رئيس التحرير
عصام كامل

العنصرية فى مفاصل العقل الأمريكى!

"لدى حلم" كان شعار مارتين لوثر كينج، فى كل مكان كان يطالب بالحرية للسود فى أمريكا، "لدى حلم" أن ينال الزنوج حقوقهم بالمساواة مع البيض، "لدى حلم" بسببها وقف العالم مشدوها لهذا الزنجى الذى أشعل الحياة وعالم أمريكا القائم على العنصرية، فكان لابد أن يموت..

 

وتم اغتياله فى عام 1963 والقبض على قاتله لكن بعد خمس سنوات اعترف بجريمته وبعدها بعشر سنوات من القبض عليه أى فى 1978، أقسم بأن اليمين المتطرف هو من دفعه لقتل مارتن لوثر كينج، ولكن لم يسمعه أحد، وبعد خمسة وخمسين عاما من اغتيال الزعيم التاريخى للزنوج أو السود فى أمريكا صرخ فلويد "لا أستطيع أن أتنفس" فاشتعلت الشوارع كما حدث بعد اغتيال مارتين لوثر كينج..

 

وكما كتبت مع مجىء أوباما رئيسا، "أمريكا هى هى" لن تتغير، العنصرية فى مفاصل المجتمع، كانت هناك أماكن من مطاعم وأحياء ممنوعة عن السود، وحتى الآن، العنصرية تجرى فى عروقها مجرى الدم فى الوريد.

 

اقرأ أيضا: فشل نصف قرن وليس ابن تيمية!

 

ما سبق لن يمنعنى أن أكتب عن موضوع قررت الكتابة عنه، مسلسل "ابوحنيفة النعمان" ليس كأى مسلسل، ولكنه مشروع لتطوير أو تجديد الخطاب الدينى، المسلسل كتبه الراحل الدكتور بهاء الدين إبراهيم وأخرجه المخرج الراحل حسام الدين مصطفى، بطولة العملاق محمود ياسين، يمتاز المسلسل بسيناريو وحوار وتماسك فى الخط الدرامى، لو أن حلقة لم تشاهدها ينقصك الكثير..

 

المسلسل ليس حدوته نستمتع بوقت ونحن نتابع أحداثها، ولكنها بعيدا عن إبداع وتفوق كل الفنانين الذين شاركوا فى العمل على رأسهم العملاق محمود ياسين إلا أن العمل قدم صورة من الماضى، فجعلنا نعيش عصر الأمويين، ثم العباسيين، جعلنا نرى الصراع السياسى فى أعنف صوره، أحيانا يلتحف بالدين، وأخرى بحكم القرابة إلى سيدنا رسول الله..

 

حالة من الصراع بين الأمويين من جهة فى المقابل العلويين أبناء الإمام على والسيدة فاطمة، والعباسيين أبناء العباس عم الرسول، ثم يسقط الأمويون فيكون الصراع بين العباسيين الذين حكموا وبين أبناء عمومتهم العلويين!

 

اقرأ أيضا: سد النهضة.. وكورونا.. والغرب متفرجا!

 

وسط هذا الصراع السياسى الدموى العنيف، هناك الإمام ابوحنيفة الذى كان نموذجا فريدا فى إعلان رفضه للظلم، فى عهد الأمويين سجن وعذب وتم نفيه ست سنوات، لرفضه ظلم الأمويين، وبالرغم من تأييده للإمام زيد بن على زين العابدين إلا أنه طالبه بعدم الحرب حقنا لدماء المسلمين، محذرا من وقوع مذبحة أخرى مثلما حدث فى كربلاء مع الإمام الحسين..

 

وعندما سئل عن الخلافة وهل هى وراثة لأهل البيت؟ قال: الخلافة ليست ورثا  لأهل البيت ولكن لمن يختاره المسلمون لمن هو أتقى وأقدر على حفظ المسلمين والإسلام!

 

وعندما حكم العباسيون طالبهم وقف نزيف الدماء وعدم الإسراف فى القتل وعدم قتل أمراء بنىأامية، ولكنهم لم يأخذوا بكلامه، فأعلن المعارضة فى وجه أشد أمراء العباسيين شراسة أبوجعفر المنصور مرات ومرات ورفض أن يتولى منصب قاضى القضاة فى حكم ظالم، واشترط موافقة الخليفة أبوجعفر المنصور أن يقبل أن يتساوى مع أى شاك من المسلمين سواء بسواء..

 

فضاق به المنصور وقذف به فى السجن والتعذيب المبرح، حتى مات أبوحنيفة فى السجن قابضا على دينه حتى ولو كان علي جمر من النار.

 

اقرأ أيضا: الشهيد المنسى.. وغياب الوعى لصناع الفن!

 

الجانب المهم للغاية هو أنأابوحنيفة النعمان لم يسلم عقله لغيره، بل اجتهد فى كل ما وصله حتى اتهم إنه مبتدع، وأنه يتجاوز القرآن ويرفض السنة، وأنه يبتدع مسائل لم تحدث ويجيب عليها، فكان عقلا راجحا،عقلا كله حيوية، وذكاء، وعلم، كانت حلقته حلقة علم وربط بين الحياة والعمل والاجتهاد وايضا التزود بالعلم، لم يجلس معتكفا بعيدا عن الناس وعن الحياة، فكانت له تجارته التى تكسب منها الكثير، ومن مكاسبها كان أول من استحدث التفرغ لتلاميذه فكان يصرف عليهم من أجل توفير الوقت للعلم!

 

أدعو من يطالبون بتجديد الخطاب الدينى مشاهدة المسلسل وعقد حلقات مناقشة حوله، إنه ليس مجرد مسلسل ولكنه دروس للتفكير والوعى بكل شىء، الوعى من رجل الدين، دور رجل الدين تجاه الحاكم، ودور الحاكم تجاه المواطن.

 

حقيقة هذا العمل شاهدته مرات ومرات وفى كل مرة اندهش من سيناريو وحوار العمل واختيار الكلمات، واستخدام الايات القرآنية فى مواضعها الصحيحة، مسلسل بديع من تأليف رجل اخلص للكتابة الدينية هو الراحل الدكتور بهاء الدين إبراهيم وإخراج العبقرى حسام الدين مصطفى قائد العمل المحنك، ومن إنتاج إتحاد الاذاعة والتليفزيون.. أما عناصر العمل الأخرى فهى لا تقل إبداعا، فهو عمل متكامل يستحق المشاهدة وإقامة حوله المناقشات، للاستفادة!

 

ما العلاقة بين مارتين لوثر كينج وفلويد وأبوحنيفة ؟ إنها الانسانية التى سبقت الأديان، وسبقت كل ألوان العنصرية، الإنسان أولا، وثانيا، وثالثا، وأكرر كلمة مارتين لوثر كينج الخالدة "لدى حلم" وصرخة فلويد "لا أستطيع أن أتنفس" وأيضا اللافتات التى رفعها السود "لا أمن للاغنياء بعد اليوم"!

الجريدة الرسمية