رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

متسول لكل مواطن

ظاهرة اجتماعية مزمنة.. تثير الأسى والاستياء والحزن والغضب، معًا. من سيارة لأخرى، ومن شارع إلى حارة، ومن ميدان إلى نفق، وفي وسائل المواصلات، خاصة المترو.. تفجعك مشاهد الرجال والنساء، من كل الأعمار.. وهم يمدون أيديهم طالبين "حسنة"..

 

وغالبًا ينتحلون (صادقين أو كاذبين) أعذارًا وأسبابًا متباينة.. فتارة مرض.. وأخرى عجز.. وثالثة تزويج البنات.. أو أكل الأبناء.. عمومًا السبب لا يهم.

 

ولا يعدم الطالب الحيلة ليأتي بالجديد.. فكثيرًا ما تصدم بـ "باكو" مناديل ورقية يلقى على رجلك.. أو كتيب أذكار.. أو مجموعة أمشاط وإبر خياطة.. أو ورقة مكتوب بها أن تبرعك سيصل إلى المصابين بالصمم والبكم!!

 

اقرأ أيضًا: مصر بعد "كورونا"

 

هذا غير الطرقات والشوارع التي يستوقفك أثناء سيرك بها طالبو العطف والإحسان.. أو يحاول جاهدًا إقناعك بقبول قيامه بمسح زجاج سيارتك، أو شراء علبة مناديل ورقية.

 

العجيب هو زيادة تلك الظاهرة السلبية بشكل مفجع، ومزعج، رغم انتشار مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الخيرية، التي تعلن، عبر الصحف والقنوات والإذاعات، أنها تطعم الجوعى، وتساعد المعوزين، وتدعم الفقراء، وتقيم البيوت، وتنشئ المستشفيات، وتشيد المدارس.. فمن أين يأتي كل هؤلاء؟!!

أشارت تقديرات بحثية إلى أن أعدادا من امتهنوا التسول تجاوزوا نصف مليون شخص، أغلبهم من الأطفال، وفقا لإحصائية حديثة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بينهم نحو 15 ألفا في القاهرة وحدها.. (آخر إحصائية عام 2015).

 

اقرأ أيضًا: مرة واحد صعيدي...!!

 

وقانونًا، ينص القانون 49 لسنة 1933، من قانون العقوبات، على العقوبة المحددة لجريمة التسول، في سبع مواد، أهمها:المادة (1).. حيث يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز شهرين، كل شخص صحيح البنية، ذكرا كان أم أنثى، يبلغ عمره خمسة عشر سنة أو أكثر، وُجد متسولا في الطريق العام أو المحال العمومية، ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أي شيء.

 

وفي المواد الخمسة التالية عيّن القانون عقوبات لأفعال أخرى تندرج تحت جرم التسول، ولم تتعدَّ في أقصى حالاتها ستة أشهر، ثم نصت المادة (7) على أنه: في حالة العود تكون عقوبة الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون الحبس مدة لا تتجاوز سنة.

 

الظاهرة مؤلمة، وتتسبب، دون شك، في تشويه صورة مصر، وتلطخ وجه المجتمع.. الذي حزن غالبيته على إغلاق المساجد والكنائس.. في الوقت الذي يبيت كثيرون مجهدين ويئنون من التخمة، فيما يتضور جيرانهم (في المنطقة أو المدينة أو المحافظة) جوعًا.

 

اقرأ أيضًا: هواة صناعة الأزمات

 

قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس منَّا من بات شبعان وجاره جائع".. إضافة إلى الكثير من الأحاديث التي تحض على الإنفاق، ومساعدة الفقراء، والمحتاجين، ومحدودي الدخل.. لكن لا أحدًا يشغل باله بالتطبيق. وقال رسولنا الكريم أيضًا: “.. إن المسألةَ لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقرٍ مدقعٍ، أو لذي غُرْمٍ مُفظِع، أو لذي دمٍ موجع”.

 

وقال المولى، عزَّ وجلَّ: “لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ”.{سورة البقرة: 273}

 

المعاملات لم تعد تهم بقدر ما تحتل العبادات الشكلية المقام الأول لدى ملايين المسلمين.. بل تحولت العبادات إلى عادات، لا نكاد نعرف الحكمة منها، أونستمتع ونحن نؤديها.. (أرحنا بها يا بلال).. نصلي أو نصوم بشكل آلي.. تحولنا، مع التعود، إلى مجرد آلات!!

 

اقرأ أيضا: أفريقيا.. نمور بلا موارد (2)

 

علينا ألا نتجاهل جزءًا مهمًّا من الظاهرة وهو احتراف التسول، كوسيلة للثراء.. أو بسبب الإدمان، واستعذاب الفعل المهين!

لكن الأمر شديد الخطورة، ويضرب بعنف مفاصل التماسك الاجتماعي، ومفاهيم العدالة والمساواة والتكافل.. ويجب على الدولة سرعة التدخل، بمحاربة الظاهرة، وتوفير المزيد من فرص العمل، والتوعية عبر المنافذ والقنوات المسئولة.. وحبذا لو كان ذلك بمبادرة وبتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي.

Advertisements
الجريدة الرسمية