رئيس التحرير
عصام كامل

عملية إحياء الدواعش.. يشرف عليها أردوغان.. تتبناها تركيا لابتلاع أراضي العرب.. وتوسيع حدة التوترات أبرز الملامح  

أردوغان
أردوغان

لا تهدأ تركيا في تسريع وتيرة تلوين المنطقة بأعلامها ومنافعها، حتى تلحقها كفناء خلفي لأحلام وطموحات أردوغان، الراغبة في ‏إعادة الإمبراطورية العثمانية، وخلق ظهير جغرافي وسياسي لها من البلدان العربية.

 

مشروع الإخوان

ولكن هذه المرة غيرت من خطتها ‏الجيوسياسية، وأصبحت تقاتل للحفاظ على أقدامها في سوريا، والعراق، واليمن، بجانب ليبيا، والدفاع علانية عن مشروع ‏الإخوان في هذه البلدان، باعتباره الملاذ الأخير لأردوغان وحزبه و"إخوانه" في تركيا، وتلعب في خطتها الجديدة على توسيع حدة التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتبنى موقف التصعيد الدائم أو اللا ‏حل.

ولهذا تفتح المجال لفرض سيطرتها العسكرية بشكل مباشر، وفي نفس الوقت تعمل بكل قوة على إعادة إحياء الأيديولوجيات ‏الدينية المناصرة للفكرة الإخوانية مثل الحزب الإسلامي ـ الإخوان ـ في العراق، ‏وحزب الإصلاح ــ إخوان اليمن ــ والأخير أصبحت ‏على بعد خطوات من تمكينه من السيطرة على شمال البلاد، وإقامة دولة كاملة لهم هناك، ولا يهم في المقبل انشطار اليمن إلى ‏نصفين.

استغلال كورونا

ولا يتوقف أردوغان في بناء خطته الجديدة عن ضم كل طرف ممكن إلى قائمة تحالفاته، ولهذا تجاهل الرد على الأنباء التي ترددت ‏مؤخرا حول تورط دبلوماسيين إيرانيين في قتل منشق إيراني في تركيا، وتظاهر بالانشغال بتصدي بلاده لوباء كورونا، ‏ما أثار عاصفة من الجدل، بسبب ازدواجية مواقفه، والتباين الحاد في رد فعله من هذا الحادث.

مقارنة بأزمة مقتل الصحفي ‏السعودي جمال خاشقجي في 2018، والتي استغلها أردوغان لتصفية حساباته مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ‏ومحاولة الإطاحة به من خلال تبني حملة تجريس دولية له، تحمله دماء خاشقجي على آمل نزع شرعيته وإبعاده عن الحكم خلفًا ‏لوالده، ما يؤكد اهتمام أنقرة بإقامة شبكة تحالفات مع الإسلاميين بمحتلف اتجاهاتهم ــ سنة وشيعة.

ويتعامل أردوغان وفق خطته الجديدة على أساس تقديس مصالحه وفرضها على المجتمع الدولي المنقسم بشدة، فالزوبعة التي ‏أثارها للتنديد بمقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، كان الهدف منها تعزيز أجندته الخاصة وتأكيد سيطرته على ‏سوريا، حيث كانت المملكة العربية السعودية عائقًا كبيرا أمامه هناك، ولهذا عمد إلى إقامة خطوط اتصال بين أجهزته الأمنية ‏ووسائل الإعلام الغربية لتشريب المشاهد الصادمة من رواية قتل خاشقجي، لشيطنة ولي العهد، وأدواره في المنطقة وإبعاد المملكة ‏من أمامه في سوريا.

إحياء داعش

ولهذا اشتملت خطته الجديدة على تبني تكتيكات مختلفة وطويلة الأمد، تعمل بثبات لبناء شراكة علنية مع تيارات الإسلام السياسي، ‏وحشدهم في البلدان المستهدفة على اختلاف أيديولوجياتهم، ودعمهم في الغرب وخاصة بالولايات المتحدة وأوروبا، ورعاية ‏تحالفهم مع قوى اليسار الدولية، وتسهيل السبل الدبلوماسية لهم للانضمام للحملات الدعائية لليسار على أن تسدد الفواتير ‏الانتخابية على وصولهم للسلطة.

وتشير الخطة التي سرب بعض الإسلاميين أجزاء منها، إلى سعي أردوغان لزرع مخابراته وأجهزته الأمنية في البلدان الضعيفة ‏لبناء أيدلوجية دينية تعزز الطموحات العثمانية الجديدة، ولهذا يقاتل من أجل السيطرة على شرق البحر المتوسط، باعتباره أحد ‏الأهداف النهائية لإستراتيجية تسمى «الممر البري» سبق لإيران استخدامها من قبل لربط مقاتلي حزب الله في لبنان بسوريا، ‏وتأمين مرورهم عبر إيران والعراق، ونجحت فيه بشدة، وهو ما يعني إقامة شبكة مفتوحة يمر منها الإسلاميين لحماية النفوذ ‏العثماني الجديد.

وربط هذه البلدان ببعضها البعض تحت وصاية تركيا، بجانب حماية السفن التي تنقل الأسلحة والمقاتلين إلى ‏سوريا، وإحباط التدخل الغربي في حفر الغاز التركي غير القانوني في منطقة قبرص، وهو السبب الأساسي لتحركات أردوغان في ‏ليبيا حتى الآن.

ليبيا واليمن 

وتعمل تركيا في العلن بخطتها الجديدة، دون أن تخفي تحركاتها لإقامة هذه الشبكات التي تسعى لتكوينها وربطها ببعضها البعض، ‏خاصة أنها بمفردها لا يمكنها السيطرة مباشرة على ليبيا أو اليمن أو حتى سوريا، ومن ثم لابد تعزيز السيطرة الإقليمية من خلال ‏خلق عقبات مادية إضافية على أن تعتبر جزءًا من خط الدفاع العثماني الجديد واستراتيجيتها لتوحيد أحزاب الإخوان المسلمين ‏والحكومات والميليشيات في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، خاصة أن هذه المناطق تضمن له توسيع رقعة الإسلام السياسي ‏والجماعات المتطرفة المتعلقة بعباءته.

الخطة الجديدة

ملامح الخطة الجديدة تؤكد أن تركيا تعض أصابع الندم بسبب ضياع مصر من تحت أيديها، وعدم سعيها في المقابل بشكل أكثر قوة ‏لإثارة صراع مسلح في البلاد بعد عزل مرسي، وتوحيد الإسلاميين تحت راية واحدة للصدام مع الجيش المصري، ولاسيما أن تركيا ‏لا تستطيع تحمل فاتورة حرب مباشرة مع القاهرة، إذا تصادم البلدان سياسيا أكثر من ذلك.

ولهذا لم يعد أمامها بديل آخر سوى الصراع للنهاية للحفاظ على أحلامها في المنطقة، دون اشتباكات مباشرة، وزيف مالي وعسكري ‏واستخباري يعرضها للنقد الشرس من المعارضة التي تتوحش أمام الإسلاميين في تركيا منذ سنوات، وتسحب الكثير من شعبيتها ‏وأرضيتها الانتخابية.

 وتعمل الخطة الجديدة على إعادة تدوير أعضاء داعش السابقين في ليبيا، وإقامة علاقة شراكة في الوقت نفسه بينهم وبين أعضاء ‏القاعدة برعاية تركيا بعد أعوم من التوتر والصراع، على أمل أن يؤدي ذلك إلى نفوذ أكبر لأردوغان، ويمكنه من مد سيطرته على ‏الأفارقة المتطرفين دينيا مثل بوكو حرام وجبهة الشباب، ومن ثم التسلل إلى هذه البلدان، بعد إقامة شبكات دينية تمكن تركيا من ‏التربح استراتيجيًا، على حساب كل بلدان الشرق الأوسط والمناطق المحيطة بها، وتعيد بؤر النفوذ القديمة للأتراك.

البحث في سراديب الخطة، يؤكد أن تركيا بدأت تنفذ أجزاء منها بالفعل منذ عام 2017، عندما وسعت وجودها العسكري في قطر، ‏ونشرت المئات من قواتها العسكرية بالدوحة، بعد يوم واحد فقط من نشر تقرير يكشف عن تدخل الجيش التركي لمنع انقلاب ضد ‏أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وكان قرار الحكومة التركية بالتدخل آنذاك بمثابة استعراض لعضلاتها العسكرية.

وإعلان موقف لكل دول المنطقة عن التحول الكبير ‏في إستراتيجية أنقرة تجاه الشرق الأوسط، ولاسيما أن نظام أردوغان جعل من نفسه منذ محاولة الانقلاب عليه في يوليو 2016 ‏قائدًا ثوريًا لزعزعة استقرار أقوى بلدان الشرق، التي يرى أنها صاحبة أياد بيضاء في تدبير الانقلاب ضده، عبر مساعدة حليفه ‏السابق ورجل الدين الإسلامي فتح الله جولن ولو بدعمه إعلاميًا فقط، هدم أردوغان في استراتيجيته الجديدة، الإستراتيجية العلمانية القديمة لبلاده، التي كانت تعتمد على مبدأ "صفر مشكلات مع الجيران" ‏، مقابل خلق أهداف جيوسياسية وتمريرها للمجتمع التركي، حتى تنفخ عروق القومية فيهم وتنعش في خيالهم أحلام الزعامة ‏القديمة للعثمانيين.

قواعد عسكرية  ‏

ويرى أسامة عبد العزيز، الباحث المتخصص في الشأن التركي، أن أردوغان يطمح بأن تكون له قاعدة عسكرية في ليبيا لتحقيق ‏أطماعه، ومنح قبلة الحياة للخلايا الإخوانية النائمة في دول جوار ليبيا، بجانب أن يكون له "مخلب قط" يستطيع من خلاله مد نفوذه ومصالحه في الدول الإفريقية.

وأشار عبد العزيز إلى أردوغان من أسوأ القيادات السياسية على مستوى العالم، موضحا أن رجل انتهازي بشكل كبير، ويحاول ‏تحقيق مصالحه بأي طريقة.‏  

نقلًا عن العدد الورقي..،

الجريدة الرسمية