عبده دياب بتوقيع «أجاثا كريستي»

في ثمانينات القرن الماضي كنت طفلا صغيرا توقظه أمه ليلا ليستمع إلى روائع الراديو، ففي ذلك الوقت كان موعد الذهاب إلى النوم لا يتعدى الساعة التاسعة مساء، لكنها كانت تعلم مدى عشقي للإذاعة وما تقدمه من برامج ومسلسلات ومسرحيات مترجمة من الأب العالمي.

كنا نسهر لساعتين أو ثلاث لنستمع إلى موجز أخبار سريع تعقبه برامج مثل «قال الفيلسوف» ومسلسلات تذاع حلقاتها على رأس الساعة الثانية ليلا، وغيرها.. لكن من بين مختلف برامج الإذاعة المصرية كان هناك واحدا لا يمكن نسيانه، وهو «أغرب القضايا» والذي كتبه وأخرجه الراحل عبده دياب على مدار 30 عاما كاملة.

وعبده دياب هو أحد أشهر مخرجي الإذاع المصرية، بينما يمثل «أغرب القضايا» أنجح تجربة بوليسية من بين الأعمال الإذاعية، والتي يتتناول في كل حلقة من حلقاتها الغزيرة جريمة أو قضية (حدثت في مصر أو حول العالم) تتميز بالغرابة، والنهاية غير المتوقعة، ما يجعل من كل حلقة تحفة تستحق تسليط الضوء عليها، خاصة وأنها سجلت بأصوات عظيمة مثل أمينة رزق وزوزو نبيل ومحمد الدفراوي وسميحة أيوب وعبدالرحمن أبوزهرة وإبراهيم الشامي ورشدي المهدي وسعد الغزاوي وعايدة كامل وغيرهم.

اقرأ ايضا: عمرو أديب.. سائق ميكروباص

وللأسف يفتقر المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت لمعلومات كافية عن عبده دياب وإنتاجه الغزير من هذه الحلقات التي تستحق أن يحول معظمها إلى أفلام سينمائية مثيرة، على أن تعد لها معالجة درامية تلائم الوسيط الذي ستقدم من خلاله وهو السينما وما لها من خصوصية تميزها عن الإذاعة المسموعة.. وربما نجد من بينها أعمال شبيهة بما كتبته  أجاثا كريستي على سبيل المثال.

ولم تكن مهمة عبده دياب سهلة، فإذا كانت السينما تمتلك «الصورة» والتي لا تحتاج إلى حوار لشرح ما يدور داخل الحكاية، بل تسمح الرؤية بإظهار مشاعر مختلف الشخصيات والمواقف، فإن فكرة الاعتماد على الحوار فقط في الإذاعة لسرد الحكاية يجعل التحدي أكبر، لكن مخرجنا الراحل لم يخسر الرهان في أي مرة قدم فيها واحدة من روائعه عبر هذا البرنامج الأيقوني.

ولد دياب في 1941 وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية، إذ عمل افي البداية أستاذا في المعاهد الفنية ثم التحق بالإذاعة المصرية، ليعمل كمساعد مخرج لكل من محمد توفيق وبابا شارو ويوسف الحطاب، بينما كانت أول تمثيلية له في الإذاعة بعنوان «ابن البلد» وهي من تأليفه وإخراجه.

اقرأ ايضا: امرأة تحترف الغياب

وبينما كانت مصر تعيش أجواء الحرب، برزت فكرة برنامج «أغرب القضايا» في رأس دياب، لتذاع في يناير 1973 أول حلقة منه، ثم توالت الحلقات حتى بلغت أكثر من 600 حلقة حتى العام 2003، وبعد وفاته استمر البرنامج لكنه لم يحظ بالاهتمام والتألق ذاته مثلما كان مع المخرج الراحل.

ومن عجب أن الإذاعة المصرية لا تلتفت إلى هذا التراث بشكل يليق وعظمته، فالمتاح على قناتها الرسمية بموقع «يوتيوب» من حلقات هذا البرنامج لا تتعدى 150 حلقة على أكثر تقدير، فيما تحفل قنوات خاصة أنشأها أفراد على «يوتيوب» بأكثر من هذا الرقم من الحلقات، في تعد وقح على حقوق الملكية..

اقرأ ايضا: سيما أونطة

وأعتقد أن هذا البرنامج لو كان ملكا لإذاعة أو جهة خاصة لكان كنزا يدر عليها دخلا كبيرا من خلال إذاعته حصريا ومنع عملية سرقته التي تتم بشكل منتظم دون أن نرى أحد من مسئولي الإذاعة يتصدى لهذه الجريمة من أجل الحفاظ على حقوق ماسبيرو.

وبعيدا عن حقوق الملكية، أتمنى أن يهتم ورثة المخرج الراحل بتراثه، وأن يغزوا شبكة الإنترنت بالمزيد من المعلومات والحقائق التي تخصه لتكون مرجعا وسجلا يوثق مشواره الكبير.