رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

التطبيع في الدراما الرمضانية

 لم تتمكن إسرائيل من اختراق المجتمع المصري، رغم وجود إتفاقية سلام، واقتصرت العلاقة على تبادل السفراء والتطبيع السياسي، دون التطبيع الفني أو الاجتماعي، رغم محاولات إسرائيل مرات عدة، لكن كان الرفض الشعبي لها بالمرصاد، فالعلاقات السياسية تختلف عن حياة شبة طبيعية بين الشعوب، وهو أمر يحكمه الوعي المجتمعي بحقيقة إسرائيل وأطماعها.

 

رغم مرور 41 عاما على إتفاقية السلام، لم نجد عملا فنيا مصريا تناول جانبا حسنا لإسرائيل، فالأعمال كلها تتناول الصراع المصري الإسرائيلي، في عمليات حربية أو مخابراتية تنتهي بالانتصار المصري، وحتى عندما عرض مسلسل "حارة اليهود" قبل 5 سنوات، برؤية مغايرة نوعا ما عن انتماء ووطنية بعض اليهود المصريين ورفضهم الانتقال إلى إسرائيل، وعلاقة حب بين ضابط مصري ويهودية مصرية، لم يثر المسلسل ضجة..

 

 

اقرأ ايضا: الصالح والطالح في المهن كلها

 

لأن مصر كان بها يهود كثيرين تعايشوا مع المسلمين والمسيحيين دونما تمييز، حتى أن "حارة اليهود" لا تزال تحتفظ باسمها بين العامة، رغم تغييره منذ سنوات إلى "شارع المصريين"، كما أن عشرات الفنانين والفنيين عملوا واشتهروا بمصر، وكذلك التجار وسواهم.

 

عدم قدرة إسرائيل على التطبيع في مصر نتيجة الوعي، جعلها تعكس الصورة عند بدء علاقات مماثلة مع دول عربية أخرى، إذ أرادت القبول الشعبي والتغلغل في المجتمعات أولا، وبعدها تبدأ العلاقات الرسمية مع الدول، من هنا كان اشتراك وفد إسرائيلي في بطولة رياضية قطرية وأخرى إماراتية ومؤتمر بحريني، بعد أن أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، عن علاقات غير معلنة مع جميع الدول العربية باستثناء دولتين.

 

في الوقت نفسه استغلت إسرائيل منصات "السوشيال ميديا"، لمخاطبة العرب باللغة العربية، مع مفردات عامية من كل بلد، ولا تترك مناسبة أو حادثة دون التعليق عليها والتواصل مع العرب بشأنها، وحتى نتنياهو نفسه يحرص على التواصل صوتا وصورة بالعربية كنوع من التقارب، وفي الآونة الأخيرة أخذت خطة التقارب الشعبي منحى آخر، عن طريق نشر كلمات عربية ومرادفاتها "العبرية" وطريقة نطقها، لتعليم العرب اللغة "العبرية".

 

اقرأ ايضا: "كورونا" والحقد الدفين

 

في ظل سعي إسرائيل لضم مزيد من الأراضي العربية، وإعلان "صفقة القرن"، جاءت الدراما الرمضانية بنغمة "نشاز" تمهد للتطبيع ليصبح مستساغا شعبيا، ففي مسلسل "مخرج 7"، حلقة أثارت جدلا عن القضية الفلسطينية والسلام مع إسرائيل، يغضب فيها الفنان ناصر القصبي من تواصل ابنه عبر لعبة إلكترونية مع صبي إسرائيلي وصفه بـ"الصديق"، فينهره القصبي ويطلب قطع علاقته به لأنّ "إسرائيل عدو"..

 

لكن يستنكر الفنان راشد الشمراني، غضب صديقه القصبي من ابنه، ويعرب عن استعداده لإقامة علاقة تجارية مع إسرائيل، مبرراً بأنّ العدو هو من "لا يقدر وقفتك معه ويشتمك ليل نهار أكثر من الإسرائيلي"، موضحا: "كل تضحياتنا من أجل فلسطين، خضنا حروباً من أجل فلسطين وقطعنا النفط لأجل فلسطين وعندما أصبح لديهم سلطة، ومع ذلك عند أول فرصة يهاجمونها".

 

ورد القصبي: "أصابع يدك غير متشابهة، ومثلما يوجد فلسطينيون تهجروا العام 1948 وتعرضوا للمذابح، هناك من باع أرضه لليهود". ووجد المقطع ترحيباً إسرائيلياً وتمت ترجمته إلى "العبرية".

 

وبانتهاء الحلقة، تصدّر اسم الشمراني "الترند"، لانّ كلامه "يمثّل رأي " وأنّ "الفلسطينيين ناكرون للجميل"، وفق كثير من التغريدات، في حين أنّ قسماً آخر، هاجم القصبي والشمراني معاً وربط بين الحلقة وبين مسلسل "أم هارون"، معتبرين أنّ ذلك "دعوة وتمهيد للتطبيع مع اسرائيل".

 

اقرأ ايضا: "طفيلي" يغير تاريخ "الأوسكار"

 

ورغم الجدل، إلا أنّ نهاية الحلقة لخّصت "واقع مصالح الأمم"، عندما قالت أسيل عمران لوالدها القصبي: "Game Over"، وأنّها أقنعت شقيقها بقطع علاقته بالصبي الإسرائيلي، فسألها القصبي إن كان عرف أنّه عدوّ، قالت إنّها طرحت عليه السؤال نفسه، فردّ عليها بأنّ "كل واحد منهما وصل إلى المرحلة التي يريدها في اللعبة وتقاسما الدولارات، وكل منهما سيلعب لعبة أخرى مع أشخاص آخرين".

 

تكررت الإشادة الإسرائيلية بشكل أكبر مع مسلسل "أم هارون" بطولة الفنانة الكويتية حياة الفهد، وانتاجها بالاشتراك مع الفنان الإماراتي أحمد الجسمي، والتأليف للأخوين البحرينيين محمد وعلي شمس، العمل أثار ضجة قبل عرضه لتناوله اليهود في دولة خليجية، في أربعينات القرن الماضي.

 

ما ان بدأ عرض "أم هارون"، حتى قابله هجوم فلسطيني، وكان لافتا ما قاله القيادي في "حماس" باسم نعيم: "إن مسلسل أم هارون ليس فنا تطبيعيا، بل جريمة تاريخية، وغسيل أفكار وقيم يحاول الإسرائيليون تمريرها منذ عقود".

 

ودعم الهجوم الفلسطيني تصدر المسلسل "الترند" في الكويت، لتضمنه مغالطة تاريخية، بشأن قيام "إسرائيل"، وجاء فيها إن الانتداب البريطاني أعلن قيام إسرائيل على أرض إسرائيل وليس فلسطين، في حين أنه أعلن قيام إسرائيل في مايو 1948 على أرض "فلسطين العربية" ولم يكن هناك وقتها ما يسمى "إسرائيل".

 

كما تضمن العمل مغالطة ثانية عن أن "القدس أولى القبلتين وأرض الإسراء والصحيح انها أرض المعراج، لأنه عليه الصلاة والسلام عرج منها إلى سدرة المنتهى أما الإسراء فمن مكة".

 

اقرأ ايضا: أوباما وميشيل "مليونيرية" الإعلام

 

الهجوم على المسلسل دفع الفنانة حياة الفهد، التي تؤدي دور "أم هارون" إلى تأكيد أن رسالته إنسانية بحتة عن التعايش والتسامح الديني.

وقال كاتب المسلسل علي شمس "إن شخصية أم هارون، مستوحاة من قابلة يهودية حقيقية تدعى أم جان جاءت البحرين من العراق في ثلاثينات القرن الماضي، وكانت تدخل منازل الجميع دون تفرقة عنصرية، وتعد رمزا للخدمة العامة في البحرين".

ونفى شمس أن يكون "التطبيع مع إسرائيل، من أهداف المسلسل بل هدفنا التعايش"، مشيرا إلى أن "قضية فلسطين" لا تقبل الجدل.

في مقابل إشادة إسرائيل بالدراما الخليجية، احتجت وزارة الخارجية الإسرائيلية، على مسلسل "النهاية" للفنان يوسف الشريف، واعتبرت "توقعه زوال إسرائيل على يد العرب قبل مرور 100 عام على تأسيسها غير مقبول ومؤسف من دولة تربطنا بها اتفاقية سلام".

 

 يبقى ان معاهدات السلام والعلاقات السياسية لا تعني التطبيع الفني والاجتماعي، وكان يمكن للأعمال الخليجية أن تمر دون ضجة لو عرضت في توقيت آخر لا يتزامن مع "صفقة القرن" ومحاولات إسرائيل التقارب الشعبي مع العرب، فضلا عن أن هذه الأمور ليست من أولويات الشعوب التي لديها ما يكفيها من القضايا والهموم.

 

Advertisements
الجريدة الرسمية