رئيس التحرير
عصام كامل

د . نادر نور الدين: الدولة تناست الفلاحين في أزمة كورونا رغم تضررهم من انخفاض أسعار الخضراوات والفاكهة (حوار)

نادر نور الدين
نادر نور الدين

 مصر من أكبر الدول استيرادًا للقمح ورابع أكبر دولة مستوردة للذرة الصفراء للأعلاف في العالم

 نستورد زيوت الطعام كاملة من الخارج وبنسبة تقترب من ١٠٠٪

 الصوبات الزراعية بدأت تعود لدول العالم مرة أخرى بسبب تغيرات المناخ وقادرة على تعويض نقص السلع الإستراتيجية 

قال الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد الزراعية بجامعة القاهرة إن مصر يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية ، مشيدا بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بتحقيق أكبر قدر من الأمن الغذائي طبقا لما نمتلكه من مياه وأراض زراعية.

وانتقد نور الدين فى حوار لـ"فيتو" تناسي الحكومة للفلاحين في أزمة كورونا ، مشيرا إلى أنها صرفت دعما للعمالة غير المنتظمة بينما لم تقدم أي دعم للمزارعين رغم تأثرهم بانتشار الفيروس.. وإلى نص الحوار: 

*كيف يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية؟

في البداية يجب أن نشيد بدور الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وجه بتحقيق أعلى قدر من الأمن الغذائي طبقا لما نمتلكه من مياه وأراضي زراعية وكلاهما محدود ويعتبر الأقل في كل دول منابع النيل ، وكلف الحكومة باتخاذ كافة التدابير اللازمة والعمل على هذا الملف لتحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصل الزراعية.

فمصر من أكبر الدول استيرادا للقمح في العالم بنحو 12.5 مليون طن سنويا ، ولا نستطيع إحداث طفرة أو قفزة لتغطية هذا الكم الكبير ، ولكن من الممكن أن نقلل من الاستيراد تدريجيا لنصل به إلى عشرة ملايين طن ثم ثمانية ثم ستة لنحقق أكبر قدر من الأمن الغذائي ونحقق أقل كمية من وارداتنا من القمح ، ونحن أيضا رابع أكبر دولة مستوردة للذرة الصفراء للأعلاف في العالم.

وربما نصل للمركز الثاني عالميا هذا العام باستيراد أكثر من 9.6 مليون طن ، ونستطيع خفض هذه الكمية إلى النصف ، ولتحقيق قدر كبير من الأمن الغذائي لا بد من استبدال زراعة الذرة البيضاء التي نزرعها حاليا بلا فائدة بالذرة الصفراء التي توفر احتياجات الأعلاف الحيوانية والداجنة حيث تمثل الذرة الصفراء ٧٥٪ من مكونات هذه الأعلاف.

والفجوة الغذائية الثالثة والعميقة هي فجوة زيوت الطعام والتي نستوردها كاملة من الخارج وبنسبة تقترب من ١٠٠٪ من احتياجاتنا على صورة زيوت عباد شمس وزيوت نخيل وزيوت ذرة وزيوت صويا وزيوت خليطة وتزيد وارداتنا على ٣ ملايين طن سنويا ونحتل المركز الخامس عالميا في أكبر الدول المستوردة لزيوت الطعام.

والحل للاقتراب من الاكتفاء الذاتي من زيوت الطعام وتحقيق أكبر قدر من الأمن الغذائي فيه زراعة فول الصويا وعباد الشمس في الموسم الصيفي والذي يسمح بذلك.

*وكيف يمكن التغلب على تلك المشكلات في ظل المساحة المنزرعة؟

مصر تزرع حاليا القليل من القطن ومليون فدان من الأرز وبعض الذرة الشامية وباقي الأرض الزراعية القابلة للزراعة والبالغة أكثر من ستة ملايين فدان بعد استبعاد مساحات زراعات الفاكهة والخضراوات ، ويمكن اقتسام زراعاتها بين الذرة الصفراء للأعلاف ومحاصيل زيوت الطعام حيث إن زراعات فول صويا ستوفر كسبة الصويا اللازمة لمصنعات اللحوم والتي نستوردها من الخارج بأسعار تتجاوز الـ١٠ آلاف جنيه للطن.

كما تساهم كسبة عباد الشمس الناتجة عن عصر بذوره في توفير كسبة غنية وقوية لمصانع الأعلاف وبذلك نكون قد وفرنا كل مكونات الأعلاف التي يشتكي المزارعون من ارتفاع أسعارها وهي الذرة الصفراء وكسبة الصويا وكسبة العباد بالإضافة إلى توفير احتياجات مصانع مصنعات اللحوم من كسبة وبذور الصويا التي تمثل ٥٠٪ من مكونات اللحوم المصنعة وأيضا توفير ٥٠٪ على الأقل من احتياجاتنا من زيوت الطعام.

*وماذا عن السكر؟

السكر نستورد منه نحو ١.٢ مليون طن وبنسبة ٣٢٪ من احتياجاتنا ونستطيع تدبيره بالتوسع في زراعات بنجر السكر وقصب السكر حيث نحتاج لزراعة ١٠٠ ألف فدان من قصب السكر أو ٣٠٠ ألف فدان من بنجر السكر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر تماما وهى متوفرة في الأراضي الجديدة وأراضي الاستصلاح في المنيا ومشروع ترعة السلام غرب قناة السويس وأراضي كفر الشيخ والشرقية والإسماعيلية.

وهناك أيضا فجوة كبيرة حاليا في احتياجاتنا من فول التدميس حيث أصبحنا نستورد نحو ٨٥٪ منه ويمكننا التوسع في زراعته حاليا بعد ارتفاع أسعاره ووصول سعر الكيلو منه إلى ٣٢ جنيها بما يجعل الفدان يعطي عائدا للمزارع يفوق ٢٠ ألف جنيه وهو عائد جيد ، وكل ما نحتاج زراعته 500 ألف فدان فقط من الفول لتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل منه أو حتى نصفه.

والعدس نستورده كاملا من الخارج وبنسبة ١٠٠٪ ونستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل منه بزراعة ١٠٠ ألف فدان فقط نصفها في أراضي الصعيد ونصفها في سيناء والدلتا وهي مساحة صغيرة نستطيع تدبيرها.

*ما مدي نجاح مشروع الصوب؟

مشروع الصوبات الزراعية ناجح ، وبدأت الصوب تعود إلى دول العالم مرة أخرى بسبب تغيرات المناخ والاحترار العالمي حيث قلت الموارد المائية بسبب البخر وارتفاع الحرارة وتملحت وتدهورت بعض الأراضي فكان الحل هو الزراعة المحمية للصوب الزراعية والتي تستهلك ٢٥٪ من المياه وتعطى أربعة أضعاف المحصول مقارنة بالزراعات المفتوحة للحقول.

وتكون الصوب أكثر ملائمة لزراعات الخضراوات الشتوية وبربحية أكبر من زراعتها صيفا بسبب ارتفاع الحرارة داخل الصوبة في حر الصيف وربما تتجاوز ٥٠ درجة مئوية وتحتاج فتحات تهوية ومعامل معينة في الصيف بخلاف الشتاء البارد حيث يكون الجو دافئا داخل الصوب ، وفي العموم مشروع المليون صوبة ناجح جدا وساهم في توفير الخضراوات والفاكهة للتصدير وللسوق المحلي خاصة الخيار والفلفل العادى والألوان والفاصوليا والكنتالوب والبطيخ بما ادى إلى السيطرة على ارتفاع الأسعار.

وعموما ينبغي التنسيق في زراعات الصوبات مع الزراعات المفتوحة للحقول حتى لا يؤدي الإنتاج الوفير إلى انهيار الأسعار خاصة أن تكلفة زراعات الصوب مرتفعة وربما تتجاوز الربع مليون جنيه للصوبة على مساحة فدان.

*ما مدى نجاح مشروع المليون ونصف  المليون فدان؟

مشروع المليون فدان والذي زاده وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال إلى مليون ونصف المليون فدان دون مرجعية علمية ودون حساب ما يتوافر في مصر من مياه ، فقد تم الاتفاق على زراعات مساحات كبيرة منه في غرب المنيا والموغرة (المغرة) وغيرها طبقا لما يتم اكتشافه من مياه جوفية حديثة حيث إن المياه في الوادى والدلتا لا تكفي زراعات الأراضي القديمة والأراضي المستصلحة القديمة ونعاني من عجز مائي صافي يبلغ ٢٢ مليار متر مكعب من المياه ، ولذلك ربطنا الاستصلاح بما يتم اكتشافه من مياه جوفية جديدة ومتجددة وتكفي لزراعة المنطقة المقترحة لنحو ٢٠٠ عام قادمة.

*ما دور الفلاح الفترة القادمة ، وكيف يمكن دعمه؟

دعم الفلاح مهم في هذه المرحلة وفي زمن وباء كورونا حيث أدى إغلاق المطاعم وتراجع السياحة في الفنادق وأيضا العمل في المنازل وتراجع الصادرات بسبب الكساد العالمي إلى انخفاض أسعار الخضراوات والفاكهة وتراجع دخل الفلاح ، وقد رصدت أمريكا ١٩ مليار دولار لدعم الفلاح بسبب أزمة كورونا.

وكنت أرجو للدولة دعم الفلاح المصرى والعمالة الزراعية أيضا كما فعلت مع العمالة الأخرى المؤقتة في معونة مبلغ ٥٠٠ جنيه ، بينما تناست الفلاح كعمالة مؤقتة متضررة وزراعات خاسرة وأغفلت دعم الفلاحين والعمالة الزراعية لتشجيعهم على استمرار الزراعة وتعويضهم عن الخسائر بسبب الوباء وظروف الكساد العالمي وتراجع الصادرات.

*ما المشاريع التي نحتاج لتبنيها الفترة القادمة؟

هناك مشروع مهم أتبناه وأرى أنه يحقق دخلا كبيرا لمصر ، ويحقق أيضا الاستفادة من الأمطار الغزيرة التي تسقط على الساحل الشمالي الغربي من غرب الإسكندرية وحتى مطروح والسلوم وعلي منطقة تضم نحو ٢.٥ مليون فدان من الأراضي المستوية وتتيح لمصر الاستفادة من مياه الأمطار والدخول في عصر الزراعة المطرية خلال فصل الشتاء ، وهو المشروع القومي لزراعة الساحل الشمالي الغربي.

وورد في خاطري فكرة لزيادة إنتاج السلع الإستراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي أثناء قيامي بمهمة عمل في مايو 2020 بالساحل الشمالي الغربي بالقرب من قاعدة محمد نجيب ومشروع الصوبات الزراعية ، ولاحظت على جانبي الطريق أن الأراضي مستوية وخصبة وما زالت تنمو بها العديد من الحشائش رغم انتهاء موسم الأمطار بما يدلل على أن الأمطار وفيرة في هذه المنطقة ، وأن التربة تحتفظ بها طويلا بدليل وجود هذه الحشائش الكثيفة حية وخضراء.

فمن الممكن زراعة هذه الأراضي على الأمطار الشتوية والتي تستمر من نوفمبر وحتى أبريل ويستمر أثرها حتى مايو ، وتكون الزراعة بمحصول الشعير الذي يمكث بالأرض أربعة أشهر فقط وأقل شهرا من القمح ، والأمر لن يكلفنا إلا بذر التقاوي في نهايات أكتوبر ثم تسقط الأمطار فتنبت وتنمو دون رعاية حيث لا يحتاج الشعير أسمدة ولا مبيدات ويتحمل الظروف غير المواتية للتربة من أملاح وجير وصخور ويعطي محصولا وفيرا.

كما أن الشعير أعلى سعرا في الأسواق من القمح ، وأننا نجاور أكبر دولتين مستوردتين للشعير وهي السعودية وتستورد 5 ملايين طن ، وليبيا وتستورد 3 ملايين طن ، وزراعة مليون فدان بالشعير على الأمطار سوف تعطينا من 1.5 إلى 2 مليون طن يزيد سعرها على 400 مليون دولار أي نحو 7 مليارات جنيه مصري من لا شيء ومن أرض مهملة ولم تكن تعطي عائدا.

ويمكن لقاعدة محمد نجيب ورجالها تولي الأمر بزراعة الأراضي المستوية المجاورة لها شرقا وغربا حتى يتم التوسع فيها وصولا إلى مطروح والسلوم بمساحة 2.5 مليون فدان ، وهناك تجارب سابقة خاطئة لزراعتها بالقمح الذي يتطلب أمطارا حتى بدايات مايو بينما الشعير ينضج في أبريل ويتحمل ما لا يتحمله القمح ، والجدير بالذكر أن الزراعة في العالم هي الزراعة المطرية وتشكل 83% من زراعات العالم ، بينما تشكل الزراعة المروية 17% فقط في البلدان التي لا تسقط بها أمطار مثل مصر ويوجد بها نهر أو مياه جوفية غزيرة.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"  

الجريدة الرسمية