رئيس التحرير
عصام كامل

كنيسة الإسكندرية.. مهد المسيحية في مصر.. خرّجت كهنة وقساوسة.. تضم مقرا دائما للبابا ..ومن أكبر 4 بطريركيات في العالم

البابا تواضروس
البابا تواضروس

للإسكندرية مكانة كبيرة في المسيحية فمنها بدأت الكرازة المرقسية حيث كانت بوابة دخول المسيحية إلى مصر بأكملها وهو ما يفسر إطلاق لقب بابا الإسكندرية على بطريرك الكرازة المرقسية أو بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

الكنائس العالمية

وتعتبر كنيسة الإسكندرية إحدى أربع بطريركيات كبرى عالمية (بطريركية أنطاكية، بطريركية القسطنطينية، بطريركية القدس)، وهى من الكنائس الوطنبة التاريخية، التي عانت من اضطهاد الدولة البيزنطية.

القديس مرقس الإنجيلى، هو الأب الروحي للكنيسة الأرثوذكسية، فهو من أسس كنيسة الإسكندرية وسافر إلى روما أيضًا ولكنه عاد مباشرة إلى الإسكندرية للتبشير فيها بين اليهود فنزل بحي اليهود بالإسكندرية فكان أول من بشر بالإنجيل في مصر وقد لقي حتفه سنة 62 م أو سنة 68 م في بعض الروايات.

عصر التبشير

استخدمت كنيسة الإسكندرية في القرن الأول الميلادي اللغة اليونانية في طقوسها وشعائرها وتعاليمها وتبشيرها، وأنشئت المدرسة اللاهوتية المسيحية في الإسكندرية، وفى الفترة التي تلت عصر الرسل أخذت الكنيسة في النمو وازداد عدد المسيحيين وأقبل الوثنيون على اعتناق المسيحية.

وأنشأ رجال كنيسة الإسكندرية المدرسة التبشيرية بالإسكندرية، وتولى رئاستها كلمنت السكندري ثم أوريجين واعتبر أشهر شخصية مسيحية في تاريخ كنيسة الإسكندرية لجرأته وتعمقه في أصول المسيحية، فضلًا عن ورعه وتقواه.

وتقلد أسقفية الإسكندرية عدد من الأساقفة البارزين أهمهم بطرس الذي ولى الأسقفية عام 300 م وكان من أكفأ علماء الدين المسيحي في مصر وأكثرهم شهرة، وأسس مارمرقس في الإسكندرية مدرسة لاهوتية، لتثبيت المؤمنين في الدين الجديد، وكانت تقف أمام المدرسة الوثنية الشهيرة تقاوم تيارها وأفكارها وترد عليها.

مهد الفلاسفة

وقد قدر لهذه المدرسة -فيما بعد- بما توفر لها من علماء أن تجذب بعض فلاسفة المدرسة الوثنية إلى الإيمان المسيحي، بل أن تصبح أكبر مركز دراسي لاهوتي مسيحي في العالم كله، وقدمت هذه المدرسة للكنيسة المسيحية في مصر وخارجها علماء وفلاسفة استطاعوا أن يخدموا أجل خدمة، ويذودوا عن إيمانهم بأقلامهم التي فندت ادعاءات الفلاسفة الوثنيين، وتُرجم الكتاب المقدس إلى اللغة القبطية في مدرسة الإسكندرية.

وتحددت في مصر أوقات الصيام والأعياد للعالم المسيحي كله، كذلك نشأ نظام الرهبنة في صحارى مصر، وكان الأنبا أنطونيوس أول راهب مسيحي في العالم، وعلى أثر ما جرى في روما في عصر نيرون من اضطهاد وقتل وتعذيب للمسيحيين راح ضحيته الرسولان بولس وبطرس هجم الوثنيون في الإسكندرية على كنيسة للمسيحيين بشرق المدينة سنة 68 م فقتلوا القديس مرقس وتكرر الاضطهاد قرب أواخر القرن الأول الميلادي سنة 98م على عهد الإمبراطور تراجان وجرى التنكيل بالمسيحيين في الإسكندرية مثل بقية الأنحاء.

عصر الاضطهاد

وفى عهد الإمبراطور سبتموس سفروس في أوائل القرن الثالث الميلادي تصاعدت الاضطهادات حتى إن كثيرا من المسيحيين من سائر الجهات في مصر أرسلوا إلى الإسكندرية ليحاكموا فيها.

ثم لاحق الإمبراطور فاليريان (253 – 260 م) زعماء المسيحيين والكهنة، فحرم على المسيحيين الاجتماع في دور العبادة، وتعرض عدد كبير منهم ومن الكهنة للموت بالاختناق في أحد السراديب، حيث كانوا يتعبدون، وأعدم في الإسكندرية عدد كبير من رجال الدين ومن عامة المسيحيين.

وفى عهد الإمبراطور دقلديانوس (284 – 305 م ) كانت أسوأ الاضطهادات الدينية، حيث طرد المسيحيون من البلاط ومن صفوف الجيش وتم نفيهم إلى جهات نائية وحرمانهم من حقوق المواطنة وحرق كتبهم المقدسة، وهدم كنائسهم ثم أعقب ذلك بالعقوبات البدنية، ثم أتبع ذلك بحركة قتل وتنكيل سنة 304 م فأحدث مذابح بشرية رهيبة جرى فيها إعدام كثير من المسيحيين فى مصر والإسكندرية بالذات حتى أطلق على عهد هذا العصر (عصر الشهداء) واتخذت الكنيسة القبطية بدء تقويمها بسنة ولاية هذا الإمبراطور 284 م، وسمى التقويم بتقويم الشهداء.

انتشار المسيحية

إلا أن هذه الاضطهادات الدينية جاءت بنتيجة عكسية وكانت عاملًا من عوامل انتشار المسيحية، لأن بطولة هؤلاء الشهداء جذبت انتباه كثير من الوثنيين، وأثارت اهتمامهم بالعقيدة الجديدة فما لبثوا أن دخلوا فيها فانتشرت المسيحية وسادت في الإسكندرية وجهات أخرى من مصر.

ومنح انتصار المسيحية الأرثوذكسية السكندرية على الوثنية والهرطقة الأريوسية، منح المدينة هالة من النور والمجد، وأصبحت في نظر الخاص والعام تُعتبر العاصمة الروحية للعالم المسيحى، فكان هذا من أسباب الحسد والحقد اللذين أضمرتهما بيزنطة لها. وبيزنطة هي مركز الإمبراطورية ومصدر السلطان السياسي في العالم.

لذلك لم يستسغ البيزنطيون تسامى كنيسة الإسكندرية على الكنيسة البيزنطية وبلوغها مركز الزعامة والقيادة الدينية من العالم الرومانى، في حين أن الإسكندرية ومصر كلها كانت ولاية تابعة للقسطنطينية، فنشأ عن ذلك صراع مذهبى بين الإسكندرية والقسطنطينية، وتوجد بالإسكندرية العديد من الكنائس ومنها، الكنيسة المرقسية الكبرى، وهي من الكنائس الأرثوذكسية المشرقية.

وهي مؤسسة على تعاليم القديس مرقس الذي رافق مار بطرس وبولس، وكان يخدمهما ومرقس بشَّر بالمسيحية في مصر، خلال فترة حكم الحاكم الروماني "نيرون" في القرن الأول، بعد نحو عشرين عاما من انتهاء بشارة المسيح وصعوده إلى السماوات.

وقد كان أول شخص يؤمن بالمسيح في مصر إسكافيا ذهب إليه القديس مرقس بمجرد وصوله إلى مصر لإصلاح حذائه الذي اهترأ من السفر، فصرخ الإسكافي إلى الله عندما دخلت الإبرة التي يعمل بها في يده، وهنا بدأ القديس مرقس يشرح له من هو الله وكيف أتى المسيح لخلاص البشر فآمن الإسكافي وأهل بيته، والكنيسة القبطية –وهي عمرها الآن أكثر من تسعة عشر قرنًا من الزمان.

وبالرغم من الاتحاد والاندماج الكامل للأقباط، فقد استمروا ككيان ديني قوي، وكوَّنوا شخصية مسيحية واضحة في العالم رغم أنفصالهم عن معظم الكنائس برفضهم مجمع خلقدونيا، فأدى ذلك إلى انعزال الكنيسة القبطية. والكنيسة القبطية تعتبر نفسها مُدافِعًا قويًا عن الإيمان المسيحي.

مجمع نيقية

وإن قانون مجمع نيقية –الذي تقرِّهُ كنائس العالم أجمع، قد كتبه أحد أبناء الكنيسة القبطية العظماء: وهو البابا أثناسيوس.

الكنيسة بنيت وتجددت مرات عدة على مر العصور، حيث وسعت في عهد البابا أشيلاوس سنة 295 م لأول مرة، إلا أنها أحرقت سنة 644 م، وبعد ذلك أعاد بناءها البابا يوحنا الثالث البابا الـ40 سنة 680 م كما ألحق بها ديرًا، لكنها دمرت مرة ثانية سنة 1219 م في عهد الملك الكامل وقام أبناؤه بإعادة بنائها، وهدمت للمرة الثالثة أثناء الحملة الفرنسية سنة 1798 م وبنيت من جديد بعدها، حيث جددت مرة أخرى سنة 1870 بقصد توسيعها، وتم بناء الكنيسة بشكلها الحالى عام 1950م، حيث وجدت البطريركية أن قبابها آيلة للسقوط فهدمتها وأقامت مكانها الكنيسة الحالية، وفى عام 828 ميلاديا حدثت سرقة جسد مرقس بواسطة بحارة إيطاليين، ونقل من الإسكندرية لمدينة البندقية فينسيا بإيطاليا، وبقيت الرأس بالإسكندرية، لكن استعادت الكنيسة القبطية جسده عام 1968 في أيام البابا كيرلس السادس.

محتويات الكنيسة

وتضم الكنيسة مبنى يعود للقرن الماضى ويحتوى على مقر البابا ووكيله بالإسكندرية وقاعات الكلية الإكليركية، وقد تم الاحتفاظ بحامل الأيقونات الرخامى والإنبل والكرسى البابوى مع باقى الأيقونات الأثرية بالكنيسة، واضن أيقونات أثرية ليسوع المسيح ومريم العذراء، مارمرقس ومارجرجس من العصور القبطية، وتضم رفات الآباء بطاركة الكرسى السكندرى في الألفية الأولى.

وتأتى أهمية كنيسة الإسكندرية كونها تأسست في فجر المسيحية على يد مرقس، وكان لها الأثر البالغ على الفكر المسيحي، وهى كنيسة رسولية، وكرسيها يعد كرسيًّا رسوليًا بالإضافة إلى أنطاكية وروما والقدس (أورشليم)، ثم أضيفت لهم القسطنطينية في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381م.

الشهيد مارمينا

كنيسة الشهيد مارمينا، وبدأت قصة الكنيسة بإنشاء جمعية. هي جمعية مارمينا العجايبى بالإسكندرية. ففي العام 1945 قامت جماعة صغيرة من الشباب السكندرى الغيور، والتفت حول اسم الشهيد المصري مارمينا العجائبي، وكانت هذه الجماعة تسعى بهدف بعث اسم مارمينا العجائبي وسيرته، وتخليد اسمه وذكراه في الإسكندرية، وذلك كرمز من رموز مجد كنيسة الإسكندرية العريقة وتاريخها العظيم.

قامت هذه الجماعة من الشباب بإنشاء جمعية مارمينا العجائبى بالإسكندرية، وكان إلى جانب أهدافها الثقافية السعى لتشييد كنيسة في الإسكندرية باسم الشهيد القبطى مارمينا العجائبي، وفي العام 1946 تم الاحتفال بوضع حجر الأساس لكنيسة الشهيد العظيم مارمينا العجائبي بفلمنج. وقد صكت الجمعة لهذه المناسبة ميدالية معدنية تذكارا لهذه المناسبة.

وبعد ذلك مباشرة بدأ العمل في بناء الكنيسة بإصرار حتى تكلل العمل بإتمام بناء هذه الكنيسة، وقد جاءت جميلة سواء في تصميمها الهندسي الذي استلهم من الكنيسة الأثرية في منطقة مريوط، أو في نقوشها القبطية الأصيلة التي تحلت بها، فكانت بكل هذا تحفة معمارية فريدة في طرازها وجمالها.

وبعد نحو العامين وفي منتصف العام 1948 م. اكتمل البناء … فكانت الكنيسة رائعة، فقد جمعت الكنيسة في رحابها بين عبق التاريخ ممثلا فيالأربعة الأعمدة الأثرية حول مذبحها المبارك، وبين جمال التصميم والنقوش مكللة جميعا باسم شهيد المسيح مارمينا العجائبي.

أول قداس

فى16 يونيو 1948 أقيم أول قداس في كنيسة الشهيد العظيم مارمينا- بفلمنج، وكانت فرحة للشعب السكندري وأدركوا كم هي رائعة الكنيسة القبطية بماضيها العريق وحاضرها المشرق ومنذ ذلك التاريخ انطلقت هذه الكنيسة في مسيرتها.

توجد بالإسكندرية العديد من الكنائس الأخرى للعديد من الطوائف المسيحية بعضها له قيمة تاريخية، وتعتبر من المزارات السياحية المهمة ومنها، الكنيسة الإنجيلية والكنيسة السويسرية وبطريركية الروم الأرثوزوكسيوالكنيسة اليونانية وكنيسة سانت كاترين وكاتدرائية القيامة للكاثوليك وكنيسة الآباء اليسوعين وكنيسة الأرمن الكاثوليك وكنيسة القلب المقدس وكنيسة سان مارك والكنيسة الإنجليزية.

المصادر: كتاب تاريخ الكنيسة القبطية للقمص منسى يوحنا

نقلًا عن العدد الورقي..،

الجريدة الرسمية