رئيس التحرير
عصام كامل

حتمية المشروع العربي في زمن كورونا!

أكدت أزمة كورونا أن المشاريع المختلفة داخل منطقتنا ماز مستمرة في ظل غياب للمشروع العربي، فقبل كورونا كانت هناك ثلاثة مشاريع رئيسية، يتمثل الأول في المشروع التركي الذي يطمح في عودة دولة الخلافة العثمانية..

 

حين احتلت عام 1517 مساحات واسعة من مجتمعاتنا العربية (الشام ومصر والحجاز) لمدة تزيد على أربعة قرون انتهت في 1923 وما زال حلم عودة دولة الخلافة يراود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتشجيع من العدو الأمريكي، وهو ما جعله يتلاعب بالأمن القومي العربي ويهدد مصالح العديد من دول المنطقة.

 

أما المشروع الثاني فهو المشروع الإيراني والذي برز للوجود بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، حيث أوهم العدو الأمريكي العرب بأن الثورة الإيرانية سوف تتمدد وتنتقل إليهم، وبالفعل تورط العراق في حرب الخليج الأولى (1980 – 1988) مع إيران، وبدون مبررات مقنعة حيث ظهر ولأول مرة الخوف من تمدد الثورة الإيرانية إلى المناطق العراقية التي يسكنها أبناء المذهب الشيعي..

 

اقرأ أيضا: الحزن المزدوج في زمن كورونا!

 

ومن هنا ظهرت الورقة الطائفية البغيضة لتصبح الورقة التي يستخدمها العدو الأمريكي لاستبدال العداء العربي الصهيوني بالعداء العربي الإيراني. وخلال الحرب العراقية الإيرانية قامت دول الخليج بالوقوع في فخ العداء مع إيران عن طريق دعمها لصدام حسين، إلا أن العلاقات تحسنت نسبيا بعد حرب الخليج الثانية ( الغزو العراقي للكويت 1990  - 1991)..

 

وفي الفترة الأخيرة ازداد التوتر بعد أن بدأت إيران في تطوير قدراتها النووية حيث لعب العدو الأمريكي كعادته دورا في تزكية الفتنة، حيث أقنع حكام تلك الدول أن امتلاك إيران للسلاح النووي يشكل تهديدا لأمن الخليج..

 

والغريب في الأمر أن هؤلاء الحكام يتعامون عن 200 قنبلة نووية يمتلكها العدو الإسرائيلي ولا يجدون فيها أي تهديد لأمن بلادهم والمنطقة، في حين أن محاولة إيران امتلاك هذا السلاح النووي هو ما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، وهناك من يعتبر دعم إيران لسوريا والمقاومة في لبنان والعراق واليمن جزءا من مشروعها التوسعي في المنطقة.    

 

 اقرأ أيضا: الحرب على جبهات متعددة في زمن كورونا!

 

أما المشروع الثالث فهو المشروع الصهيوني والذي تمتد جذوره منذ نهاية القرن التاسع عشر عندما ازدادت هجرة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين التي كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، حيث قاموا بالاستحواذ على الأراضي العربية من العرب والعثمانيين المعروفين حينها باسم الافنديين.

 

وقاموا بإنشاء مستوطنات زراعية يهودية في محاولة لتغيير التركيبة الديموغرافية التي يغلب عليها السكان العرب، وخلال مرحلة الانتداب البريطانى في مطلع القرن العشرين قامت حكومة بريطانيا العظمى في عام 1917 بالإعلان عن وعد بلفور الذي يؤيد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وهو ما أدى إلى تفاقم الصراع بين أصحاب الأرض العرب وبين اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين خلال الفترة العثمانية.

 

واستمر العداء والصراع لمدة ثلاثة عقود كاملة تمكن العدو الصهيوني من فرض نفوذه على الأرض العربية الفلسطينية بمساعدة السلطات الانتدابية البريطانية التي انسحبت بعد إعلان العدو الصهيوني قيام دولته المزعومة في 14 مايو 1948 ودخلت ستة جيوش عربية  فى حرب فلسطين (مصر– سورية – العراق – الأردن – لبنان – السعودية) ونالت أول هزيمة أمام العدو الصهيوني.

 

اقرأ أيضا: سوريا واليمن وليبيا في زمن كورونا!

 

وكانت نكبة حقيقية حيث انتهى القتال بتوقيع اتفاقية هدنة عام 1949 وسيطر العدو الصهيوني على المنطقة التى كان مفترض أن تخصص للدولة اليهودية وفقا لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1947 تحت رقم 181، بالإضافة إلى أكثر من نصف المساحة المخصصة للدولة العربية الفلسطينية، كما تم الاتفاق على إدارة مصرية لقطاع غزة وأردنية للضفة الغربية، وظل الوضع كذلك حتى قام العدو الصهيوني باحتلال معظم الأراضي المتبقية خلال نكسة يونيو 1967.   

 

وبعد الانتصار العسكري في حرب أكتوبر 1973 دخل العداء والصراع العربي الاسرائيلي مرحلة جديدة تماما، حيث قرر العدو الصهيوني عدم الدخول في مواجهات وحروب كبرى مباشرة على غرار حرب أكتوبر، لكنه سيقوم بعملية جهنمية لإنهاء العداء والصراع عبر عمليات سلام مزعومة مع الدول العربية، فكانت كامب ديفيد  1978، ثم أوسلو 1993، وأخيرا وادي عربة 1994، وبالطبع لم تنه هذه الاتفاقيات عملية الصراع خاصة وأن المشروع الصهيوني لازال مستمرا ويتمدد.

 

وإذا كانت هذه المشروعات الثلاثة بالفعل موجودة داخل منطقتنا قبل كورونا فيجب التسليم بأنها ستظل موجودة في زمن كورونا، وما بعد كورونا، ويجب علينا تحديد موقفنا منها، وهنا يجب التأكيد على أن المشروعين التركي والإيراني هما مشروعان منافسان لنا يحاولان فرض نفوذهما داخل منطقتنا لكنهما جيران لهما حق تاريخي في جغرافية المنطقة..

 

اقرأ أيضا: العالم قبل وبعد كورونا.. والسيناريوهات المتوقعة!!

 

ومشكلتنا معهما أننا لم نتمكن من تكوين مشروع قومي عربي حقيقي يستطيع أن يفرمل ويحجم طموحهما إذا كانت بالفعل لهما أطماع في مجتمعاتنا العربية، أما المشروع الصهيوني فهو مشروع معادي بالدرجة الأولى ومغتصب لأرضنا العربية وليس له أي حق تاريخي في جغرافية المنطقة.

 

لذلك ففقه الأولويات يقول يجب علينا أولاً بناء المشروع القومي العربي فقد أصبح ضرورة حتمية في زمن كورونا بعد أن أصبح الخطر يهدد الجميع، ثم الوقوف ثانياً في وجه مشروع العدو الصهيوني واقتلاعه من جذوره..

 

وبعدها نلتفت للمشروع التركي الذي اعتدي واحتل بالفعل أجزاء من سورية، وأرسل قواته ومعها بعض الجماعات الإرهابية إلى ليبيا، ويدعم الإرهاب في عدة دول عربية، وأخير ننظر للمشروع الإيراني ونحجمه إذا ظل يتدخل في شؤون مجتمعاتنا العربية بعد تخلصها من المشروع الصهيوني والهيمنة الأمريكية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.  

 

الجريدة الرسمية