جاء فى رسالة أمير المؤمنين، وهى: «إلى النيل المبارك من مصر، إن لم تتدفق حتى هذا الوقت إلا بإرادتك فتوقف عن التدفق؛ ولكن إذا كان جدولك مطيعًا لأمر الله العلى، فإننا نطلب من الله أن يمنحك الزيادة اللازمة".

ورغم هذا الالتزام الصارم بالأسس الإسلامية فى دولة الخلفاء الراشدين، إلا أن الدول الإسلامية اللاحقة، وخاصة التى ازدهرت فيها الفنون والثقافة، أعادت الاحتفالات المصرية بالنيل، وبشكل خاص أيام العباسيين والمماليك.

شهدت احتفالات عروس النيل خلال هذه الحقب رواجًا كبيرًا لكن بطريقة أخرى، إذ تعامل المماليك بشكل مختلف مع فيضان النيل، وقدموا عروسًا من الطين إلى النهر، تيمنًا بالقصة الفرعونية الشهيرة المتداولة عن عروسة النيل.

المثير أن هذه الأسطورة ساهمت فى تدعيم السياحة المصرية على مدار أزمنة متتالية، وكان السياح يأتون من كل مكان لمشاهدة النيل، ويتخيلون الموكب الضخم لأجمل الفتيات المصريات وهن يقدمن أنفسهن قربانا للنيل للزواج والإنجاب من آله الخير والسلام، لتبقى الأسطورة حتى الآن بغض النظر عن صحتها من عدمه، شاهدة على احترام المصريين وتوقيرهم ورغبتهم فى افتداء واهب الحياة لهم بأرواحهم.

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية