رئيس التحرير
عصام كامل

هل تستعيد مصر مكانتها فى قلب السودان؟!

 العلاقات المصرية السودانية تاريخية منذ قديم الأزل فالحدود بيننا تمتد لحوالى 1273 كم، ويمثل السودان العمق الاستراتيجى الجنوبى لمصر، ومما لاشك فيه أن الأمن القومى السودانى يمثل امتدادا للأمن القومى المصرى..

 

منذ استقلال السودان في مطلع العام 1956 والعلاقات المصرية السودانية تمر بأشكال من المد والجزر، ومن الغريب حقا أن يكون ازدهار العلاقات المصرية السودانية بعد هزيمة يونيو 1967، حيث قررت السودان قطع علاقتها مع بريطانيا والولايات المتحدة، وأعلن محمد أحمد محجوب رئيس الحكومة السودانية وقوفه بجانب مصر وتلبية احتياجاتها الحربية.

 

وصعدت العلاقات إلى ذروتها بعدما استضافت السودان قمة الخرطوم (قمة جامعة الدول العربية) المشهورة بلاءاتها الثلاث، والتي تم التأكيد فيها على وحدة الصف العربي وتصفية الخلافات.. حتى أنتصار أكتوبر 1973 .

 

اقرأ ايضا: "رمسيس الثاني" الملك العاشق

 

وهذا ما يؤكد حقيقة هامة وهى أن فى أوقات الأزمات تقف السودان إلى جانب مصر، وفى التسعينيات من القرن الماضى وصل الرئيس البشير إلى سدة الحكم فى السودان بأجندة إسلامية، وكان  الرئيس الأسبق مبارك على رأس السلطة فى مصر حيث تدهورت العلاقات المصرية السودانية بصورة غير مسبوقة، واطلق عليها الباحثون فترة الحرب الباردة المصرية السودانية..

 

والتى لم يتوقف فيها أى من الطرفين بالتراشق بين الأنظمة ووصل الى المستوى الشعبى السودانى والشحن الأعلامى المستمر والتعبئة ضد مصر بإعتبارها خصم أو عدو خارجى، حتى نشأ جيلا من السودانيين يرون مصر بصورة غير واقعية قاتمة تصل لحد الظلم.. وبلغت ذروة التعقيد عندما إتهمت مصر السودان للتخطيط لقتل مبارك فى القمة الافريقية المنعقدة فى أديس أبابا عام 1995..

 

اقرأ ايضا: المخبأ

 

وعند قيام  ثورة يناير 2011 حظيت  العلاقات المصرية السودانية بإهتمام رسمي وشعبي أملا في إحداث تحول إيجابى  في العلاقة بين البلدين، وقد بدا ذلك عبر سلسلة من الزيارات الرسمية المتبادلة، والتصريحات والبيانات المعبرة عن الرغبة في الوصول إلى مرحلة التعاون الإستراتيجي  الكامل..

 

وفى اعقاب ثورة 30 يونيو وإسقاط الرئيس المعزول (محمد مرسى)  في 2013، اعتبرت الحكومة السودانية ما يجري في مصرشأنا داخليا، وابتعدت عن التعاطف مع حكومة الإخوان، وكذلك سعى النظام المصري لتحسين علاقته بالنظام السوداني بزيارات متتالية للتأكيد على أواصر الصداقة التى تربط البلدين..

 

فمصر كانت فى أمس الحاجة إلى دعم السودان  في ملف سد النهضة الإثيوبى بإعتبارها من الدول المتضررة من السد مثل مصر،تلك الأزمة التي ساهمت السودان في تأجيلها مؤقتًا بتوقيع الاتفاقية الأخيرة بشأن سد النهضة في الخرطوم بين الدول الثلاث.

 

اقرأ ايضا: الرحلة

 

إلا أن العلاقات السودانية المصرية دخلت في طريق مسدود مما شاب العلاقات الدبلوماسية الكثير من  والغموض.. فالعلاقات التي يبدو في ظاهرها الود والتفاهم تحمل بداخلها العديد من الأزمات والخلافات في العديد من القضايا الثنائية والإقليمية، وعلى رأس هذة الملفات ملف الخلاف الحدودى حول حلايب وشلاتين الذي عاد إلى الواجهة مرة ثانية في أبريل/2016..

 

حيث قدمت الحكومة السودانية طلبا رسميا للجلوس للتفاوض المباشر لحل هذه القضية وهو ما قابلته القاهرة بالرفضفى حين رأت مصر أن السودان يرتكب جريمة كبرى فى حق مصر لايوائه الفارين من جماعة الاخوان الارهابية مما يهدد أمنها القومى بصورة مباشرة فى ظل إستمرار العمليات الإرهابية المتلاحقة منذ إسقاط حكم الإخوان.

 

وتحولت السودان مع الوقت إلى نقطة إنطلاق للوصول إلى قطر وتركيا، وهو الأمر الذي جعل القاهرة تشترط الموافقة الأمنية على سفر المصريين للسودان، وهو ما اعتبرته الخرطوم خطوة معادية للسودان ومخالفة لـ (اتفاق الحريات الأربعة) .

 

وعلى الجانب الاخر إتهمت الخرطوم القاهرة بدعمها متمردي دارفور بالسلاح فى عهد البشير، كذلك إتهمت مصر بتأييد فرض العقوبات الاقتصادية عليها من قبل الأمم المتحدة طوال العقدين الماضيين..

 

وبالتالى لم يعد للسودان إلا ورقة سد النهضة التى تراها ورقة فاصلة فى الحصول على إمتيازات من مصر مقابل الوقوف إلى جانبها والتوقف عن مساندة الجانب الإثيوبى.. فالواقع يفرض على  السودان الإعتراف بأن مصر والسودان مصلحة واحدة مشتركة لا يمكن فصلها.

ورغم قتامة الصورة إلا إنه لا مفر من العودة والتعاون والتفاهم من أجل خير البلدين الشقيقين.

 

الجريدة الرسمية