هذا هو المستشار محمد هشام مهنا "الإنسان"
قادتني علاقتي الخاصة جدًا مع قضاة تحقيق النيابة الإدارية الأجلاء إلى معايشة قصة إنسانية نادرة الحدوث.. تفاصيلها كاشفة بأن الخير كان ولا يزال وسيظل ما بقيت الحياة مستمرة وأن الله سخر إناسًا من خيرة عباده ليكونوا نبراسًا وقدوة بتصرفاتهم وسلوكهم.
منذ أكثر من 5 سنوات كنا برفقة المغفور له بإذن الله قاضي قضاة التحقيق الراحل المستشار عناني عبد العزيز رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق رحمه الله، في زيارته إلى مدينة المنصورة لافتتاح مبنى للنيابة الإدارية هناك، وكان برفقته نائبه الأول حينذاك الصديق المستشار محمد هشام مهنا، ومنذ وصلنا، والمستشار مهنا مشغول جدا، بالبحث عن أسرة جنديًا سابقا بالقوات المسلحة.
بلاغ مفتوح إلى رئيس هيئة النيابة الإدارية (2)
المستشار مهنا، منذ خروجه من الخدمة العسكرية، برتبة نقيب قبل 43 عاما، وهو يعاود زيارة المنصورة، بحثًا عن هذا المواطن، لكن دون جدوى إلى أن عرف، أن هذا الجندي، انتقل إلى رحمة الله، وأنه كان يقيم في بلقاس- دقهلية..
إلى أن أبلغه المستشار خالد الريس، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية أنه يعرف زميلا له من بلقاس هو المستشار سامح فايد الذي توصل إلى زوج كريمة “الجندي السابق”، ونقل له رغبة المستشار هشام مهنا في لقاء الأسرة كاملة من أصغر طفل بها إلى أرملة “الجندي”، وطمأنه بأنه الأمر لا بد أن يكون خيرًا.
روى تفاصيل هذه القصة التي كنت شاهد عيان عليها، المستشار خالد الريس، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” في مايو 2015 وقال دفعني الفضول لمعرفة قصة هذا الجندي الذي يبحث عنه المستشار هشام مهنا منذ 43 عاما، ثم عن أسرته بعد أن توفاه الله.. حتى علمت أن الجندي كان سائقًا في سرية مجاورة، للوحدة العسكرية التي كان المستشار مهنا يخدم فيها أثناء فترة تجنيده “ضابط احتياط”.
هل ينجح وزيرا الصحة والتعليم في اختبار كورونا؟
الجندي كان مسافرًا إلى بلدتهم في إجازة قبل حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وقبل مغادرته، حرر للنقيب محمد هشام مهنا، تفويضا بخط اليد لاستلام مستحقات مالية أثناء وجود الجندي في الإجازة، وبالفعل قام مهنا باستلام هذا المبلغ بدلا من الجندي.. وسرعان ما حل يوم 6 أكتوبر 1973، لتبدأ حرب تحرير سيناء، وحالت ظروف الحرب، بين لقاء الجندي والنقيب هشام مهنا حينذاك، ومن ثم بقي الأمانة دون أن يستردها الجندي.
وظل المستشار هشام مهنا، مشغولًا بهذه الأمانة ومحتفظًا بالورقة الصغيرة التي حررها له الجندي بخط اليده تفويضًا لاستلامها طوال أربعة عقود وعدة سنوات، وقال مهنا، وهو يروي هذه القصة، إن التفويض ما زال معه، وأخرج من حافظته، ورقة صفراء صغيرة متماسكة بالكاد، ويشعر بأنه يحمل جبلا فوق رأسه، رغم أن الأمر كان خارجا عن إرادته.
وسأله المستشار خالد الريس عن قيمة المبلغ؟.. فقال “خمسة جنيهات وربع الجنيه”، ثم استتبع، أنا طبعًا مش هرجعهم لأسرته كما هم.. أنا كنت ناوي لو وجدت الجندي السابق على قيد الحياة، أن أدعوه لرحلة حج.. أما وأن الله اختاره إلى جواره، فإن هذا الحق أضحى للورثة.
إلتقى المستشار هشام مهنا بالأسرة التى حضرت بالكامل بناءً على طلبه، وعليها علامات الاندهاش والتعجب، والترقب، في وجود المستشارين خالد الريس وحسن شبار ومتولي أبو الخير ومصطفى الشربيني وكاتب هذه السطور، وقص عليهم المستشار مهنا الحكاية كاملة، وكلنا نراقب انفعالهم واندهاشهم بأحداثها.
حكاية تأديب نائب وزير التربية والتعليم
وفي اللقاء أخرج المستشار هشام مهنا مبلغ الجنيهات الخمسة وربع الجنيه، وسلمهم للابن الأكبر، ثم سلمه أيضًا، مبلغ كبير جدًا “لن أذكره”، وسط ذهول واندهاش الجميع، الأسرة ونحن الحضور.
والآن لا أجد من الكلمات ما يمكن أن أصف به مشاعري، وسعادتي وفخري، بأن لي صديقًا بهذه المواصفات، وهذا سلوكه، وعرفت كم أنه إنسان بكل معاني الكلمة، وصاحب ضمير حي لا ينام، وكم إنه إنسان نبيل وكريم وممن يؤدون الأمانات.. وللحديث بقية.
