رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

موسى والخضر (2)

عزيزي القارئ نستكمل حديثنا عن قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر عليهما السلام.. بعد الرحلة الشاقة المجهدة التى مر بها  سيدنا موسى عليه السلام بحثا عن رجل الحقيقة صاحب العلم اللدني، وهو العلم المباشر من لدن الحق سبحانه وتعالى..

 

وهو العلم المشار إليه بالعلم الرباني أو علم التجليات والمعارف والبواطن والحقائق وهو علم القلوب، يمنح من الله تعالى على أثر التجلى الرباني بالإلهام.. بمعنى أن الله تعالى يلقي في قلب العبد وسريرته ما شاء من العلم ويرزقه فهمه وهو صورة ومظهر من صور ومظاهر الوحي الإلهي، وهو خاص بأهل الاجتباء والاصطفاء الإلهي من أهل محبة الله تعالى وولايته وسره..

 

والفرق بين العلم اللدني أو وحي الإلهام والتجلي وبين وحي التشريع والرسالات التي خص بها أهل النبوة وأصحاب الرسالات، أن وحي الرسالات السماوية يتم بواسطة الأمين جبريل عليه السلام وهي متعلقة بالإيمان بالله تعالى وأوامره ونواهيه عز وجل وحدوده وأحكامه وتعاليمه، والغاية منها الإيمان بالله تعالى وتوحيده وعبادته وطاعته سبحانه وإقامة منهجه وشريعته، وبالالتزام بها تستقيم حركة الإنسان في الحياة..

 

اقرأ ايضا: الحكمة ضالة المؤمن

 

أما العلم اللدني فهو يكون إلهاما مباشرا من الله تعالى بلا واسطة، وهذا العلم حاوي وجامع للأنوار  والمعارف والأسرار والحقائق وبواطن الأمور، ومن المعلوم أن لكل شئ ما يقابله.. فيقابل علم الظاهر  وهو علم الشريعة الذي يخاطب العقول علم الباطن وهو علم الحقيقة وهو العلم الذي يخاطب القلوب وأصحاب هذا العلم هم أهل الحقيقة والسر، وهم أهل الوظائف الباطنة وهم أهل التصريف في الأرض بتكليف باطن من الله عز وجل..

 

ومنهم ما يسمى بالقطب الفرد الجامع وهو الوارث في الباطن لعلوم النبوة ومنهم الأوتاد والأبدال والأقطاب والنجباء، وسوف أفرد مقالا عن هذه الوظائف التي قد لا يعرفها الكثير من الناس، والتي ينكرها البعض لجهله بها.. وحتى لا أطيل نعود إلى قصتنا، بعدما تم اللقاء بين موسى والخضر وطلب موسى صحبة الخضر كي يتعلم منه فقال الخضر له: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} ..

 

وربما يسأل سائل هنا: من أين جاء للخضر عليه السلام العلم أن سيدنا موسى لن يصبر على صحبته وإتباعه؟، الإجابة: لسيدنا الخضر نور يمشي به في الناس يسمى بنور البصيرة.. يقول تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}.. وفي الحديث: (إتقي  فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله)..

 

اقرأ ايضا: بين الكفر والإيمان كلمة

 

وسيدنا الخضر سوف يأتي بأمور خارقة وخارجة في الظاهر عن علم ومنهج الشريعة والرسالة المكلف بها سيدنا موسى في الظاهر، وفي نفس الوقت الخضر يعلم أن سيدنا موسى سيصاحبه بمنهج شريعته وليس بسر ولايته، وهذا من كمال سيدنا موسى..

 

بمعنى، أن ما من نبي إلا وهو لله تعالى ولي وله نوره وسره ومعارفه إلا أنه لا يخرج عن دائرة التكليف وحكم الظاهر.. من هنا نقول أن سيدنا موسى لم يصاحب سيدنا الخضر بسر ولايته وإنما صاحبه بمنهج شريعته، ومن هنا قدم سيدنا الخضر العذر لسيدنا موسى فقال بعدما قال:{إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}.. أي من ليس له علم في شريعتك.. نستكمل القصة..

 

هنا قال سيدنا موسى: {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}.. هنا أخذ سيدنا الخضر العهد على سيدنا موسى على أن لا يسأله عن أمر حيث يحدثه الخضر به: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}..و بدأت الرحلة والصحبة.. يقول سبحانه:{فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا}.. أي سيدنا الخضر.. قال سيدنا موسى معترضا ومنكرا لفعلة الخضر: {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} ..

 

اقرأ ايضا: من شروط وآداب الدعاء

 

أي منكرا فيه إفساد وأذى وضرر.. تبسم الخضر وقال: {أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}.. هنا إعتذر سيدنا موسى وقال: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}.. أي أعذرني ولا تصعب علي الأمر.. نتوقف هنا ويستكمل بمشيئة الله تعالى القصة في المقالات التالية

Advertisements
الجريدة الرسمية