رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الصالح والطالح في المهن كلها

 تعيد جائحة "كورونا" ترتيب أهمية المهن على أرض الواقع، ليتصدر العلماء وأصحاب المهن الرفيعة القمة، بعد غبن طالهم سنوات، تسيَّد المشهد خلالها لاعبون، فنانون، فاشينستات، سياسيون ومتاجرون بالدين، وتدهور حال أصحاب العلم الرفيع وبناة المجتمعات، لكن جاء الفيروس لتصحيح الوضع وتتعلق أفئدة وأنظار الأوطان بالأطباء والتمريض والعلماء، الذين يقفون في الصفوف الأولى لإنقاذ البشرية.

 

أدرك الجميع قيمة العلم والطب.. وينتظر العلاج من وباء لا يرى بالعين.. وأحال العالم إلى سجون انفرادية، وبعد العلماء والأطباء يأتي دور المهندسين لبرمجة وتشغيل مصانع إنتاج الدواء والمستلزمات الطبية، التي يعمل بها آلاف يجهزون المنتج النهائي، ليتولى توزيعه سائقون وصولا إلى المستهلكين، وبينهم المشاهير السابقون الذين تصدروا المشهد دون وجه حق.

مؤكد أن العالم بعد "كورونا" سيختلف عن قبله، ومنها ترتيب أهمية المهن وأولويات الدول، لكن إن كنا نثمن ونقدر ما يبذله "الجيش الأبيض" من أطباء وتمريض، من تضحية بالنفس لإنقاذ المرضى، وفرحنا لعودتهم إلى قيادة المجتمع لأن هذا حقهم الطبيعي، فهذا لا يمنع أن جميع المهن بلا استثناء فيها الصالح والطالح، ولا يحق لأحد، حتى إن كان في صدارة المجتمع أن يمارس العنصرية ضد الآخر أيًّا كان

 اقرأ أيضا: أردوغان "خليفة" الإبتزاز والبلطجة

 

اتهم كثيرون في مصر وغيرها، الفنانة الكويتية حياة الفهد، بالعنصرية وعدم الإنسانية، حين دعت إلى "رمي العمالة السائبة ومخالفي الإقامة من الوافدين في الصحراء"، فهل يعقل أن نتهم غيرنا بالعنصرية، وفي الوقت نفسه تطالب نقيب التمريض، بأن تغادر الفنانة التونسية “دُرة” مصر، وتعود إلى بلدها، لأنها أدت دور ممرضة اضطرتها ظروف معيشية صعبة إلى تصرفات خاطئة في فيلم "يوم وليلة"؟!.

 

الغريب أن نقابة التمريض تحاملت على الفنانة درة، وهي مجرد ممثلة تؤدي شخصية درامية، بينما المسئول عن محتوى العمل فعليا هما الكاتب والمخرج، فلماذا لم تأتِ على ذكرهما؟!

 

نال الفيلم إشادات عدة لدى عرضه في السينما مطلع العام الجاري، ولم يعترض على مضمونه أحد، لكن حين بات متاحا على "يوتيوب" تسبب في أزمة، وإتهمت نقابة التمريض أسرة الفيلم عموما والفنانة درة التونسية خصوصا بالإساءة لمهنة التمريض وتشويه المنتمين لها.

 

اقرأ أيضا: أعيدوا المصريين ثم حاسبوا المسيئين

 

التنمر الذي واجهته الفنانة درة، نتيجة غضب قطاع التمريض بسبب طبيعة شخصيتها في الفيلم، جعلها تعتذر: "الممرضات فوق رأسي، لأن دورهم مهم للغاية باعتبارهم ضمن الجيش الأبيض وملائكة الرحمة في مواجهة كورونا".. الفيلم تم تصويره منذ سنتين ولكن عرضه عبر “يوتيوب” منذ أيام سبَّبَ حالة الغضب الكبير بين الممرضات.

وبينما اكتفت درة بالاعتذار للممرضات، مبينة أنه دور درامي، اعترض نقيب المهن التمثيلية د. أشرف زكي، على تصريحات نقيب التمريض.

 

لا يمكن إنكار دور "ملائكة الرحمة" البطولي في مواجهة الجائحة، وهم جزء من "الجيش الأبيض" الذي يتصدر الصفوف الأولى في العالم أجمع، لكن أيضا لا يجوز الافتئات على فنانة تميزت في أداء دورها، لأنها في النهاية غير مسئولة عن المحتوى الدرامي، ويُسأل عنه المؤلف والمخرج..

 

اقرأ أيضا: المؤامرة تتوسع والبشر ضحية

 

ومثلما قالت شركة الإنتاج في بيان: "من غير اللائق أن يقوم البعض بالهجوم على الفنانة والتنمّر عليها بسبب إجادتها لدورها، بل ويصل الأمر بهم إلى المطالبة بترحيلها عن مصر، ومن المؤسف أن يضطر صناع السينما في مصر، وبعد مرور قرن على بدء الصناعة، إلى الدفاع عن حقهم في تقديم رؤاهم وإبداعاتهم دون وصاية"..

 

ينتمي "يوم وليلة" إلى الأفلام الواقعية، ولا تحمل شخصياته أي دلالة رمزية، وشخصية الممرضة ميرفت، التي جسدتها باقتدار الفنانة درة، مكافحة لها أبعاد مركبة، فهي أمٌ مطلقة تتحمل مسئولية تربية أطفالها، كما تتحمل مسئولية أخيها وأسرته بعد طرده من العمل، وتحت ضغوط حياتها الصعبة وقسوة الواقع، تضطر إلى ممارسة بعض الأمور السلبية التي تُدفع إليها دفعاً. والفيلم لا يدين الشخصية بل يتعاطف معها بوضوح، وينحاز لهمومها وأزماتها.

 

كان بمقدور نقابة التمريض اللجوء إلى القضاء دون التنمر والتحامل على الفنانة درة، لمجرد أنها أجادت دورها، أو الاكتفاء بالطلب الذي تقدمت به لإيقاف عرض الفيلم، لأنه يظهر الممرضة المصرية بصورة سيئة.

 

اقرأ أيضا: انتهى وقت «إغواء النساء»

 

وأخيرا تبقى المشكلة الأساسية في توقيت عرض الفيلم على "يوتيوب"، في وقت يقدم في التمريض مع الأطباء أرواحهم فداء للمرضى في مواجهة جائحة "كورونا"، وباستثناء سوء اختيار توقيت عرض الفيلم، فإن جميع المهن فيها الصالح والطالح، وليس معنى عرض نموذج سلبي في عمل درامي، أن جميع المنتمين للمهنة سيئون.

Advertisements
الجريدة الرسمية